20 يناير، 2025 10:54 ص

كش ملك! .. هذه المبادرات في العراق

كش ملك! .. هذه المبادرات في العراق

بعد تكاثر الحديث عن تغيير العملية السياسية وأبعاد احزابها وشخصياتها عن السلطة، واستلام عدة رسائل من الإدارة الامريكية تطلب منها أنهاء أذرع إيران من الفصائل المسلحة والحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة، شهدت العاصمة بغداد قبل أيام مبادرات للأصلاح السياسي من بعض أحزاب العملية السياسية بمكوناتها الطائفية والعرقية ودعوات من شخصيات اكاديمية واعلامية تدعو للتغيير الداخلي وإصلاح العملية السياسية من داخل البلد بدلا من الاملاءات الخارجية المفروضة من الإدارة الامريكية الجديدة برئاسة ترامب. فقد قام السيد نديم الجابري وهو نائب سابق ومرشح سابق لرئاسة الوزراء ونائب امين عام حزب الفضيلة القريب من التيار الصدري، بإعلان مبادرة سماها مبادرة الإنقاذ، محاطا بمجموعة من أحزاب العملية السياسية، هدفها توعية القوى السياسية وتحذيرها من المخاطر التي تحيق بالعراق والتي يجب تداركها من الداخل قبل ان تأتي من الخارج! هذا هو فحوى المبادرة التي قال صاحبها انها فكرة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق؟ لكن اللافت ان المجموعة التي سماها الجابري بالشخصيات الوطنية والأحزاب الواعية لا تضم أي شخصية من خارج المنظومة السياسية بعد عام 2003، لا تضم شبابا ولا نساء، بل سياسيون من الوجوه التي ليس لها شعبية عند الجمهور العراقي، ليحصر صفة الوطنية والوعي فقط بالمشاركين بالعملية السياسية وأحزاب الاحتلال الأمريكي الإيراني، وكأنما لا يوجد وطني ولا واع عراقي الا في هذه الطبقة التي نبذها الشعب العراقي منذ أكثر من عقد؟ كما ادعى السيد الجابري ان هذه المجموعة من الأصوات ارتأت ان تتحركولا تبقى مكتوفة الايدي بانتظار ما سيجري لاحقا في العراق! لكن السؤال الذي يطرح على صاحب هذه المبادرة وعلى من معه، هو كيف تنادون بالإصلاح وانت ومن معك جزء من عملية الاحتلال الفاسدة التي رفضها شعبنا بنسبة 80 % في الانتخابات الأخيرة ؟ اين كنتم كل هذه السنين من عمر العملية السياسية المتهالكة التي عملت معاولها لمحو العراق وتدميره، لتطالبوا بالإصلاح اليوم وبمعية اشخاص معروف تاريخهم الملطخ بالفساد والتواطؤ؟ اما الاغرب هو ان السيد الجابري الذي يقولفي مقابلة تلفزيونية ان الطبقة السياسية في عالم آخر،وهي غير مدركة وغير مؤهلة ومتصارعة فيما بينها على المكاسب، يدعي بآنه يمكن له ولزملائه تقديم النصائح لها كي تتصالح مع الشعب؟ كما يدعي الجابري أيضا ان مبادرته هذه هي المبادرة الأولى التي تنطلق من داخل العراق؟ متناسيا، وبتعمد وسوء نية، وهو أستاذ العلوم السياسية ان الشعب العراقي لم يتوقف عن المطالبة بالإصلاحات ولا توقف عن التظاهرات والاحتجاجات ضد العملية السياسية منذ عام 2011 ليتوج احتجاجاته بثورة تشرين العظيمة عام 2019 التي طالبت بجملة من الإصلاحات هي الأهم في تاريخ الاحتجاجات التي شهدها العراق ، وعلقت مطالبها الواحد وعشرين مطلبا على بناية المطعم التركي، حيث أيدها غالبية أبناء الشعب العراقي لكن زميله عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق قمعها بكل أنواع الأسلحة بمليشيات الأحزاب والحرس الإيراني وقناصيه المقربين منه.، فهل يعتبر السيد الجابري ان هذه الثورة والانتفاضة وطلب الإصلاح ، كانت مؤامرة خارجية كما ادعى عبد المهدي ونوري المالكي ورددها ورائهم كل أحزاب الاحتلال، ولم تكن ثورة عراقية اصيلة امتدت من جنوب العراق الى شماله، والتحقت بها ولأول مرة كل المكونات والاطياف العراقية رافعة علم العراق فقط؟

يبدو ان هذه الطبقة السياسية التي استفادت من فسادالنظام الطائفي بشكل واسع قد اغترت بالسلطة والمال السائب والامتيازات غير المعقولة، ولم تعد ترى الوطنيةولا الإصلاح الا منها ومن احزابها وقادة ميليشياتهاالملطخة اياديهم بدم أبناء شعبنا. لذا وبعد أيام من مبادرة الفرصة الأخيرة، جاءت مبادرة ثانية بمسمى تحالف الشرعية وهو تحالف طائفي سني يضم شخصيات كردية، داعم للعملية السياسية لكنه يطالب بمظلومية المّكون السنٌي الذي تم استخدامه منهم ) سُنة الاحتلال ( بطرق وأساليب هي أسوأ من أفعال الأحزاب والميليشيات الأخرى. ففي حين يتحدث الناطق باسم هذا التحالف عن معاناة المناطق الغربية منذ الغزو، وعنالتغيير الحتمي القادم، لكنه بنفس الوقت يدعو، رئيس المجلس الوطني السابق محمد الحلبوسي الذي اقيل من منصبه بسبب التزوير، وجمدت أمواله التي حاول إدخالها مؤخرا الى الامارات وتبعها قرار تجميد مماثل من الأردن،يدعوه للانضمام الى هذا التحالف بحجة ان الباب لا يغلق على من يرغب بالالتحاق بهم؟ أي مصداقية يريد الوزير السابق محمد الجميلي الذي يرأس هذا التحالف إعطائها لتجمعه، وهو يعلن وبصراحه انه مستعد لانضمام، شخص مثل محمد الحلبوسي؟ ومن ثم، كيف يصدقك الشعب العراقي ويصدق من معك وانت تقول بدعم العملية السياسية المنتهية، التي كانت أصلالتهجير والسجن والقتل والاعتقال لمئات الآف العراقيينللمكون وكنت جزء منها ومن كل إجراءاتها، من جهة، ومن جهة أخرى، ترغب الان القفز من سفينتها، وترسل رسالة الى الإدارة الامريكية، بأن هناك نواب يدعمون توجه إدارة الرئيس ترامب في طرد وتحجيم اتباع إيران في العملية السياسية ومستعدون للتعاون معكم؟ ان تضمين برنامج الائتلاف هذا فقرة دعم وحدة الشعب العراقي يتناقض مع الأداء والتصريحات التي لم تقطع مع خطاب المحاصصة والطائفية التي يرفضها الشعب العراقي وتجاوزها منذ سنوات طويلة بينما ما تزال أحزاب المنطقة الخضراء تعتاش عليها وتحاول تسويقها للبقاء في السلطة.

اما المبادرة الثالثة التي تحدث عنها الاعلام العراقي فقد جاءت من الاكاديميين والإعلاميين وصناع الرأي ، الذين سارعوا بدورهم للدعوة لتغيير العملية السياسية من الداخل لدعم المبادرات السابقة ولتسجيل موقف قبل مجيئ العاصفة المرتقبة ، والاغلب ان هؤلاء هم مستشارو حكومة الخضراء والمطبلين لها ومحلليها السياسيون وأصدقاء اشهر رجالات الفساد فيها ، المستقتلون في الاعلام من اجل بقائها وبقاء مناصبهم ومنافعهم المادية.، اذ تضمنت مبادرتهم عشرة بنود منها إقرار قانون الأحزاب الذي ينام منذ سنوات في مكاتب البرلمان ، ومحاسبة الفاسدين ، وسيادة القانون.

ان الخوف والهلع من مستقبل  أصحاب العملية السياسية في الخريطة الجديدة للشرق الأوسط، التي تسعى الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ترسيمها، هو الذي دفع نوري المالكي لطلب مبادرة الإنقاذ للبقاء في الحكم،ونفس الامر هو الذي يخيف محمود المشهداني رئيس البرلمان الذي استلم تأكيدا آخر ورسالة جديدة من الإدارة الامريكية وتوسل المحافظة على العملية السياسية، كما استلم عمار الحكيم المحتوى ذاته فهل تنقذ هذه المبادرات التي جاءت حصريا من شخصيات من داخل العملية السياسية نفسها، حكومة وأحزاب وبرلمان المنطقة الخضراء؟ خاصة بعد ان قال الخامئني لمحمد شياع السوداني رئيس الوزراء ان عليه دعم الفصائل والحشد وهو ما أثار حفيظة فريق ترامب الذي أرسل مباشرة رسالة استياء واستفهام عن موقف العراق، هل هو مع الولايات المتحدة ام مع إيران؟ لقد تلقت إيران ضربات موجعة في لبنان وسوريه وهي لن تترك ورقة فصائلها وحشدها الباقية في العراق بسهولة، بل وفي أسوأ الأحوال ستقايض إيران هذه الورقة بتفاصيل وكسب وقت لصالحها في مفاوضاتها المقبلة حول ملفها النووي والابقاء على نظامها، مع الولايات المتحدة التي لن تبدأ الا بعد تنصيب ترامب رئيسا بعد أيام.  وربما تتحقق مفاجئة سارة كتلك التي حصلت في سوريه، يخرج فيها الشعب العراقي المتهيأ منذ سنوات لهذا اليوم ليسقط النظام الجاثم على مقدراته منذ اثنين وعشرين عاما ويقول لإيران هذه المرة كش ملك.    

أحدث المقالات

أحدث المقالات