17 نوفمبر، 2024 6:26 م
Search
Close this search box.

كلام صريح ربما يشتمونني عليه !!

كلام صريح ربما يشتمونني عليه !!

كثيرا ما تمنع العواطف الانسان من التفكير العميق والجاد في مشكلة يواجهها فيظل يعاني من وطأة المشكلة بسبب انسياقه خلف عاطفته ومثالياته التي ينفرد بها اويشاركه فيها الاخرون , وما يتعرض له الانسان فردا من ضغط العاطفة وحكمها وتحكمها تتعرض له الشعوب والجماعات ايضا فتظل في حلم ومثال بينما تاكل المشاكل والازمات فيها ولم تتنبه احيانا لتلك المشكلات حتى تكون قد خارت قواها ونزفت من دمها الكثير فتتجرع الدواء المر طلبا لبقية من حياة عسى ان تستعيد عافيتها من جديد .
    ان من اشد العواطف الانسانية واكثرها تاثيرا في حياة الانسان عاطفة التعلق بالوطن حتى عرف بعض المفكرين الوطنية بانها التعلق بالوطن , ولاعيب في عاطفة من هذا النوع ولا في حلم يرى الانسان فيه وطنه مزدهرا , ناميا , حيا , مباركا , فذا هو القران الكريم ينقل لنا دعاء ابراهيم (ع) لوطنه البيت الحرام الذي خلف فيه اسرته مهاجرا عنها ” رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الطيبات  ” . ولكن ماذا يبقى  من الوطن عندما تستبد ببعض المواطنين الذين اكتسبوا صفتهم هذه من العيش في وطن محدد نزعة الكراهية والبغضاء لاسباب لا نهاية لها , وتتصاعد تلك الكراهية وتعتمل البغضاء في النفوس فتندفع الغوغاء بصخب وعمى لحمل السلاح وقتل بعضها البعض ؟ .
    قد يصفني بعضهم انني من دعاة التقسيم , تقسيم العراق , مع ان هذا ليس من عقيدتي الدينية او الفكرية او السياسية , ولكن ماذنبي وانا ارى بلدي يتطاير الشرر من انحائه ويغذ السير حثيثا باتجاه التقسيم ربما في اعقاب حرب اهلية لم يدرك خطورتها السياسيون عندما شحنوا الشارع بشعارات التناحر والبغضاء منذ تخلص العراقيون من جلادهم عام 2003 ؟ .
    في عام 1980 عندما اندلعت حرب الخليج الاولى التي يطرب بعض الحمقى لتسميتها بالقادسية الثانية صرح بريجنسكي مستشار الامن القومي في ادارة الرئيس الامريكي كارتر قائلا : ان المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الان (1980) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الاولى تستطيع امريكا من  خلالها تصحيح حدود سايكس-  بيكو .. وقد حصلت الحرب فعلا على خلفية موضوع الكويت عقب اطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الامريكية بدأ المؤرخ الصهيوني (برنارد لويس(  بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية للدول العربية والاسلامية جميعا ولكن كلاً على حدة .. من ضمنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وايران وتركيا وافغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الافريقي وتفتيت كل منها الي مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية ، وقد ارفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت اشرافه تشمل جميع الدول العربية والاسلامية المرشحة للتفتيت ..
( في مقال قادم سوف انشر خرائط برنارد لويس التي رسمها للدول العربية والاسلامية والتي تعرف سايكس بيكو الجديدة ) .
     ان الواقع الذي يعيشه العراقيون اليوم واقع تقسيم وهو بحاجة الى من يخرجه بسلام من خلال وثيقة قانونية يتفق  عليها الجميع وتعترف بها الامم المتحدة , فما يتحدث به السيد مسعود بارزاني في اقليم كردستان حول الدولة الكردية المستقلة وحدودها هو حديث اغلبية الشارع الكردي , وما ظهر اليوم في تظاهرات الانبار والموصل وصلاح الدين هو حالة انفصال فعلي عن شركاء الوطن في المحافظات الوسطى والجنوبية , اذ لكل وجهة وشرعة ومنهاج , فابن الجنوب في نظر المحافظات الغربية صفوي مجوسي طاريء على العراق اغتصب الحكم من اهله وتربع في غير محله , وانهم يعدون للزحف على بغداد عاصمة الرشيد في قادسية ثالثة , وفي كل ذلك المخزون النفسي والذهني الذي عليه المحافظات الغربية تقف دول ومؤسسات اعلامية ودينية ومشايخ دين في العراق وخارجه داعمة له , وما يرفعه ابن المحافظات الغربية مرفوض مطلقا في وسط العراق وجنوبه , فهذه المحافظات تمثل حضارة العراق منذ الاف السنين حيث كانت الاهوار  مهد حضارة سومر , وذي قار مولد ابي الانبياء ابراهيم (ع) , وبابل مهد حضارة البابليين والاكديين , والحيرة والمناذرة كانتا دولة العرب في العراق قبل الاسلام فيما كانت الغساسنة دولتهم في بلاد الشام , وعندما فتحت طلائع المسلمين العراق تاسست البصرة والكوفة , فكانتا منطلق الجيوش الاسلامية في الفتوحات وكان ابناء الجنوب عماد ومادة تلك الفتوحات , ولم يعرف الاسلام حواضر ومدارس علمية كما عرفها في مدرستي البصرة والكوفة , كما لم يعرف مهرجانا ومنتدى ادبيا كما عرفه في مربد البصرة , فاذا كان هذا تاريخ ابناء جنوبي العراق , لماذا يتنكر لهم ابناء المحافظات الغربية فيصفونهم بالصفويين المجوس ؟ هل يبقى للعيش المشترك معنى ؟ وهل نخدع انفسنا او يخدعنا السياسيون بان الازمة ازمة طارئة وليست ازمة بنيوية ونفسية وعقلية واجتماعية ؟ .
    قلت في اول المقال : اننا احيانا نخدع انفسنا بالجري وراء العواطف , وقد نظل نجري حتى تسفك الدماء انهارا , مع اننا لو حكمنا العقل لاحسنا التصرف وخرجنا باقل الخسائر . ان تقسيم العراق بدأ على يد صدام وبعد انتفاضة 1991 فكان العراق حسب تقسيمه , محافظات بيضاء وهي المحافظات التي لم تشترك في الانتفاضة وكان ابناؤها عونا له في القمع , وهي الانبار وصلاح الدين ونينوى ومحافظات سوداء وهي التي انتفضت على نظامه , ومحافظات اشد سوادا وهي البصرة وميسان وذي قار , واشتداد سوادها في عين الدكتاتور لانها كانت منطلق الانتفاضة , فمنع ابناء المحافظات السوداء , والمحافظات التي اشد سوادا من تملك اي عقار في العاصمة بغداد , وهجر من جاء نازحا اليها الى مسقط راسه في الجنوب واستثني من القرار ابناء الانبار وصلاح الدين ؟ .
    عندما تعذر العيش المشترك لما يسمى شعب يوغسلافيا لجأوا الى التقسيم بعد انهار الدماء فولدت دول البوسنة والهرسك وصربيا وجمهوية الجبل الاسود ولم يسمع في شعوبها اي اضطراب منذ التقسيم , وعندما تعذر العيش المشترك على شعب تشيكوسلوفاكيا انفصل الى شعبين جارين في دولتين مستقلتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا , وعندما انزاح النظام الحديدي عن الاتحاد السوفيتي السابق عادت جمهورياته الى دول مستقلة متجاورة , واختار السودان حلا لمشكلته المستدامة وبعد حرب طاحنة التقسيم سلميا فولدت دولة جنوب السودان , فهل العراق الذي يصعب تعايش مكوناته بفعل مخطط برنارد لويس يختلف عما مرت به تلك الدول ؟ ام ان تلك الشعوب لم تكن تملك من الحب والاحساس الوطني ما يملكه العراقيون ؟ .
    ان جلوس من بيده (عقدة النكاح) للخروج بحل توافقي وباشراف الامم المتحدة لرجوع العراق الى اصل تكوينه وهو ثلاث كيانات (*) او دول مستقلة خير من حرب اهلية تسعرها الطائفية بين الشيعة والسنة , والقومية بين العرب والكرد ونتيجتها بعد الدماء تقسيم العراق .
    بعد ذهاب كل مكون بدولته المستقلة ربما سوف يشعر بحاجته للمكون الاخر , وتحت ضغط الاحداث سواء خارجية ام من فعل تيار وحدوي داخلي سيعود العراق الى تجميع اوصاله في دولة واحدة تنظم احواله وثيقة اساسية يصوت عليها الشعب فيولد بلد بولادة طبيعية نتجت عن قناعة ابنائه بالعيش المشترك , وليس عن اكراه بسوط دكتاتور او بعواطف واضغاث احلام ” وما نحن بتاويل الاحلام بعالمين “.
(*) كان اسم العراق يطلق قديما على المنطقة الواقعة بين بلدة الدجيل شمال بغداد وخليج البصرة جنوبا , اما المنطقة الغربية فكانت تسمى في كتب الرحالة والجغرافيين منطقة الجزيرة .

أحدث المقالات