عرْف الشاعر كزار حنتوش بعفويته وطيبته ، وكذلك بمشاكساته البريئة ، وأؤكد انها كانت بريئة ، ذلك انه لم يلجأ اليها بدافع الحقد او بهدف النيل من كرامة أحد ، بل كانت اسبابها محاولة للخروج من دائرة الرتابة في ايقاع حياته اليومية حيث كان يرى ـ حسب ما برر لي ذات يوم ـ ان الحياة تصبح مملة وثقيلة دون مشاكسة أو خصومة ، وما يؤكد ايضا ً خلو مشاكساته من الدوافع الاخرى هو انه سرعان مايندم على فعله ويذهب معتذراً لمن تسبب له بأذى نفسي وذلك بسبب ما يحمله من قلب ممتليء طيبة ونقاء ، وهو ما اكدته زوجته الشاعرة رسمية محيبس زاير في كتابها (كزار حنتوش .. الشعر مقابل الحب ) بقولها ( لم أجد أحدا بعفوبة وبياض وبراءة كزار أبدا !! ) .
وقد أوقعته بعض المشاكسات بمطبات كادت تكلفه الكثير لولا حسن ادارته وتصرفه في الأزمات ، وكانت واحدة من مشاكساته الخطيرة انه في عام 1998 تحرش يوما بشاعر شعبي كان من المعروفين بمدائحه لرئيس النظام السايق حيث نعت كزارهذا الشاعر بــ (المداح ) ولما كان الأخير شديد القرب من اجهزة النظام الحزبية والأمنية فقد سارع الى تقدبم الشكوى ضد كزار الى مدير أمن الديوانية ، وهنا المفارقة ، ذلك ان هذا الشاعرالشعبي كان يفخر بمدائحه وخطاباته لكن حين نعته كزار بذلك ، ثارت ثائرته واعتبر ذلك النعت عاراً وانتقاصاً من كرامته ، وبعد ايام على الحادث فوجئت بكزار وهو يدخل عليّ غرفتي في دائرتـي (التخطيط العمراني ) ليخبرني انه تم استدعاؤه من قبل مديرية أمن البلدة التي كانت بنايتها مجاورة لدائرتـي ، وانه فضل ّ زيارتي قبل توجهه الى المديرية المذكورة ، ومع انه لم يكن باديا على كزار الارتباك او المبالاة بالأمر الاّ انني خشيت عليه من كل الاحتمالات المتوقعة ، وعندما طلبت منه اخباري عما يمكن تقديمه او ينتظره مني في هذا الموقف برر لي اسباب زيارته انها بهدف الحفاظ على توزانه وشحذ الهمة استعدادا للمواجهة المرتقبة حيث وجد فـيّ ـ حسب ماصرح لي به ـ أنني من الاصدقاء الذين يتفاءل بوجوههم ويرى فيهم القدرة على منحه القوة والعزيمة ، بعدما ودعته بقيت اتابعه من نافذة الغرفة وقد اعتراني القلق على مصيره وهو يدلف الى الممر الضيق المؤدي الى مديرية امن البلدة وقد اعلمته انني سأبقى بانتظاره ليطمئنني على مصيره او يحاول بأية وسيله ايصال اخباره في حالة تطور الأمر الى شيء آخر ، وبعد مضي ساعة تركني فيها عرضة لشتى الهواجس المخيفة وإذا به يخرج من ذلك الممر باتجاه دائرتي ، حينها لم اتمالك صبري لحين وصوله لي ومعرفة ماحدث هناك فقد اسرعت ملاقياً اياه عند الباب الخارجي ومعانقا له قبل ان اعرف التفاصيل .
ــ ها كزار بشرّني .
رد علي ّ ضاحكا ً ( سلامات ) وراح بستعرض وقائع مقابلته الغريبة .
ــ ماكو شي ادخلوني على مدير الأمن ، وجلست قبالته وقد أطال التحديق في ساقيي اللتين كانتا ترتجفان ، ولكي افوّت عليه نشوة النصر فقد لملمت شجاعتي و بادرته قائلاً قبل ان يبدأ الحديث معي .. استاذ اشوفك تحدق طويلا في ساقيي انهما ترتجفان ليست بسبب الخوف من شيء ، صعق المدير لهذا القول وهو الذي اعتاد الانصياع والذلة ممن يجدون انفسهم في حضرته فرد علي ّ مستغربا اذن لماذا ترتجف اذا لم تكن خائفا ً ، فأجبته انني عندما لا أتناول خمرة في الليل أعيش الصباح بهذا الوضع . فأستفسر مني عن اسباب عدم تناولي الخمرة ليلة أمس ، فأجبته وبكل صراحة انني لم اتمكن من توفيرها ، عندها أطلق المدير ضحكة عالية مستحسنا ردي وصراحتي ونادى على احد المنتسبين ان يسلمني مايمكن به توفير قنينة كاملة ومشيرا علي بالخروج مع نصحي بترك العبث مع المداحين .
وبهذه الدعابة والعفوية تمكن كزار الخروج من ذلك المأزق الذي كاد ان يذهب به الى مالايسر الصديق .