18 ديسمبر، 2024 11:03 م

كفاكم المتاجرة بالدين!

كفاكم المتاجرة بالدين!

العروة الوثقى بين رجال الدين والسياسة ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة قدم التأريخ نفسه، فالكهنة والحكام كأقوى سلطتين وجدا بعد صراع سلطوي طويل، بأن أفضل طريقة للمحافظة على نفوذهم ومصالحهم هو أن ينسقا معا بحيث لا تصطدم إرادتيهما فيخسر أحد الطرفين أو كلاهما مكانته. وفي الحالات التي تميل فيها كفة الميزان لأحدهما، يعمل الطرف الثاني على إستعادة نفوذه بهدوء وتأني لتتوازن الكفتان مرة أخرى. وهذه الظاهرة إن غربت في الدول المتقدمة فإنها ما تزال مشرقة في الدول المتخلفة بمستويات مختلفة، لكنها تتعاظم بديهيا في الدول التي تحكمها أحزاب دينية، كما هو الحال في العراق بعد الغزو الامريكي عام 2013.
يحدثنا المؤرخ الموسوعي وول ديورانت في (قصة الحضارة1/1) بأنه في العهد السومري” تعاظم ثراء الكهنة عن طريق القرابين والنذور حتى صاروا من أكثر الطبقات الاجتماعية ثروة وقوة في الدولة، بل هم الذين يديرون شؤونها”. ويمكن صياغة نفس الجملة حاضرا على النحو الآتي: تعاظم ثراء المراجع الدينية عن طريق الخمس والنذور ورد المظالم حتى صاروا أكثر الطبقات الاجتماعية مالا وقوة، بل أصبحوا هم الذين يديرون شؤون الحكومة الشيعية في العراق.
كنا إن ظاهرة إتخاذ الدين تجارة دنيوية رابحة ليست جديدة وانما موجودة في الحضارات القديمة حيث كان الكهان وخدمة المعابد يحصلون على النذور والذبائح والقرابين المقدمة للآلهة والأصنام دون ان يفكر العابد(المغفل) بأن المعبود (الأصنام والالهة) لا تأكل الذبائح بل تأكلها الاصنام البشرية التي لا تشبع أفواهها الشرهة من قوت الناس البسطاء. أناس تعمل وتشقى وأخرى على جهدهم تتغذى! حيث يصدق المثل العراقي ” يتعب ابو كلاش يأكل ابو قندرة”.
الخمس مثلا هو ظاهرة متطورة لفكرة الكهان القدامى حيث استخدمت نفس المعادلة لتأمين حصة الكهنة الجدد وحددت النسبة أيضا بخمس جهد الناس وتعبهم. لذلك فإن رجال الدين الذين يرتزقون من الخمس لا يختلفون عن الكهنة القدامى في هذا الصدد، كلاهما طفيليات تعتاش على دماء الآخرين. يضيف وول ديورانت بأن الكهنة” كانوا يعيشون على القرابين والنذور التي تقدم للآلهة. وكانت لهم ثروات كبيرة لقاء الصلوات والخدمات التي يقدمونها. وقد أعفوا من الضرائب والخدمة العسكرية. كان لهم النفوذ والمكانة لتي تجعلهم موضع حسد بقية الطبقات”.
لاحظ علماء الدين لحد الآن معفيون من الخدمة في الجيش، واموال العتبات المقدسة معفاة أيضا من الضرائب والرسوم. مضت آلاف السنين ومازال الدجل والإستغفال نفسه، ومازالت عقلية العوام الجامدة نفسها. المعادلة هيٌ هيٌ ( كاهن غالب وتابع مغلوب ومال مسلوب وشرف مغصوب).
البراهمة في الهند أيضا أسسوا عقيدة لا تختلف كثيرا عما هي عليه عند الشيعة، حيث تنص على أن أفضل الأعمال التي يقوم بها الإنسان الصالح هي خدمة رجال الدين البراهمة، وكلما تعاظمت خدمته لهم كلما ارتقى الإنسان الى مرتبة أعلى. وتنص ديانتهم بأنه لا يحق لأتباعهم أن يجمعوا المال لأنفسهم بل يهبوه لرجال الدين، فكل ما على الأرض هو حق لهم. وقد ورد في كتابهم المقدس” كل ما يأكله البرهمي كإنما الله يأكله. فم البرهمي هو فم الله ذاته”. وصوروا للناس إنه كلما قدموا من مال وخدمة لكهنتهم، كلما كسبوا اكثر في الحياة الأخرى، وعلت منزلتهم الإجتماعية. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في سورة التوبة/34(( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل)). إذن ما الفرق بين رئيس الكهنة ( في حضارتي وادي الرافدين ووادي النيل) الذي كان يشرف على تبرعات ونذور وهبات الناس للمعابد ويوزعها على أتباعه وبين المراجع العليا في النجف التي تسيطر على مليارات الدنانير سنويا؟
قارن بين الكهان ومراجع الشيعة وسترى الحالة نفسها تتكرر، نفس الوسائل ونفس الأهداف. روى الكليني في أصول الكافي1/537 عن أبي عبد الله (ع) أنه قال” ما من شيء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإن الله يجعل له الدرهم في الجنة مثل أحد”. وأخرى من نفس المصدر ” درهم يوصل به الإمام، أفضل من ألف ألف درهم فيما سواه من وجوه البر”. وقد وصلت الوقاحة بشيخ شيعي يدعى (يوسف البحراني) أن يعتبر من أسباب الزنا عدم دفع الخمس للمراجع بقوله ” من جملة اسباب الزنا أكل الخمس وتواترة الأخبار بتحليل الخمس للشيعة لتطيب ولادتهم، وفي بعضها ان الزنا وخبث الولادة انما دخل على المخالفين من جهة الخمس”. (كتاب الحدائق / يوسف البحراني).
لقد إستمد علماء الأمامية هذه الدعوى الباطلة من خلال تأويل كلام الله تعلى عن عن سوء مقاصدهم وسفاهة آراءهم، رغم وضوح المعنى والقصد في الآية الكريمة من سورة الأنفال/41(( وأعلموا أنما غنتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)). أي هناك ستة أطراف يوزع عليهم الخمس ( الله، والنبي، ذوي القربى، اليتامى، المساكين، ابن السبيل) وليس طرفا واحدا ممثلا بنا يسمى السادة. ثم إن الآية خصت الرسول فقط ولم تخص نسائه وبناته وأحفاده! أنظر كيف يَختطف المذهب الدين وينفيه بعيدا ليحل محله.
والأهم في الموضوع ان الخمس المقصود به في الآية هو من (الغنائم) لأن تكملة الآية تشير الى ( يوم الفرقان) اي يوم معركة بدر. والخمس مما اغتنمه المسلمين من الكفار كالمال والسلاح والخيول وغيرها. اي حصر الخمس كمصدر للمال واسلوب صرفه. وكما يلاحظ فقد خص المال النبي (ص) فقط وليس أهله وخلفه فما بالك بالسادة ومعظمهم لا نسب له بالنبي! حتى الصدقة بعض المسلمين اعتبروها تخص النبي فقط.
لذلك الزكاة والصدقة لا قيمة لهما امام الخمس عند مراجع الشيعة. واذا كانت الزكاة لا تشمل رأس المال الثابت كالمسكن والمعمل والمحل والعجلات والمكائن والمعدات والأثاث، فإن الخمس يهيمن على كل ما يملكه الفرد.
واذا كان الله عز وجل أعفى لفقراء من الزكاة وأوجب التصدق بها عليهم فان فقهاء الشيعة لم يعفوا فقرائهم من الخمس.
ولما أوجب الله ان تجمع اموال الزكاة في بيت مال المسلمين فأن اموال الخمس تُجمع عند الإئمة ونوابهم ووكلائهم.
ولما اوجب الله ان تصرف تلك الأموال على الفقراء والمحتاجين فان الخمس يدفع لصاحب الإسطورة المنتظر، ولكونه مختفِ ـ كما يزعمون ـ فان نوابه يجمعونها له كما يدعون، في حين هم يتصرفون بها.
ولما اوجب الله الزكاة على كل من يتمكن منها فإن وكلاء ونواب الامام والسادة أعفوا أنفسم فقط من دفعها مهما تملكوا من مال وعقار وممتلكات أخرى. إي لهم الحقوق ولا تترتب عليهم واجبات.
قمة الإنتهازية والإستغلال والسحت!
وإذا كانت اوجه صرف الزكاة محددة في القرآن الكريم فإنها سائبة في الخمس، والمال السائب كما هو معروف يشجع على السرقة.
ولما كانت الزكاة فرض والخمس غير فرض، فإنهم فبركوا وروجوا أحاديث مختلقة هدفها تغيب عقل البسطاء والعامة من الناس الذين أهملوا فريضة الزكاة وهي ركن أساسي من أركان الاسلام وأخذوا بالخمس، فضاع عليهم أجر كبير.
الأنكى منه إنه في الأيام الأولى للغزو الامريكي للعراق انتشرت فتوى تبيح سرقة اموال الدولة والممتلكات العامة على أن يدفع السارق خمس قيمتها للسيد كي تحل له! وكانت النتيجة كارثية بكل معنى الكلمة.
يوجد ماعدا مورد الخمس (سهم جدي) وموارد أخرى منها يسمى بـ (ردٌ المظالم) وهو مبلغ يُستوفى من الشخص عندما لا يؤدي مثلا فريضة كالحج او الصوم او يرتكب معصية أو تقصير اتجاه شرع الله، فيدفع مبلغا للسيد ليرفع عنه الذنب الذي اقترفه بحق نفسه او آخرين، اي السادة يغفرون الذنوب قائمين بذلك مقام الله تبارك إسمه. الموظفون أيضا في الحكومة كانوا يدفعون كذلك نسبة من رواتبهم للسادة على إعتبار إن الوظيفة الحكومية تُعد ثلمة ومخالفة للشرع من وجهة نظر المجتهدين! لانعرف أي شرع يقصدون لكنه بالتأكيد ليس شرع الله.
إن فكرة ردٌ المظالم مستوحاة من الديانة النصرانية، ففي القرون الوسطي كانت الكنيسة تبيع صكوك الغفران لمقترفي الذنوب لتًغفر لهم ذنوبهم. ونفس الطريقة استخدمها الخميني في توزيع مفاتيح الجنة على الأطفال القاصرين وزجهم في محرقة الحرب ضد العراق. إنه الدجل والتلاعب بشرع الله ويدعون أنفسهم علماء دين! وهم بحق علماء ضلال. ومن مواردهم ما يسمى بحق الوصاية ويعادل ثلث قيمة الأرث بما فيه من املاك وممتلكات.
كذلك مورد آخر يسمى (حق الصوم والصلاة) وهي مبالغ يتفق عليها حيث يقوم بعض المراجع بتوكيل اتباعهمم لإداء فريضة الصوم والصلاة للمتوفيين. وأخير (النذور) وهي مبالغ يقدمها الناس للسادة لقاء شفائهم من أمراض أو إرتزاقهم بمولود أو تجارة رابحة او نجاة من حادث مميت أو تحقيق أمنية ما. في الولادة والموت والربح والخسارة والمرض والمعافة يقبضون أموال! كل تجارة فيها خسارة ماعدا تجارة الدين. ربح مضمون في الحياة الدنيا ولكن خسارة جسيمة في الحياة الآخرة. وفي الوقت الذي حلت مشكلة إثراء الكهنة والقساوسة في اوربا على يدي مارتن لوثر(1483-1546) الذي تزعم حركة الإصلاح الدين وإنتفض عليهم رافضا إثرائهم على حساب الفقراء والجهلة، فإننا كمسلمين ما نزال نعاني من هذه المشكلة في الألفية الثالثة! بسبب تفشي الجهل والتخلف والدجل وعدم تفهم جوهر الدين، إنها الوثنية بمفهومها العصري.
الأموال الحوزوية خارجة عن رقابة الحكومة ولا توجد بيانات دقيقة عن حجمها وكيفية توزيعها، مليارات من الدولارات محاطة بالسرية والكتمان. في تقرير حول واردات العتبات المقدسة أبان الإنتداب البرطاني للعراق يذكر” بائت بالفشل جميع المحاولات التي قام بها الوكلاء البريطانيون في بغداد لحث المجتهدين على تنظيم الحسابات في قوائم تتضمن كيفية التصرف بأموال خيرية أوذة أو تشكيل لجان لمراقبة الصرف” / المصدر (Lorimer Gazeteer 1.1B:160 1_8.1611_12 ) ومن الطبيعي إن هذه السرية إنما وجدت للتغطية على الفسد المالي في الحوزات والعتبات الشيعية وإلا ما الغرض من التستر عليها وإخفاء المعلومات؟
للتذكير فقط! عسى أن تنفع الذكرى. يحدثنا التأريخ بأنه عندما تولى عمر بن الخطاب (رض) الخلافة سأل عما يحل له من مال المسلمين بعد تركه عمله في التجارة وتفرغه لإدارة شؤون المسلمين؟ فقال له الإمام علي (رض): ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف. ليس لك من هذا المال غيره. فرد الفاروق: القول ما قال علي ( ابن كثير/ البداية والنهاية).
من يدعون محبة آل البيت ويهيمون بأفكار الإمام علي: إنكم تحظون بملايين الدولارات سنويا من خلال الخمس وبقية الموارد. فلماذا لا تأخذون من المال” ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف” فقط عملا بتوصية الإمام؟ ولماذا عيالكم يشترون بهذه الأموال الفلل والقصور في لندن وفرنسا ولبنان والأردن ودول الخليج وغيرها؟
لماذا لم تخصص مرجعية النجف جزء من وارداتها المليارية لحل مشكلة المياه والكهرباء في ظل فشل الحكومة الشيعية؟
أليس شيعة الجنوب أحق من بقية الشيعة ـ الذين ينفق عليها المرجع الأعلى في ايران والهند ولبنان ـ بواردات الحوزة، وهم أكبر الممولين لهذه الإيرادات؟
فعلا صح شعار ” بإسم الدين باكونا الحرامية”، وكلنا يعرف من هم الحرامية ومن زكاهم للشعب وطلب إنتخابهم لمرتين.