23 ديسمبر، 2024 1:05 ص

كفوّا عنّا مندسيكم !

كفوّا عنّا مندسيكم !

يرفع مسؤولون حكوميون وقادة ميليشيات عقيرتهم بوجود مندسين بين المتظاهرين السلميين, يقومون بأعمال شغب, تصل حد قتل متظاهرين إسوة بقتل افراد من القوى الأمنية.
ليُخلوا مسؤوليتهم عن ما يحدث, بعد ان بلغ عدد شهداء الانتفاضة, خلال اقل من شهر ونصف من انطلاقها, اكثر من ثلاثمئة شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى.
لكن من هو المندس ؟
هو, ببساطة, الشخص المدفوع من جهة متجبرة لينفذ الى طرفٍ مناهضٍ للقيام بعمل تخريبي, مادي او معنوي, يضر او يعطل او يشوه أهداف الجهة الأخري.
وبسبب ان الحركة الاحتجاجية ضد الفساد والمحاصصة في العراق والتي تحولت الى انتفاضة شعبية سلمية, هي حراك عفوي واسع مفتوح لكل الناس, فإنه يسهل اختراقها, ولابد ان تواجه من قبل اعدائها, من اجهزة الدولة القمعية, كما من اطراف الدولة العميقة, بقسوة… إضافة الى محاولات تخريبها من الداخل بدس عملائها فيما بين المنتفضين, وتشويهها إعلامياً.
أليس إثباتاً ادعاءات السلطات بوجود مندسين في صفوف المنتفضين حصراً, دليلاً بأنهم الضحية وان اعدائهم هم من يرسلون هؤلاء المخربين لإفشال الانتفاضة التي يجهد المنتفضون لانجاحها سلمياً ؟
فأن المنطق يشير بأن من له مصلحة في إجهاضها هو من يقف وراء هؤلاء المندسين.
لكنهم يزرعون مندسيهم ثم يطالبون المنتفضين الضحايا بالكشف عنهم !

لذا فلابد للسلطات من معرفتها بالمندسين, قبل غيرها , لأنها وميليشيات احزابها هي التي دستهم, باعتبارهم الطرف الرئيسي الذي له مصلحة في قمع الانتفاضة, وهم أيضاً مسؤولون عن كل اندساس, حتى لو كان خارجياً.
سير الأحداث يؤكد بان أعمال العنف كانت تصدر من الطرف السلطوي بالخصوص, الذي استعمل الرصاص الحي والمطاطي والغازات السامة لتفريق المتظاهرين العزل.
واذا ما كان هناك أفراد متهورين ومندفعين من بين المتظاهرين, فأن اللوم يقع على الأحزاب الحاكمة وعسفها, فهي من أوصلتهم إلى هذه الحالة من اليأس ودفعهم الى إحقاق الحق على طريقتهم وبأسرع ما يمكن, بدون انتظار اعتراف القوى القمعية بتجاوزاتها او التعويل على قضاء تابع مرتعب ان يدين الظلمة.
ولو وجدت مثل هذه الشريحة بين المنتفضين, الذين دللوا على سلميتهم رغم الخسارة الفادحة من شهداء ابرار وجرحى اعزاء, فأنها اقل من القليل ولا تشكل ظاهرة بينهم.
ان اتهامات ممثلو السلطة بوجود مندسين بين المنتفضين هو جزء من الحرب النفسية عليهم ومحاولة جعلهم في دائرة الاتهام دائما وفي موقع الدفاع عن النفس, وتشويه صورتهم الوطنية الناصعة, ووضع العصي في عجلة انتفاضتهم المظفرة.

وكانت جهات امنية وحكومية, قد ادلت بتصريحات تؤكد وجود جهة اخرى كانت تقتل المواطنين وافراد القوات الامنية معاً. اي ان هناك جهة ثالثة ليس لدى المنتفضين علاقة بها, لكنها بالتأكيد, قريبة من السلطة,لا تجرأ الكشف عنها بصراحة, هي التي تقوم بهذه الجرائم الشنيعة والتي كانت اولها عمليات القنص البشعة للمواطنين المسالمين بسادية مفرطة وخطف الناشطين المدنيين وترويع المواطنين.

وكذلك ليس دون دلالة تصريح وزير الدفاع بعدم مسؤولية الجهات الرسمية عن استيراد النوعيات القاتلة من القنابل المسيلة للدموع… فمن هي هذه الجهات التي لا يستطيع حتى وزير الدفاع تسميتها ؟
لا بل حتى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي اشار الى جهات تقوم بالاختطاف مستخدمة سيارات حكومية, وانها ليست فوق القانون, بعد حادثة اختطاف ضابط كبير في وضح النهار وفي وسط العاصمة بغداد, الا انه ايضاً لم يتجرأ على تسميتها.
هؤلاء هم الطابور الخامس الذي خرب البلاد والذي يأملون زرع بذور عدم الثقة بين الشعب وقواته المسلحة, ومن ثمة, اجهاض أعز منجز لشعبنا العراقي في تاريخه المعاصر… انتفاضة تشرين اول / اكتوبر الجبارة.