23 ديسمبر، 2024 3:10 م

كشف الغطاء .. عن ما تيّسر من تاريخ الخليفة أبي إسراء – 4 / المطلب الثالث ( بعض أحوال الولاة والوزارات )

كشف الغطاء .. عن ما تيّسر من تاريخ الخليفة أبي إسراء – 4 / المطلب الثالث ( بعض أحوال الولاة والوزارات )

يذكر شيخي حسن في مخطوطاته بعضاً من أحوال تلكم الأيام، مما جرى على أرض السواد، لكني لم أرَ سنداً في رواياته، أو إشارةً إلى شيخٍ من رجالاته، فلعله خاف من سرد أسمائهم، وتدوين مرسلاتهم، إذ انتشرت فرق الاعتقالات، وعيون الخليفة في الأزقة والحارات، وأخذ الناس بالباطل والبهتان، بتقرير من المخبر السرّي البطران، أو البصّاصين الذين انتشروا في البلاد
يقول شيخي : استقر الولاة في قصور الولاية، والوزراء في ديوان الوزارة، وبعثوا في أثر الأهل والعشيرة، والصحبة القديمة، ثم جلسوا جلسة مريبة
قال الوالي بعد حمد الإله: اعلموا يا أهل البيت وياصحبة الرفاه، ستنعمون بخير كثير وجاه، وحياةً لم تحلموا بها يوماً، فكثّروا لي في المديح، ورطّبوا بمجدي الشِفاه. قد جاءت الأيام بالجوائز، فطبّلوا وزمّروا لتكثر الحوافز، وليخسأ الناس ويأكلوا الشعير
فعيّن الوالي، قريبه المعاق، في رتبة كبيرة، وليرأس الجحافل، ألبسه القلنسوة، والدرع والسيف، ورجله العرجاء ألبسها قبقاب. وعيّن المجنون في لجنة الإعمار، يكون فيها آمراً ويرسم الخرائط، لكنه مجنون، وكل من يصادف، في وجهه يثور، يريد منه علچاً، وحفنة الدعابل. وعيّن الظالم ليرأس المظالم، مظالم العباد وحسرة الحيارى. وعيّن القبيح ليجعل المدينة في حالة جميلة. وعيّن القرچ لتخدم الدعارة، تستدرج الأرامل، لمتعة الوالي
كذلك الوزير، قد همّ بالنفير، من أول النهار لآخر النهار، يوقّع العقود، يستلم الهدايا، والرشوة الكبيرة. فقرّب المفسدين وأبعد الحريصين، ويمضي طول وقته بالسفر والترحال، أنها الوزارة التي لم تكن في بال جدّ جدّه أن يصلها لولا بركات الخليفة إبي إسراء
 فوزيرٌ كان بالأمس چايچي ثم ترفّع فصار حملدار، وآخرٌ كان يزوّر الأختام، ووزيرٌ كان يرقّع الأحذية في كوچه مروي ومعروف بالسيد القندرچي، ووزيرٌ كان من صنف الرفاق، أدمن القتل والخراب، ووزيرٌ كان كذّاباً يشهد بالزور والبهتان، ووزيرٌ كان داعراً يدير بيوت البغاء، ووزيرٌ كان قائداً في جيش كسرى وقتل من مقتل من شباب العراق، ووزيرٌ كان يتاجر بالربا ويبيع الخضار في بلاد الإفرنجة، ووزير أمضى عمره بالقرب من الباب، حتى نادى عليه الخليفة ( تعال أگعد وره الباب .. تعال اسمع وش يحچون ) 
يقول شيخي حسن أظلم الله مثواه، لمّا كان هكذا حال الخليفة وحال الولاة والوزراء، عمّ الخراب ودبّ الفساد أرجاء البلاد، وصار النهب والسلب ديدن الحكّام، فلا قاضٍ يُحاسِب ولا من ضمير بقى في صدور الحكّام، إذ رفعوا جميعاً شعارهم الجديد ( بيتنه ونلعب بيه .. شلها غرض بينه الناس )
لم يبق للناس سوى الرب الكريم، فبقوا على حالهم حيارى تائهين، لا فانوس أضاء مدينتهم ولا أمان بقى في شوارعهم، فالحمير تنفجر بين ساعة وساعة، وبين ساعة وساعة تسمع خطاب الخليفة البليد، أنّ الأمان موجود، والحمد لله على نعمة الرخاء، والراحة والهناء. كأن الخليفة يعيش في كوكب آخر بعيد، كلّ همّه أن يسحب الثوم والفجل من الأسواق، كي لا تستخدمها الخوارج في تفخيخ الحمير والفسّاق، وصار الناس يطبخون البامية واليابسة بلا ثوم، ومع الزلاطة منع الفجل باعتباره جرم يحاسب عليه القانون في دولة اللاقانون
بقى الحال كما هو الحال، فلا وزير حاسبه الخليفة، ولا واحدٍ من الولاة عَزَل، بل كان الأمر من ذلك أدهى وأمَر، فالخليفة يتستر على من سرقَ، وللرعية ظلم، ويرسله سرّاً بعد أن يجنّ الليل مع القوافل الذاهبة إلى بلاد الإفرنجة، ويحملّه من خزائن الياقوت والزمرد
رضي الناس مقهورين بالفساد، باحثين عن راحة واستقرار بال، وصار الرجل منهم حين يخرج إلى عمله، يوّدع عياله وأهل بيته، فلعله لا يرجع في المساء
وحين حلّ الشتاء في ذلك العام، نزلت أمطارٌ غزيرة تروي البلاد، فكانت الكارثة. ساءت الحال، وضاقت الآمال، فقد طفحت المجاري وغرقت الأزقة وسكك بغداد وباقي الولايات، بقى الناس على هذا الحال ليالي طوال، والخليفة يوصي الناس بالتمتع بمناظر المياه وسواحل الأنهار، لكنما الضجيج عمّ البلاد، بعد أن طافت القنفات وسرحت القدور والطاوات في الطرقات
على حين غفلة من ضجيج الناس، فكّر الخليفة بحلٍّ لهذه المصيبة، فلم يجد من أعوانه من هو أهل لذلك غير الحجّي تعتيم بن عبعوب، الكلاوچي أبو الدروب، فأرسل في طلبه وجلس مع كوكبة من أعوانه
قال الحجّي تعتيم لخليفة المسلمين : وداعتك أبو أسراء، هذه مؤامرة من الإفرنجة الكفّار، واليهود من بني النظير، وبني قنيقاع، لقد جلبوا صخرة بحجم صخرة ثمود وعاد، وحشروها في مجرى المياه
قال له الخليفة بعد أن حفر قليلاً في منخاره ورمى شيئاً نحو السماء فالتصقت بالسقف: يا حجّي تعتيم، يا حجّي تعتيم، لدينا هدنة مع الإفرنجة، وعهود مع اليهود، فإن كان الأمر كما تقول، فعليك إثم المجوس إن لم تنقذ الناس من هذا البلاء العظيم
قال له حجّي تعتيم : فداك أبي وأمي، امهلني من ساعتي هذه سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، ولك عليّ أن أزيح هذه الصخرة
دمعت عين الخليفة، ونزلت سوائل خياشيمه، فسحبها، وفتح يديه ليحضن بن عبعوب، ويقبّل مابين عينه، وقال له
: الله يطيّح حظك اذا اتچذب، امشي وليّ وفضنه
لبس الشيخ عبعوب لامة حربه، والقلنسوة على رأسه، وتقلد بسيفه ودرعه، وركب على بغلةٍ ذنوب يقال لها بعيوة، وقبض على قربوس سرجه، وانطلق إلى مدينة الثورة قطاع 48، حتى وصلها ولم تزل الشمس وسط السماء، فاستقبلوه أهل القطاع بالنعال والقنادر، وهو يستقبلها بصدره ووجهه كما الأبطال، وطلب الإذن بالكلام، لكنما الناس كانوا غاضبين وعليه حانقين، وطلبوا منه ترك القطّاع والرجوع، إلى خليفته الجربوع
لكنما عبعوب، ماعاد للخليفة، بل سار إلى أزقة باب الشيخ وهناك ترجّل من بغلته، وبالمياه الآسنة لوّث بدلته، ورمى قلنسوته، وتجرّد من درعه، وتمرغل بماء المجاري، ومابه من أجرام للنجاسة، فسأله حامل اللواء
: سيدي ماتريد أن تصنع ؟
قال له عبعوب ولم يزل في الماء الآسن يتمرغل : هكذا أكون، حتى يرى الخليفة فعلتي، وعظيم عملي، وكيف دخلت المجاري وأزحت الصخرة
قال حامل اللواء في نفسه : لا يا ناقص يابو دروب
رجع الشيخ تعتيم بن عبعوب، إلى خليفته والشمس تقترب من الغروب، وقال له بعدما جثى على ركبته : اتغزّل بييّ وبعنييّ .. كلماتك كلّون حنّيي .. كرمالك باهتم بحالي .. وبداري أكتر جمالي 
ثم قال أيضاً .. حجي أبو إسراء، وداعتك ميّة وخمسين كيلو وزنها
أمر الخليفة الحاج أبا رحاب بأن يكتب كتاباً يعيّن فيه الشيخ عبعوب متصرفاً على مجاري وأزقة بغداد، مجازاةً له بإنقاذ بغداد

لا يتبع .. سننتظر قليلاً حتى تزول هستيريا الانتخابات
[email protected]
خاص بـ كتابات