18 نوفمبر، 2024 1:38 ص
Search
Close this search box.

كسوف حلقي

قصة قصيرة

أزاح عن وجهه قطعة كارتون ، فتح عينيه لم يميز ما حوله ، الجدران تدور والضباب يملا الأفق ، حاول النهوض أعاقه ثقل رأسه أغمض عينيه وفتحهما بعجلة قائلا :
( حقهم إن منعوني من الشرب هو اليوم الوحيد الذي أحس به ثقل راسي ، وتعثر لساني ، وعيوني لا ترى ما حولي . )
دفع الأرض إلى الأسفل براحتيه وجلس ممدد الرجلين .. ركّز بعينيه لمح حائطا لم يعلُ كثيرا، اخذ يتساءل مع نفسه (أين أنا ؟) (منذ متى ؟) .. (جسدي متعب جدا .. اه .. اه .. )
حاول الوقوف قام وسقط قام مرة ثانية ولم يستطع . اخذ يزحف على أربع ، وصل إلى الحائط الواطئ حاول أن يتذكر دون أن يكشف شيئا جديدا أو يتذكر أي شيء .
توكأ على الحائط وأخذت حدقات عيونه تنظر عرف نفسه فوق سطح بناية استدار دورة كاملة ببطء لمحت عيناه غرفة بابها مسدود حاول المشي إليها فسقط على الأرض اخذ يزحف باتجاه الغرفة وصل إليها دفع بابها ، انفتحت ، داخل الغرفة ، واجهه درج مظلم ، فكر في النزول إلى الأسفل ومهما تكون العواقب . انسل إليه ضوء باهت ، توقف قليلا ، ثم استمر بالجري حتى صادفته باب حديدية مشققة ضرب الباب ضربة عنيفة وانفتحت خرج إلى الشارع مستغربا من المكان قائلا :
( عندما كنت اشرب ما كان المكان هكذا وكان معي أصدقائي لم يتركوني وحدي ! .. أين هم ؟ .. وابقى أسأل أين هذا المكان ؟. )
شم ملابسه يتفقد رائحة المشروب شعر برائحة دخان احتلت أنفاسه وعيونه لمحت قميصه مثقب وقال ( هل أحرقته سجارتي ؟ )
جلس على الرصيف ورأسه يدور يمينا ويسارا ، مد يده خلع حذائه سقطت قدمه على بركة ماء نظر إليها بإمعان وجدها بركة جامدة مد يده يتحسسها دون ان يميزها اخذ منها قليلا قرب يده لأنفه شمها ولحسها بلسانه عرفه دم جامد من برودة الجو كان المكان خاليا من البشر اخذ يتساءل بتمتمة ( من أين جاء هذا الدم والشارع خال من البشر ؟ )
رفع رأسه إلى عنان السماء استنشق بقوة غمرت أنفاسه رائحة بقايا شيء محترق . استمر بالزحف حتى عبر الشارع  إلى الجانب الآخر ، جلس قليلا ثم اتجه إلى الجنوب اقترب من شارع السدير توقف لم يستطع أن يواصل الزحف بسبب التعب سكن قليلا ثم حاول الوقوف وسقط جازف مرة ثانية ورابعة بلا اتزان تقدم إليه شرطي سأله :
– ماذا تفعل هنا ؟
نظر إليه باشمئزاز وصمت قليلا والصورة تدور عنده ثم دوّر يده وهو يقول :
– قف متزنا وتكلم بأدب
لم يعرف بان الذي يكلمه شرطي ..مد الشرطي يده وقال :
– أنت رجل متعب لكن ماذا تفعل هنا ؟
توكأ على يد الشرطي ووقف بلا اتزان أجاب :
– فتحت عيني وجدت نفسي فوق تلك البناية
– منذ متى ؟
– لا ادري .. لكن كم الوقت ؟
– السابعة والنصف …
– فاتني الوقت عليّ الذهاب إلى الدوام
– وأي دوام ؟ اليوم جمعة
– جمعة ؟! يعني أنا فعلا لم اشرب .. لكن …
توقف عن الكلام وهو يهز برأسه ويحك مؤخرة رأسه من الخلف محاولا التذكر
تعجب الشرطي وأعاد
–  نعم جمعة !
ثم اخذ الشرطي يتمتم مع نفسه ( ربما يكون هذا الرجل ضحية من ضحايا انفجار الأمس ولم تعثر عليه فرق الإنقاذ .. لكن ما الذي اصعده إلى أعلى البناية ) وسأله ثانية
– لماذا صعدت إلى هناك ؟
– كنا دائما أنا وبعض أصدقائي نجتمع في سرداب نتبادل الآراء والأفكار ونستأنس بشرب الويسكي ولكن هذه المرة شربنا على برودة الهواء الطلق وضحك بصوت عال
– أي شرب ؟ تعرف ماذا حصل أمس ؟
– ههههم أنت تعرف ؟ ربما كما معتاد علينا لكن منذ فترة ولم تعتقلنا السلطات تقريبا آخر مرة اعتقلنا قبل عام ونصف تحديدا في صيف 1978 وكنا سكارى ولم يفهموا منا أي شيء ورمونا في الشارع ويبدو أنهم في ليلة أمس أيضا اخذوا أصحابي وانا تركوني وربما أخذوني ثم أطلقوا سراحي ليراقبوا تحركاتي إلى أين اذهب مع من امشي ؟ . صمت قليلا ثم قال للشرطي من أنت ؟ أرسلوك تراقبني وأخذت مني معلومات كافية
صمت الشرطي ولم يجب بحرف واحد
واستدرك الرجل كلامه
–  أنت رجل كثير الأسئلة ماذا تريد ؟ تنح عن طريقي لأمضي إلى المكتبة العامة
–  عم تتحدث أنت ؟ أي 75 ؟ أي كلام هذا نحن اليوم في سنة 2010…..
تغير وضع الرجل
واستدرك الشرطي بكلامه
– وأنت لم تصعد لوحدك.. عصفتك صعقة انفجار الأمس …..
انتبه الرجل لنفسه واستعادت له ذاكرته وصمت قليلا ثم قال
– ماذا قلت ؟ 2010 ؟
خيم الصمت لبضع ثواني ونظراته تستفهم اخذ يدور رأسه يمينا ويسارا متذكرا من حديثهما وأعاد
– قلت اليوم جمعة ؟
– نعم ! جمعة 15/1/2010….
أعاد التاريخ مع نفسه واستذكر شيء وقال
– ااااه فاتني شيء … وتوقف عن الحديث
– ما هو ؟
– الحدث الكبير عليّ الذهاب إلى دائرة الأنواء الجوية لأشاهد الحدث الكبير .
– وأي حدث هذا ؟!
– الكسوف الحلقي الذي تشهده بعض دول العالم سيبدأ في الساعة الثامنة والنصف فعليّ الذهاب حالا
عدل قامته ووقف مستقيما حاول المشي مسكه الشرطي من يده ومنعه من المشي قائلا له :
– علي إبلاغ الإسعاف تنقلك إلى المستشفى انك تعبان ….
– تنقلك أنت أنا ذاهب إلى دائرة الأنواء الجوية لدي دعوة هناك
انتابه غضب من قول الشرطي وأسرع محاولا المشي سقط على الأرض وغطت وجهه قطعة كارتون حاول ان يخلعها فنزع من وجهه كمامة التنفس الاصطناعي كان الطبيب واقفا فوق رأسه أجابه
– لماذا خلعتها ؟
– كل ما عندي قلته لكم في التحقيق السابق ماذا تريدون مني ؟ أنا ….
– اهدأ , ماذا قلت ؟ أنت من بقايا انفجار الأمس عليك أن لا تغادر المستشفى لتأخذ العلاج بصورة منتظمة أنت مصاب بفقدان الذاكرة
صمت قليلا ثم أخذت نظراته تفهم انه ليس في معتقل ولا في مركز شرطة عادت له ذاكرته وقال :
– أريد أن اذهب إلى دائرة الأنواء الجوية لروية كسوف الشمس هذه الأحداث تهمني كثيرا
حاول الطبيب إقناعه بعدم الخروج إلا وان يتم علاجه في المستشفى أغضبه قول الطبيب وصرخ بوجه الطبيب فأغمي عليه وسقطت الكمامة من يده وغطت وجهه
……

أحدث المقالات