يكثر الحديث هذه الايام عن طريق الحرير الذي يستند الى الاتفاقية العراقية الصينية التي وقعت عام ٢٠١٨ في حكومة عادل عبد المهدي وبين طريق التنمية او القناة الجافة التي تسعى الى تنفيذها حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني ، وبين توقف تنفيذ المشروع الاول والاستعداد لتنفيذ المشروع الثاني يثار السؤال: ايهما اصلح للعراق ان تبنى مصانع فيه ام ان يكون طريقا لمرور البضائع؟.
لا يخفى ان الاجابة على هذا التساؤل تستوجب الوقوف عند نقطتين:
الاولى – مصلحة العراق خالصة وبعيدة عن أية حسابات اخرى.
الثانية – رأي اصحاب الاختصاص لا قرار السياسيين.
فالعالم المادي اليوم يعتمد التنافس الاقتصادي الذي يستند الى تحقيق المكاسب على حساب الدول الصغيرة فلا صداقات دائمة بل مصالح دائمة ، فالصين مثلا لن تهب أحدا مصانع ومعامل مجانية بل تقوم بانشاء مدن صناعية عمالها من الصينين فقط اضافة الى مزايا تطوير للبنى التحتية وبضاعتها تباع وتسوق بسعر اقل بعد طرح اجور النقل والشحن ليس في داخل البلد الذي أنشئت فيه فحسب؛ بل حتى تصدر للبلدان المجاورة له مستفيدة من مزايا الاعفاءات الجمركية على البضائع التي تنتج داخل البلد مثلما يجري في بعض الدول الافريقية… لذلك عمدت اغلب الدول وبالذات الخليجية منها الى ابعادهم في المناطق الحرة الحدودية مثل ميناء جبل علي في الامارات وميناء مبارك في الكويت.
إذن مشروع الاتفاقية العراقية الصينية الذي وقع ولم يدخل حيز التنفيذ ولم ينشر كان محاولة من حكومة السيد عادل عبد المهدي لانقاذ البلد الذي يعتمد الاقتصاد الربعي وتتقاذفه تداعيات تركة الحرب المكلفة جداً على داعش وانخفاض اسعار النفط في حينها.
لكن العراق اليوم بأفضل حال مع ميزانية انفجارية تتجاوز ١٠٠ مليار دولار واستقرار امني وخطوات جيدة في معالجة الكثير من تركة الفترات السابقة ، ويطرح رئيس حكومته مشروع طريق التنمية الذي يربط نقل البضائع بين دول المنطقة باعتبار العراق محطة ترانزيت لمرورها ، وهذا مشروع ليس بجديد وسبقتنا اليه الكثير من الدول ، بل ان الألمان قبل اكثر من مئة عام طرحوا مشروع سكة حديد بغداد برلين لنقل المسافرين والبضائع ولولا اندلاع الحرب العالمية الاولى لدخل المشروع حيز التنفيذ الى يومنا هذا.
مشكلتنا الحقيقية اليوم هي في تصدر السياسي للقضايا الاقتصادية اولا؛ وتعاطي الاعلام معها بشكل منافي للوقائع ثانيا؛ وجعل مصالح البلد العليا عرضة للمزايدات ثالثا؛ وجهل المواطن بما يجري وأين الصواب رابعا؛ بما يضر بالأداء الحكومي عامة والأحزاب والعملية السياسية خاصة.
ان الحل يكمن في تصدر ذوي الاختصاص للقضايا الاقتصادية وتقرير مصير المشاريع المستقبلية التي تعود بالنفع الاكبر على العراق واجياله القادمة سواء اكان طريق الحرير او طريق التنمية او الاثنين معا ، اما دون ذلك فان اي قرار سياسي ذو بعد اقتصادي غير مدروس بعناية قد يكون له تأثير غير ايجابي ليس على الجيل الحالي بل حتى الأجيال القادمة.