الاقتراح الذي طرحه الرئيس الأمريكي للتفاوض مع النظام الإيراني دون شروط مسبقة مؤخرا كان مثل زلزال شديد في داخل حكومة ولاية الفقيه. وكما كتبت أشهر وكلات الأنباء الدولية بأن أمريكا قد ألقت الكرة في أرض النظام الإيراني وخامنئي مجبور الآن على إظهار ردة فعل محددة وواضحة حول ذلك.
على الرغم من إظهار ردات فعل مختلفة في داخل النظام ولكن الكلمة الأولى والأخيرة هي لخامنئي وهو من يقوم باتخاذ القرار النهائي. تصريحات محمد علي جعفري بصفته قائد قوات الحرس أو ما سبقها من تصريحات للحرسي قاسم سليماني التي بدت حادة وشديدة اللهجة في ظاهرها ماهي إلا تصريحات فاقدة لأي قيمة سياسية وفي العالم المتحضر لاتبنى السياسات أبدا على الأحاديث والتصريحات المحلية ولا أحد يأخذها على محمل الجدية أبدا.
الأصحاب الرئيسيون للموضوع أي التفاوض أو عدم التفاوض هم وزير خارجية النظام ومن ثم روحاني بصفته رئيس الجمهورية وفي النهاية خامنئي شخصيا حيث أنهم لم يتخذوا أي موقف حيال هذا الموضوع.
خامنئي ووفقا للتجارب السابقة في مثل هذه المواقف لايتكلم بكلام صريح وشفاف حتى يتمكن من معالجة الأمور أينما دعت الحاجة لذلك وكما أنه ينقي كلماته المبهمة وذات الوجهين حيثما تتطلبه المصالح اليومية لكي يسحب نفسه من تحت طائلة المحاسبة والاستجابة عن تفسيرها. مؤشر ودليل ذلك هي المفاوضات الفاشلة في الاتفاق النووي.
وفي أي وقت يعلو فيه صوت الحرب في داخل النظام ويتم السؤال من كان هو المقرر النهائي في قضية الاتفاق النووي؟ يجيب خامنئي قائلا بأنه كان موافقا على مبدأ التفاوض ولكنه لم يتدخل في الحيثيات والجزئيات. أي أنه لايتقبل أبدا مسؤولية فشل الاتفاق النووي ويتهرب دائما من عواقبه ونتائجه. في حين يقول روحاني بصفته رئيسا للجمهورية بأنه نفذ كل ما كان يقوله له خامنئي بالحذافير.
في الموضوع الحالي وأنه هل يتم التفاوض أم لا هناك حقيقة قاسية جدا ألا وهي أن خامنئي مضطر لاتخاذ قرار نهائي والسياسة التي هي ضرورية من أجل استمرار وبقاء نظامه. هذا القرار لايمكنه أن يبقى مخفيا بل سيعرض على العلن وسيطلع عليه العالم كله ولكن خامنئي في مأزق كبير في الحقيقة لأن الموافقة على التفاوض أو الثبات وعدم الموفقة على التفاوض هما بنفس القدر والنسبة قرارين صعبين وقاسيين جدا عليه وهذا أيضا من دلائل مأزق خامنئي من أجل اتخاذ القرار حيث أن كل قرار يتخذه يرافقه أثمان وتكاليف باهظة جدا.
سبب قساوة هذه الأثمان التي سيدفعها خامنئي بالاستقلال عن تعقيد العلاقات الدولية هو التواجد النشط والقوي للمقاومة الإيرانية وتأثيراتها الغير قابلة للإنكار. لأن المقاومة الإيرانية بالاعتماد على الشعب وتوجيه انتفاضات الغضب الإيرانية العارمة تقوم بتوجيه الجهود والعمل نحو تحديد المهمة النهائية لهذا النظام.
معنى تحديد المهمة النهائية للنظام هو أنه في الوضع الحالي الذي يختلف كثيرا عن فترة أوباما إذا كان خامنئي مصمما على دخول المفاوضات سيتوجب عليه شرب كأس السم بشكل كامل. خامنئي قال دائما أن عدم الموافقة على التفاوض هو تقصيرات وتقليلات للسلسلة. اي أنه يعلم جيدا بالإضافة لكأس السم النووي هناك كؤوس السم الإقليمية وحقوق الإنسان والتخلي عن القمع والإعدام وتغيير السلوك أيضا الذي يعني بحسب تعبير خامنئي «أن الجمهورية الإسلامية لاينبغي أن تكون موجودة».
كما قال جميع خبراء النظام اذا لم يقبل خامنئي المفاوضات فإنه لن يكون بمقدوره الاستمرار في تعادل ميزان القوى الموجودة ولاسيما بالنظر إلى المظاهرات الواسعة في جميع أنحاء إيران فإن هذا النظام يتجه نحو الاضمحلال والانهيار لامحالة. وفقا لما كتبه موقع اقتصاد نيوز: فإن محسن هاشمي الابن الأكبر لهاشمي رفسنجاني الذي تسلم رئاسة مجلس مدينة طهران وخلال استضافته لسفراء وممثلي النظام في الدول المختلفة في تاريخ ٣٠ يوليو من هذا العام يقول:
“في العملية التي يريد المسؤولون من خلالها إسقاط المشاكل وإلقاء مسوؤلية الفشل على عاتق بعضهم الآخر في حين لايوجد هناك أي شخص يعتبر نفسه مقصرا فإننا لن نكون موفقين في عملية التعافي والإصلاحي .. إذا كنا نسعى لإنقاذ مستقبل إيران يتوجب علينا جميعا أن نفكر اليوم بشكل مختلف تماما .. نتحدث ونعمل بشكل مختلف. السخط العام الناجم عن المعضلات والضغوطات الاقتصادية الهائلة ولاسيما بالنسبة لطبقات المجتمع المعدومة وصلت حدا من الممكن أن تجر علينا أزمات اجتماعية واسعة. ضغط العقوبات التي ستزداد في النصف الثاني من العام (التي ستبدأ من أواخر شهر سبتمبر) سوف تجعل الظروف أقسى بكثير وسوف تحتم علينا أن نتوقف عند هذه النقطة بأن إنقاذ إيران يكمن في قرار هذا العام ..”
هذه صورة حقيقية ولوحة صفحة الشطرنج التي يجب أن يلعب ضمنها خامنئي ونحن سوف نحدد مسيرته ضمن هذه اللعبة حتى الوصول لكش مات.
المقاومة الإيرانية أكدت دائما وأخيرا السيدة مريم رجوي في حديثها في تجمع المئة ألف إيراني معارض في فلبنت باريس قالت: “نحن لطالما تحدثنا وقلنا ونكرر بأن إسقاط النظام والتغيير والتحول الديمقراطي وتشكيل إيران الحرة هو مسؤوليتنا ومسؤولة شعبنا”.
بالطبع فإن الشعب الإيراني يرحب بأي نوع لتراجع للملالي لأن أي تراجع وكل كأس سم يحتسيه الملالي في هذا الطريق يصب فورا في خدمة ألف أشرف ومعاقل الانتفاضة في الداخل الإيران. إن عامل سحب خامنئي إلى مثل هذا المأزق قبل الجميع وقبل أي شخص كانت السياسة المعادية للشعب التي يتبعها هذا النظام والاستعداد والثبات الاسطوري والتام للمقاومة الإيرانية لأي وضع أو حالة.
الآن في أي جهة أو طرف يتحرك فيها خامنئي وعصابته فإنهم لايملكون نتيجة أخرى سوى حركة «كش مات».