قال المحلل السياسي بيتر بريستون” الديمقراطية في العراق مجرد وهم” . ( ذي غارديان 10شباط 2003).
غالبا ما يتبجح السياسيون العراقيون من الشيعة والسنة على حد سواء برأي المرجعية في الشؤون السياسية، حتى صارت المرجعية صانعة رؤساء الحكومات، وهذا ما كان عليه الأمر في الدورات الإنتخابية السابقة لحين نهاية الحكم الأسود برئاسة الذيل الأيراني عادل عبد المهدي، وفي هذه الدورة دعت المرجعية الشعب العراقي الى التصويت بكثافة في الإنتخابات الأخيرة، وكانت النتيجة الحقيقة ان الشعب العراقي خالف المرجعية، فكانت نسبة التصويت لا تزيد عن 20% اما الإعلان من قبل المفوضية فلا قيمة له عند الشعب العراقي، لأنها تحاول ان تغطي على المحاصصة التي جاءت بها بغطاء نزاهة الإنتخابات.
المستخلص من هذا الأمر ان المرجعية فقدت تأثيرها الفاعل على الشارع العراقي، وهذا ناجم عن دسٌ أنفها في الشؤون السياسية خلاف ما تعلن بأنها ضد ولاية الفقيه، مع ان السيستاني يمارس نفس دور نظيره الولي الفقيه في ايران من الناحية السياسية اكثر منه من الناحية الدينية. اثبتت التجارب ان القوانين الوضعية كفيلة بتربية الفرد وتطوير المجتمعات البشرية، وليس التعاليم والالتزامات الدينية، التي أثبتت فشلها الذريع، والعراق شاهد حي.
الحقيقة انه بإستثناء بعض الفتاوي التي لا تقدم او تأخر في العقيدة التي يقدمها مركز الدراسات العقائدية التابع للسيستاني، فأن دوره السياسي اكثر حضورا من الدور الديني، فهذا الرجل الاجنبي يمارس دورا كبيرا في العراق لم يقم به أي من المراجع السابقين، صحيح ان البعض منهم تدخل في بعض الشؤون السياسية لكن كانت يده قصيرة، ولم تؤثر بشكل فاعل في إدارة الدولة العراقية، وغالبا ما كانت مردوداتها عكسية، فالمرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم رفض قانون الإصلاح الزراعي الذي جاء لدعم الفلاحين الفقراء، وكان الغرض من رفضه الحفاظ على مزايا الإقطاعيين الذين كانوا يمولونه بالخمس. وقد كفر الحكيم الشيوعيين بفتواه المشهورة فأدت الى مذابح أودت بحياة الآلاف الشيوعيين العراقيين، وكان سبب الفتوى هو إمتداد الأذرع الشيوعية الى العتبات الشيعية وانتشارها كالهشيم في الأعشاب الجافة بين صفوف أبناء المراجع الدينية أنفسهم، فقد عاد الشيخ محمد الخالصي من منفاه في إيران إلى العراق بتوصية من البريطانيين كي يساهم في الحملة ضد الشيوعية التي انتشرت بين الشيعة مما جعل المجتهدين كعبد الكريم الزنجاني ومحمد الحسين كاشف الغطاء بالمطالبة بإتخاذ إجراءات شديدة لوقف المد الشيوعي بين الشيعة. ووصل الأمر ذروته عام 1960 حيث أصدر المرجع الاكبر محسن الحكيم فتوى هاجم فيها الشيوعية واعتبرها معادية للإسلام.
اما من تلاه فكان موقفهم منسجما مع الحكومة بما فيهم السيستاني نفسه الذي أصدر فتوى بالجهاد ضد الغزاة، قبل عامم الغزو 2003 وتبين بعدها انه كان من دعاة الغزو، لكنه إعتمد عقيدة التقية التي تمثل تسعة أعشار دينه. تأريخ السيستاني السياسي لا يشرف أي من أتباعه العقلاء، فهو المسؤول الأول عن الحل القرطاجي الذي حلٌ بالعراق (يعني التدمير الشامل للبلد كما حدث في قرطاجة التي دمرت مرتين اولهما عام146 ق.م والثاني عام 698 م)، من خلال الموافقة على الدستور المسخ الذي أشاد بدور المرجعية الشيعية بتوجيه من عضو لجنة صياغة الدستور وكيل السيستاني( احمد الصافي)، وهو أي السيستاني من دعا الى التصويت على الدستور الذي أرسى المحاصصة الطائفية ودمر الدولة العراقية، والسيستاني هو الذي دعا خلال دورتين نيابيتين الى التصويت لصالح الفاسدين الذين مازالوا حاضرين في المسرح السياسي لحد الآن، واعتبرهم اولاد المرجعية، واعتبر التصويت اليهم يعني التصويت الى قائمة أهل البيت، واعتبر من لا يصوت لهم تكون امرأته طالق منه.
ولو رجعنا الى الخلف قليلا لإستذكرنا دعوة وزير الداخلية العراقية السابق (محسن السعدون) عندما دعا الى التحضير لإنتخابات الجمعية الدستورية في 20/10/1922 فقد افتى المراجع أبو الحسن الاصفهاني ومهدي الخالصي وحسين النائيني بعدم شرعية الانتخبات وتكفير من يشارك فيها. وجاء في فتوى الخالصي ” قد حكمنا بحرمة الأنتخابات. والمشارك فيها يعتبر معادي لله ورسوله وأئمة المسلمين، ولا يدفن في مقابر المسلمين”. كما تضمنت فتوى الاصفهاني امورغريبة ” أي مسلم يشارك فيها تحرم عليه زوجته ويمنع من دخول الحمامات العامة وينبذه سائر المسلمين”. ( M.M AL Adhami/ The election for the Constituent Assembly in Iraq 1922 /1924 )، لاحظ كيف يتدخل رجال الدين في السياسية ويستخدموا نفس الشعارات.
الزعماء الذين بذرتهم المرجعية في حقل الإنتخابات السابقة نضجوا وتحولوا الى أشواك سامة، وهم انفسهم الذين انقلبت عليهم الرجعية اليوم، وربما هي تقية! فلا دين لمن لا تقية له حسب عقيدة السيستاني.
ابناء المرجعية برأي من أتى بهم
سنستعرض أبرزهم وكيف كانت نظرة المندوب غير السامي (بول بريمر) بشأنهم وكشف حقيقتهم، كما نقلتها لنا سكرترته الخاصة واقرب المقربين اليه السيدة (وداد فرنسيس). وسوف نشير الى القادة الأكراد بعدهم بإعتبارهم الجزء المكمل من اللعبة الديمقراطية.
عبد العزيز الحكيم: الرجل الاقوى في العراق بعد السيستاني، يمثل التطرف والدهاء، اشعر دوما ان المجلس الاعلى مخترق لصالح ايران كلما نظرت الى عمامته. كان بريمر على ثقة ” ان الحكيم يدبر اكبر حملة للتصفية الجسدية في العراق لصالح ايران”.
ـ عمار الحكيم: إنه مدافع شرس عن حقوق الشيعة ويستغل الدين اروع استغلال وهو اذكى من ابيه، الا انه يعيب عليه تطرفه الديني والمذهبي رغم انه متدين سياسيا وليس حقيقيا.
ـ هادي العامري وباقر صولاغ: انهما قاتلان بلا ضمير، وسيلعنهما التاريخ وسيفتضح امرهما عاجلا ام اجلا، ان ايران ستكون ممتنة كثيرا للعامري وصولاغ، وربما ستكافئهما باقامة تمثالين لهما في وسط طهران
ـ موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني: انه كان طبيبا سيئا لان من صفات الاطباء الصدق، وهو يكذب بالفطرة، إنه مراوغ ومتملق لعبد العزيز الحكيم ويرضى بفتات الموائد. ويمتلك بريمر اوراقا تثبت تورط الربيعي بعمليات اختلاس ربما سيترك امر اعلانها للزمن!
ـ إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق: انه التطرف في ثوب الاعتدال. فالرجل متطرف حتى النخاع لكنه خطيب لامع ومتحدث بارع ومثقف جدا وسياسي فاشل.
ـ نوري المالكي رئيس الوزراء السابق: انه العقل المدبر لما يقوله الجعفري، لكنه دفع بالجعفري الى المقدمة للاستفادة من لباقته وثقافته العامة التي يفتقر اليها المالكي اضافة الى افتقاده الكياسة والاناقة والدبلوماسية ويشبهه بصدام الشيعي .
ـ احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني: هو مهندس مشاريع التفرقة وشق الصف”. وكلما واجهت بريمر مشكلة شيعية فأنه يتصل بالجلبي ليوبخخه قبل ان يتصل باي عضو في مجلس الحكم وكانت الكثير من تلك المشاكل يخلقها الجلبي ويخمدها لغرض عقد صفقات سياسية مع الاميركان. لم يكن بريمر يحبه فقد كان يتلذذ برفض طلب مقابلته بين الحين والحين وكان كثيرا ما يوبخخه علنا ويسميه المتملق المفضوح.
ـ جلال الدين الصغير والقيادي في المجلس الاعلى: انه يتلقى مرتبا شهريا من ايران، وهو ضابط مخابرات ايراني، رجل وجد ليعيش وحده، لانه يكره الجميع.
ـ جلال الطالباني: يعتبره بريمر” عنصر اخماد للتوتر ويحفظ نكاته عن ظهر قلب”.
ـ مسعود البرزاني: ان مسعود يعتبر الاكراد جنسا فوق الاجناس وهم احق بكل شيء من سواهم ولابد ان يأخذوا اكثر من الاخرين لانهم الافضل وتضحياتهم اكبر من تضحيات الاخرين كما انه حليف سياسي وعسكري للاميركان وليس له ثقة بأحد.
ـ محمود عثمان النائب الكردي: رجل الشاشة وقال له مرة ناصحا: انصحك باحتراف الاخراج التلفزيوني بعد التقاعد لعشقه الظهور عبر وسائل الاعلام.
ـ د. عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق السنية: إنه متطرف وجاهل ومجنون في بعض الاحيان ولم يكن يحسب له حسابا على الصعيد السياسي.
هؤلاء هم من أتت بهم الإدارة الامريكية لحكم العراق وباركتهم مرجعية النجف ونزهتهم للناخبين، الإدارة الأمريكية تعرفهم حق المعرفة، وحكمها كما إستعرضناه صادق عن الجميع، ولا يمكن لأي عراقي ان ينكر انهم يحملون جميع الصفات التي ذكرها بريمر.
يبقى السؤال المهم: هل هؤلاء جاءوا ـ وفق هذه المواصفات ـ لبناء العراق وإرساء الديمقراطية فعلا؟
ولماذا أختارتهم الإدارة الأمريكية لحكم العراق وهي تعرفهم حق المعرفة؟
الجواب عند رايس في لقاء عقدته في معهد بروكينغز في 11/5/2017 بقولها” إن أمريكا اجتاحت العراق عام 2003، للإطاحة بالرئيس العراقي، صدام حسين، لا لجلب الديمقراطية للدولة الشرق أوسطية المحورية. فالولايات المتحدة اتخذت قرار غزو العراق مع حلفائها عام 2003، وهي تعلم أنها لن تجلب الديمقراطية لتلك الدولة، ولكنها سعت في حقيقة الأمر للإطاحة بالرئيس صدام حسين”.
هذه هي حقيقة الغزو الامريكي للعراق، ليس كما عبرت عنه (زينب السويج) العراقية الأصل، الأمريكية التجنس، عضو في الحزب الجمهوري الامريكي وهي من شيعة البصرة، بقولها في الجلسه الافتتاحيه للمؤتمر القومي للحزب الجمهوري لدعم إعاده ترشيح جورج دبليو بوش لفتره إنتخابية ثانية ” إن العراق يتمتع بيوم جديد، جئت الى المؤتمر لاخبركم أن العراق يتمتع بيوم جديد، وامريكا بقياده الرئيس بوش القويه قدمت للعراقيين أثمن هديه يمكن ان تقدمها دوله لدوله أخرى، هديه الديمقراطيه والحريه لتقرير مصيره”.
الخلاصة
الأضلاع الثلاثة التي دمرت العراق وقتلت شعبه وارجعته الى عصور الجاهلية، بل وأتعس هم: الإدارة الأمريكية، الولي الفقيه في العراق علي السيستاني، والولي الفقيه في ايران علي الخامنئي. هذه هي الحقيقة بلا رتوش.
قال تعالى فيسورة الأنعام/129 ((وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)).