لايختلف إثنان -سويان حصرا- على الكم الهائل من السلبيات التي ترافق عمل مؤسسات الدولة في عراقنا الجديد، عراقنا الذي كتبت له الأقدار أن ينفذ من حكم ملكي تحت السيطرة البريطانية نهاية خمسينيات القرن المنصرم الى حكم جمهوري عراقي صرف، انفتحت حينها أسارير الفرح والأمل الكبير أمام الشعب المكبوت والمقهور، لكن غراب الشؤم كان يحلق في سماء العراقيين، ولم يفسح مجالا أكثر من أربعة أعوام وبضع شهور فقط، فانقض على أحلام العراقيين ليطويها تحت جنح الظلام الحالك أربعة عقود بالتمام والكمال. وكما قيل؛ “دوام الحال من المحال”، فـ “طار صدام”..! وكان من المفترض أن تطير معه غربان الشؤم والشر من غير عودة، لكن الأرضية كانت خصبة ومهيأة لتناسلها وتكاثرها، فحصل ماحصل ومازال يحصل -ويبدو أنه سيبقى يحصل- مادام المرتع والمربع وفيرا غنيا دسما بما يناسب عيش تلك الغربان. أما شماعة الإخفاقات والتلكؤات والفشل الذريع المتكرر.. فهي الأخرى تتناسل وتتكاثر دواعي تعليق اللوم عليها، فبعد أن كان النظام الملكي وانضواء سياسته تحت لواء بريطانيا العظمى، وعمالة نوري السعيد وعبد الإله والفيصلين ومن بينهما شماعة السابقين، كذلك الحال اليوم..! فمن أخفق من ساستنا في أداء واجبه، او فشل في تحقيق تقدم في مستوى مؤسسته، او تهاون في سد ثغرات الفساد المتفشي فيها، او قصر في تلبية مطالب المواطنين فيما مطلوب منه، نجده سرعان مايستحضر بمهارة فائقة شماعة النظام المقبور، وهي جاهزة لكل من هب ودب ونط وحط وصال وجال منهم، فيروح يعلق عليها أسباب تأخره وتلكئه وعدم سيطرته على جموح السلبيات في مؤسسته.
وكلنا يذكر عام 2003 إذ الجميع هلل واستبشر خيرا بالتغيير الجذري الذي حصل فيه، وخال بعضنا أن العراق سيسابق الريح، ويعدو وسط أمم العالم المتحضرة ليكون أولها، كما كان قبل أربعة آلاف عام أولها. وأول بشائر ذاك الإحساس هو كمّ الحرية الهائل الذي أمطرته علينا سماء (عام السعد). كذلك شكل الحكومة وآلية انتقاء الحكام وانتقال الحكم فيها، هي الأخرى كانت كلها نقلات نوعية مميزة للعراقيين بعد سنين القمع والدكتاتورية. إلا أن الرياح لم تكن لتأتي بما يشتهي الشعب، فبعد ان صار أمر الحكومة والرئاسات انتخابيا، حصل ما لم يكن يحصل في زمن الدكتاتور، إذ تلبست نعمة الحريات الممنوحة للمواطن العراقي بلبوس النقمة والوبال عليه، ولم يعد يرى من خيرها غير كثرة الاتصالات وأبراج الشبكات بمسمياتها العديدة، بين عنكبوتية وإلكترونية، ومن الفضائيات.. هلّت عليه من على شاشات تلفازه قنوات ماكان يراها في عالم الخيال، ومن الأجهزة المنزلية ما يسد عليه كل حاجاته وحاجات ربة بيته وأولاده، وكذلك من المركبات والعجلات والسيارات موضات وماركات يحار في عدّها. ولكن في حقيقة الأمر كانت هناك مأساة تغرق فيها البلاد والعباد، أودت أخيرا الى مآل لايسر أي عراقي ينتمي لأرض العراق واسم العراق روحا وهوية وكيانا ووجودا، فالأرض احتلها أوباش.. والعرض هتكه رعاع.. والمال سلبه قراصنة.. والدين لوثه كفرة تكفيريون.. والرموز هدمها سارقون.. والحريات اغتصبها معتوهون لايعرفون معنى الإنسانية والتحضر.
هو نداء الى ساسة العراق.. فلتشكل لديكم هذه المصابات والانتكاسات والتداعيات جميعها صعقة توعوية منشطة، تشحذ فيكم طاقة العمل الدؤوب والنيات الخالصة، لحل المعضلات والعقد التي أصابت الجسد العراقي، لإعادة أمجاده وإنقاذه مما وصل اليه، وكفاكم شماعات..! وإلا فالعاقبة وخيمة على الجميع حكومة وشعبا.