23 ديسمبر، 2024 9:40 ص

كشف الغطاء .. عن ما تيّسر من تاريخ الخليفة أبي إسراء- 1

كشف الغطاء .. عن ما تيّسر من تاريخ الخليفة أبي إسراء- 1

خاص بـ كتابات

تنويه ( هذه السطور من مخيلة الكاتب، وأيّ تشابه في الأسماء والأماكن والأحداث فهو مجرد صدفة غير مقصودة ) 
توطئة وتقديم :
طلب مني نفر من المؤمنين ( لا أعزّهم الله ) الخوض في هذا المطلب الشريف، لما فيه من منفعة للعوام، وخدمة لريش النعام، وبما يتوفر عندي من كتب وأسانيد، وروايات وأساطير، ومرسلات وأحاديث موضوعة، من السلف الصالح الى الخلف الطالح.
فاستخرت الله في الأمر، فخرجت الآية الكريمة (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * ) فعلمت أن البركة ستحفّني بإذن واحدٍ أحد وأوَّلها بعض الصحاب، أنني سأنهي الكتاب، في سبعين يوماً بإذن ربّ الأرباب، رغم ما سيصيبني من عذاب، تحت بند أربعة إرهاب، وبعد فرض الفجر وأداء المستحبات أتتني سِنةٌ ثم غفوت على كتبي. رأيت في عالم الرؤيا بحراً من الظلام، فاصابتني شبه الرعدة، وأنا أرى من وسط هذا البحر المتلاطم، فارساً على صهوة جواد أبيض يشق البحر نحوي، فجثوت على ركبتي أنتظر الخبر، حتى صار الجواد عندي وترجل منه رجلٌ فيه سيماء الملوك وهيبة أهل العلم. ولقد شغلني نور وجهه عن النظر الى طلّته، وحين ركزت بصري على جبهته المربعة، ورأيت أصابعه تقترب من أنفه المبارك، يلعب به ويحفر، أدركتُ من القادم
فقال لي بصوتٍ أجشٍّ : انته مخبل ؟ شتريد تكتب ؟
قلت له : سيدي أبا إسراء، فداك نفسي، قلمي الشريف وقرطاسي العتيق في خدمتك، والقوم ينتظرون مني أخباركم، فإني آخر من تبقى من أصحاب حسنة ملص
قال لي : تباً لك
قلت له : عساها ابخّتك، ليش اتفشر ؟ گدرتك عالجهال ؟
صحوت من منامي وفي نفسي البشارة. خرجت مهرولاً الى قارعة الطريق وأنا أتعثر بجلبابي، هاتفاً بالقوم ( إحنّه الأسسّنا الملعب واحنه اللنلعب بيه )، فقال جُبير بن زُبير : جُنّ الرجل ، وقال حميد بروانه : رجعتله الحالة، أنطوه علچ وهوّه يسكت. وتجمّعتْ نساء الحيّ حولي، يأخذن المراد مني، فهذه عانس تنتظر العريس، وتلك زوجها يبات خارج البيت كل خميس، وعجوز جائعة تشتهي طبخة الحميس
جمعتُ ثيابي وقراطيسي، وهيّأت حماري. خرجت من البلدة ليلة التاسع من جمادي الآخر. كان القمر ليلتها في الجوزاء ، والشمس في عطارد، ونانسي عجرم في الكويت تحي ليالي هلا فبراير. سلكت الطريق الأعظم الى بغداد، مارّاً بمدينة الكوفة، مستمتعاً بأزقتها الجميلة ومناظر الپنچرچية، ومحلات الدَهين لأبو علي الشهير. وحين سألت أهل البلدة عن هذا العمران، وهذا التطاول في البنيان، أجابوني بصوت رجل واحد، إنّها بركات والي الخليفة عدنان، فقد حوّل البلدة في عهده، من خراب الى جنان، ولفط الملايين بكل اطمئنان
أكملت المسير أنا وحماري مسرعاً، خارجاً من سكك الكوفة، إذ خفت أن أكون الذي توعدت به صحف الأولين، فيُراق دمي بين ظهرانيهم. سرت بعد الغروب حتى أدركني الليل وحتى ضاج حماري من هذا المسير، فترجلت منه وأشعلت ناراً وشويتُ جدياً ! وشربتُ فنجان اسبريسو واستلقيتُ على قفاي أتأمل النجوم في السماء. مع الفجر توجهت نحو بلدة طويريج، لعلّي ألقى شيخي حسن بن حمدية دشداشة، وآخذ منه الصحائف والقراطيس. على أطراف المدينة سمعت هرجاً ومرجاً وجحافل تدخل وأخرى تخرج، ولافتات مكتوب عليها ( مباركٌ عُرس حطّاب بن أبو شهاب أبنُ بنت الوالي أبو رحاب ) فخفت أن يفتضح أمري ويعرفوا شخصي، لبستُ قناع النمر الذي بحوزتي وصرتُ اجوب بأزقتها وأنا أنادي : ياولاد الحلال فيه گدع تايه اسمو حسن .. فخرجت النساء من شبابيك البيوت يعقبن عليّ : اسمو حسن .. اسمو حسن .. شاغل الروح والبال .. بس دلّوني أين حسن ؟
كانت المدينة تعجّ باشجار الكمثرى، والمحال تعرض سِلال الكمثرى، والأطفال يأكلون الكمثرى، وأين ما تولّي وجهك فثم كمثرى، سألت شيخاً معمّراً بيده بقايا كمثرى وجيوب جلبابه منتفخة من الكمثرى، عن سرّ كل هذه الكمثرى، فرّد عليّ مستغرباً وبغضب : كيف لا أعرف السبب، ولمَ يعتريني هذا العجب، فهذه بركات الوالي الجليل ذو الأنف الكمثري الجميل
من زقاق الى زقاق، ودار بعد دار، دخلت على شيخي حسن وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وعينه شاخصة نحوي. وحين رآني أغرورقت عيناه بالدموع وقال لي : بوركت ياغلام، حرسك الإله الذي بعثك. قلتُ له : شنو؟ راح اتموت؟ أدري، فلم هندي؟ أشار بأصابعه المرتجفة الى خزانة عتيقة أمامه، وأراد أن يقول شيئاً ولم يكمله، فقد انتقلت روحه الى بارئها. فلعنت أبو الساعة السودة التي عرفته بها وتوجهت نحو الخزانة وأزحت التراب وخيوط العنكبوت منها، وفتحتها فأخرجت صوتاً ظننته خرج من مكانٍ آخر! فتساقطت أكوام الصحائف الملفوفة من البردّي وجلد الأباعر والصخول أمامي. لملمتها، وأودعتها في خرج الحمار فنظر إليّ بعين المحتار وخرجنا من البلدة، مكملين للمشوار الى بغداد المنار، مسلّياً نفسي ببعض الأشعار لشاعر بغداد العظيم أبو العَلَو في قصيدته ( أنا جرجي بدّاد ). عرجتُ على بلدة المدحتية حتى أستريح عند شيخي القديم حمدين بن صقر الذي بقى في كتاتيب الدرس نيّفاً وعرشين من السنين. إستقبلني الشيخ بن صقر وأشعل ناراً وشوى جدياً ! وصبّ لي شراباً أبيضاً كان يتعاطاه طيلة سنوات طلبه العلم مع ما يتيسر من المشايخ، فخفت أن يكون منكراً أو رجساً من عمل الشيطان، لكن شيخي أصرّ على حلّيته. وما أن شربته حتى رأيتُ حماري صار حمارين، وغفوت على دندناته وهو يغرّد لي ( الليلة بس بات يامُلّه )
ودّعته وقد أنقعت الدموع ظهر الحمار وأكملنا طريقنا، حتى وصلنا بغداد، عند صاحبي ذو الكرامات وصاحب النعامات، فاستقبلني بكرم جميل ودعاني عنده للمبيت. بعدما هيّأ لي الفرش والفوانيس، قال لي : إمكث يارعاك الله واكتب بقلمك الشريف، بهدوء وصفاء ماتيسر من تاريخ الخليفة أبا إسراء …
يتبع