يتكرّر المشهد سنوياً ، و في العراق تحديداً منذُ عشر سنوات متتالـية .. و يتكرّر معـه الأخذ و الـرد و الجدل و السجال حول طبيعة و طريقة أحياء ذكرى واقـعة الـطف ..!
و طوال هذه الـمدّة ينقسم السِجال بين فُسطاطين في الـوسط الشيعـي : الأول ينشطر الى نوعين ، نوع يتمسّك بالشعائر و الطقوس و الممارسات التي تـُرافق أحـياء الـذكرى ، و منها الممارسات الغريبة و الشاذّة التي طرأت على المشهد خلال السنتين الأخيريتـيَن .. بـِعناد و تحدّي مصدرهُ طائفـي صـِرف مَـبني على فكرة ( نحنُ موجودين .. غصباً على اليرضى و الما يـرضـى ..! ) ، و خلفـيّة هذا الموقف فيها بُـعدين .. تاريخي يتعلـّق بما عاناه أتباع المذهب الشيعي على مدى مئات السنين ، مِن تهميش و ظلم و أقصاء بدأً مِن أستلام يـزيد بن معاوية للخلافـة وراثـةً عن أبيه معاوية بن أبي سفيان .. الى منتصف الخمسينات من القرن الـعشرين ..! و الـبُـعد الآخر هو التخندق الطائفي الذي أنتعش و استشرى بعد 2003 .. و بـروز طبقـة تـجـّار السياسة و تـجـّار الشورجة و تـُـجـار المذهب ، الـلذين يعتاشون على تنشيط و دعم هذه الطقوس و الممارسات ..!
النوع الثاني مِن الفسطاط الأوّل هو الذي يتبع بـوعـي أو دون وعـي رؤية التـشيّيع الصفوي لـقضـيّة الحـُسين ، التي حوّلت ثورتـهُ الى مأساة ..!
الفسطاط الثاني : هو موقف عُـقلاء الشيعة و مُـثقـّـفيها و حتى من البسطاء و عديد مِن رجال الدين الشيعة .. هؤلاء يرون في الحسين ثورة تستوجب الأخذ بمعانيها و أهدافها ، بدلاً عن قشورها و الممارسات الغريبة عن التشيّيع أصلاً ، كالتطبير و اللطم و التلطيخ بالطين و آخرها الضرب بالسوط ..!
مِن المفارقات التي يغفل عنها الكثير مِن أهل الـفسطاط الأوّل هي أنهم دائماً ما يستشهدون بأقوال لرموز وطنية و تاريخية من أنحاء العالم مثل غاندي و مانديلاً و غيرهم ، بأنهم أعتبروا أي هذه الرموز أعتبرت الحسين مناراً للثورة على الظلم و الفساد …! لكنهم أي أهل الفسطاط الأوّل هؤلاء يتعاملون مع الحُسين على أنـهُ ( مـُلك شيعي صـِرف ) ..! وهذا ما أفـقـَـدَ الحسين و وقفـته الصفة العالمية …! بينما لو تصرّفوا بغير هذه الطريقة لكانت رايات الحُسين مرفوعة في كل أنحاء العالم كرمز للثورة مِن أجل الحق و العدل ..!
–
لو تناولنا الموضوع مِن زاوية أخرى .. لوجدنا أن التشيّيع الصفوي قد حـوّل الحسين من بطل مُـنتصر .. الى مهزوم مُـنكسر .. يستدعي العويل و النحيب عليه و الحزن على عطشـهِ و قطع رأسهِ و سبي نسائه … غافلين عمداً و خـُبثاً عن المعانـي الكبيرة لـوقفة الحسين و أستعدادهِ للشهادة في سبيل مقارعـة الـظلم و الأنحراف و الفساد ، و التي هي ما يجب التركيز عليها و أستذكارها دوماً و طوال أيام السنة .. و ليس فقط في موعد الذكـرى و كأنـه مهرجان موسمي ..!! هذا الخـُبث الصفوي يعرف تماماً أنّ تفاصيل و مآسي مجريات موقعة الـطف قد وقعت .. و أصبحت من التاريخ ، و لا ينفع الحسين بشئ العويل عليها أو نزف الدماء بالتطبير و ما شابه ..!
ختاماً أقول لكي نـنصر الحسين حقاً و لكي نحترم وقفـتهُ و تضحياتـهِ و لكي يصبح رمزاً عالمياً لا شيعياً فقط … علينا أن ننـظر للحسين كبطل تاريخي يستحق الأعجاب و الأحترام و التمجيد … لا أن ننـظر لـهُ كمسكين مهزوم و مظلوم يستـحقّ النحيب و الـعويل ، و بطرُق مُشينة و استعراضية ..! فـلو لطمنا مليون سنة لن نخدم الحسين بشيئ .. لكن لو رفعنا ظـلماً عن مظلوم
واحـد أو حاربنا فاسداً واحداً أو حقـّقنا عدلاً في قضـيّة واحده .. سـنُـحيي ذكر الحسين خيراً ألـف مـرّة مِن كل الصخب و التهريج الـذي يحصل …!!!