23 ديسمبر، 2024 2:09 م

كعك ……. لبن ……. تمرهندي

كعك ……. لبن ……. تمرهندي

يوم  أمس  أطل علينا  الأستاذ عادل عبد المهدي من خلال  قناة  الفرات الفضائية  وهو متشح  بالحزن  والغم  و قد  تسربل بالسواد و لف رقبته  بلفاف أخضر في اشارة  منه   الى  أنه  هو  الآخر متشعلق   بغصن  من أغصان  الدوحة  النبوية  الشريفة  , حاله  حال  بقية  السياسيين  والمسؤولين. أطل علينا وهو  يقوم  بتوزيع  الكعك  والعصير واللبن  على زوار مرقد  الحضرة  الكاظمية  المقدسة.  وكانت  الدموع  تترقرق  في عينيه  وصوته  يتحشرج  ليطهر لنا  شدة  تأثره بهده  المناسبة  الأليمة  وشدة  تأثره  من خدمة  الزوار . وسرعان  ما يبدأ  بالنحيب   عندما  يتلقف أحد  الزوار ما جادت  به  نفسه  من  كعك  وعصير  ولبن   ليحتضنه  بعدها ويقبله ,  ثم  وفي  ذروة  الانفعال  العاطفي  يبدأ  بالصراخ  والعويل  وهو  يقول  أنا  كلي  في خدمة  الزوار,  وأقبل  أيديهم  وأرجلهم , في  مشهد  درامي  مفتعل  أقل  ما يوصف  بالسماجة والسخرية . ولو سألني  أحد ما عن  أكثر المشاهد التي سببت  لي الاستفزاز وأثارت  في  الغضب  والحزن  طيلة  السنين   العشرة  الماضية  لوضعت  قائمة  طويلة , لكن  يأتي   المشهد المدكور أعلاه على رأسها.
كلنا  يعرف ان  الأستاذ عادل عبد  المهدي هو أحد  اللاعبين الكبار في اللعبة  السياسية  في  العقد  المنصرم , وكان له الدور الكبير  في التأثير على  القرارات  السياسية  الهامة والخطيرة  طيلة  تلك  السنين. والسؤال الدي  نطرحه عليه  في هده  المناسبة  هو مالدي  قدمه  للشعب  العراقي على مدى تلك  السنين وهو يتبوأ  أحد  المناصب  السيادية  في  الدولة ؟ يوم أمس  أشار تقرير لأحدى المؤسسات  التابعة  للأمم  المتحدة  عن  وجود  ستة ملايين  جائع  في العراق أي خمس تعداد  السكان في سابقة  خطيرة  لم  يشهد  لها  البلد  مثيلا  في  الماضي رغم  الميزانية  الأضخم  في تاريخ  البلد  والتي  تعادل  ميزانية  عدة بلدان  في المنطقة  . وأشار التقرير الى الأضرار التي يتركها  الجوع على  النمو  البدني  والفكري  للأطفال  والى  الأمراض  التي  انتشرت  جراء  ذلك. كما  ان  التقارير تؤكد  وباستمرار  وجود   خمسة  ملايين  يتيم  وملايين  غيرها  من  الأرامل  والمشردين.  لكن  الحل الدي تفتقت  عنه   عبقرية  الأستاذ  عادل  عبد  المهدي  هو توزيع  الكعك  والعصائر  على الزوار لسد رمقهم  وبالتالي  تكديب تقارير  الأمم  المتحدة  التي  تتحدث عما  تعانيه  الملايين  من  العراقيين  من  الجوع. واذا  كان الحل  برأي  الأستاذ  عادل عبد  المهدي  بهده  البساطة  فلم  لم  يبعث  بالعصائر والكعك  أيام  الحصار الجائر الدي طحن العراقيين  طحنا  طيلة  ثلاثة  عشر عاما , عندما  كان  الآلاف  يتساقطون  من  الجوع والمرض في الوقت الدي  كان يتمتع  فيه  هو ورفاقه  في بلدان  المهجر  بما  يمتلك  من  ثروات  وأرصدة  ضخمة ؟  ان هﺬه الحركات  التي  يقوم   بها  الأستاﺬ  عادل  عبد  المهدي هي  لاستقطاب  عقول  الناس  السذج  وكسب  ولائهم  وهو  الخبير  بفنون  السياسة  وأحابيلها.  قبل عام  واحد  تنازل  عن  منصبه  كنائب  لرئيس  الجمهورية  في  واحدة   من  البهلوانيات  الدعائية   التي  قل  نظيرها  في  التاريخ  السياسي  العراقي  الحديث,  وفاقت  في  بهلوانيتها  كل  التصريحات  النارية  والخطيرة  التي  يطلقها  بعض المسؤولين  بين  فترة  وأخرى  حول  تصدير الكهرباء واستتباب  الأمن  ورفع  المستوى  المعاشي  للفرد  العراقي  لمستوى  نظيره  الأوروبي   وعودة  العراق الى  مصاف  الدول  المصنعة  وغيرها . كلنا   يعرف  ان  تسمية  رئيس الوزراء  في الفترة  الحالية  تأخرت  بحدود  الثمانية  أشهر بسبب  الصراع  العنيف و التناطح  بينه  وبين غيره  من الساعين  للسلطة ,  ثمانية  أشهر  كلفت  البلد  الغالي  والنفيس وراح  ضحيتها  الكثير وسببت  خسائر  بشرية  واقتصادية هائلة  تضاف الى  تلك  التي سببها  الفساد  المستشري في الدولة   بسبب  التنافس  المحموم  على  المناصب  وتقديم المصلحة  الشخصية على  المصلحة  العامة  والوطنية .  فهل يدعي  بعدها  أن  تنازله  جاء  في سبيل الصالح  العام  ؟ وهل جاء  اليوم   الدي  يعوض  فيه  من  تضرر بسببه  وبسبب  غيره  بالكعك  والعصير  واللبن  ؟  وهل  أن  تلك  العصائر  والألبان  ستعوض من  الأضرار التي  ألحقها  بالبلد   هو وأمثاله  جراء  التعنت   والاقتتال  على  المناصب ؟  وكأن  الأرواح  التي أزهقت  والأموال   التي أهدرت لا تساوي  عنده   أكثر من  بضعة   كعكات  وبضعة  علب  من  العصائر والألبان  ومن  النوع  الرديء . حل سهل  لكنه   مؤسف  وساخر . لكن  اذا  كان  ثمن  تلك  الأرواح  التي  أزهقت  هو  عصائر رخيصة  فماﺬا  سيكون  الثمن  عندما  يتم  توزيع  عصير التمرهندي  !؟                        
اني  أتساءل  كما  يتساءل  غيري  من  الناس  الى  متى  يبقى  هذا  الأستغلال  الفظ   للرموز والشخصيات  الدينية  وخصوصا  من  آل  البيت عليهم  السلام  لصالح  المنافع  والمكاسب السياسية   والشخصية  ؟  الى  متى  يبقى استغلال  تلك الرموز في  الدعايات  والملصقات  الأنتخابية  دون  أن يتصدى  لهم رجال  الدين  وغيرهم  من مفكرين  ومثقفين  ؟ الى  متى  يظل  السياسيون  عندنا  يتسلقون  على  جدار العواطف  الدينية   للناس  ومقدساتهم  ودموعهم  ليصلوا  الى أعلى  قمم  النفوذ  والسلطة  ؟ والى  متى هذا  الأستخفاف  بعقول  العراقيين  ومشاعرهم ؟  والى  متى  نبقى  نتفرج  على  من  يتبوأ  مواقع  القوة  والنفوذ  وهو يضحك  على عقول الناس  ويستهزء  بهم  ؟  والجواب  نجده  بالتأكيد  عند  الأستاﺬ  عادل عبد  المهدي  فهو  وشركاؤه  أدرى  بخفايا  اللعبة  وأسرارها .  ولكني أوجه  السؤال  التالي  اليه وهو اﺬا  كان  لديك  كل  هذا  التعلق  بآل  البيت  الكرام  واﺬا  كانت  لديك  مثل  هده  الحمية  في  خدمة  الزوار وأنت  خارج  السلطة حسب  المفترض ,  فلم  لم  تبد  تلك  العواطف   الجياشة  وﺬاك  الأندفاع  المحموم  لخدمة  الزوار  والبكاء  أو  على  الأقل  التباكي  على  آل  البيت  في  مثل  هذه  المناسبات  يوم  كنت  في  السلطة  ؟  لكن  المؤكد  عندي ان  تلك الحركات  أقصد    التنازل  عن المنصب  والتظاهر  بخدمة  آل  البيت  هي  حركات  مخطط  لها  ومحسوبة  بدقة  وليست  عفوية  أو  لغرض  الترفع  عن المصالح  الشخصية  وأنت  تتطلع  بفارغ  الصبر  الى  اليوم  الذي  تجني  فيه  ثمار  تلك  التحركات  بعد أن تكون  قد  أينعت  . لكن  الثمار  التي  ستقطفها  لن  تحولها  الى عصائر  لتوزعها  على  الزوار  فهذا  من  المستحيل  عندك  وهو من  المؤكد  لدي  حسب  قناعتي  وقناعة  هذا الشعب  المسكين.  و ستثبت  الأيام  ذلك. وهنيئا  للشعب الدي جل  ما    يعمل  قادته  هو  توزيع  الكعك  والعصير واللبن  في  المناسبات  الدينية.