8 أبريل، 2024 10:21 ص
Search
Close this search box.

كريمة السعدي.. قصائد الابتهال و العشق ..قراءة في ديوان (لك في العشق الخيار)

Facebook
Twitter
LinkedIn

– جسدت كريمة السعدي حروفها بإبداع و قاربت بين الحمد والابتهال
– وظفت السعدي نصها ليتضمن البساطة بالتعبير والوضوح في الفكرة وعذوبة اللحن

بغداد..يابغداد ..يابغدادي ياغنوة يشدو بها وجداني
فيك حمورابي يخط شريعة أولى بعدل ثم في اتقان
في ديوانها الموسوم ( لك في العشق الخيار) ، والذي تضمن 29 قصيدة كرست كريمة السعدي معظم مساحته للحنين إلى الوطن، ولمسقط رأسها مدينة بغداد ، فأفردت للحماس أبياتاً وصفية رائعة ، والوصف لايحلوا إلا إن رافقه الحماس، فنرى الشعر الملحمي دائما ما يكون وصفي، يتناول البطولات والمواقع التي أبلى بها القوم بلاء حسناً، أو أن يتناول مأثر وصفات تخصهم دون سواهم، أو يكونوا أكثر من غيرهم تَبني لها.
وهنا أرادت السعدي أن تستخدم الوصف بإسهاب لتعبر عن عاطفتها المفعمة والتي ضمنتها أبيات قصائدها واحتوتها صفحات ديوانها بمفردات عذبة براقة، اختصرت فيها طريق الفكرة لتصل قرائها بوضوح تام لالبس فيه ، انتهجت السعدي البساطة في التعبير ، والوضوح في الفكرة، والعذوبة في اللحن فكانت قصائدها اشبه بترنيمة مغناة خاطبت من خلالها القارئ لتصف له شعورها بإحساس مرهف ينم عن حب عميق لتلك المدينة التي خاطبتها بقصيدتها (بغداد) والتي نورد بعض أبياتها.
بغداد.. يابغداد .. يا بغدادي
بك تزدهي نغمات روحي دائما
بك احتمي من شر ما يلقاني
ويا خبز امي .. يا صدى صلواتها
يانغمة التكبير في آذاني
ياضوء عطر فاح في ارجائها
وعلى ربا النهرين والشطآن
يعرف شعر الحنين إلى الوطن بأنه نوع من الفن ، وفرع من الشعر العربي ، و غرض من أغراضه القديمة في الفكرة ، والحديثة في الغرض ، يتحدث عن الشوق إلى الوطن ، والتوق إلى رؤيته.والحنين إلى الأوطان ، هي حالة شعورية تنتاب الإنسان الذي يبتعد عن وطنه ، ويسافر مغتربا ، أو مهاجرا ، ولا يتوقف الأمر على الفترة التي يغيبها الإنسان عن وطنه ، لكن ربما تتغير شدة الحنين إلى الأوطان حسب سن المغترب عن وطنه أو جنسه ، مدى ارتباطه بوطنه و أهله ، والحالة التي ترك لأجلها الوطن ، وبعض العوامل الأخرى.
أكثرت كريمة من النداء في أبياتها ، لتشعر القارئ بحميمية العلاقة التي تربطها والمدينة، وأرادت أن تصف القرب الذي يجول في خاطرها لبغداد ، فعمدت للنداء ( والنداء للقريب) شكلا ، لكن معانيه قد تكون أكثر من صورة التنبيه.
حاولت ونجحت أن توصل فكرتها التي تحتمل الفخر بمدينتها، مثل ما فعل الكثير من الشعراء ، ومنهم من عد ذلك منهجاً لمن بعده ، كما جسد فطاحل الشعراء مديحهم للأشخاص والمدن التي ينتسبون لها، والمدح من فنون الشعر يقوم على العاطفة ويعبر عن ما يختلج نفس الشاعر من شعور عاطفي.
وذهبت كريمة لمزج العاطفة بمديحها لبغداد حد إضفاء التقديس عليها ، حين شبهتها بخبز أمها وصلواتها، وبنغمة التكبير في الأذان ، وذلك الاسقاط يوحي بعلو مفهوم التقديس لتلك المدينة التي عشقتها كريمة السعدي ، وحق لها أن تعشق بغداد.
ثم دلفت لتورد الوصف فأدخلت (النهرين، والعطر،والشطآن)، كأسماء تتفرد بهما بغداد دون سواها من المدن الأخرى، وقالب الوصف يكرس مفهوم التداخل في المعاني والصور التي تكون أقرب لذهن القارئ من غيره ، ورسمت من خلاله صوراً فذة داخلت أبعادها مع التاريخ الذي تفوح منه رائحة الحضارة التي تعج بها بغداد، وصدى من سكنها من أقوام جاءت على ذكرهم كريمة بروح الفخر والاعتزاز بالماضي العريق لتلك المدينة الحالمة الجميلة. مرة أخرى أقول نجحت السعدي بتكوين أبعاد القصيدة ، وتثبيت أركان مكتملة العناصر أحتوتها قصيدتها التي تحمل عنوان ( بغداد )، وفاقت ربما حتى القصيدة التي هي عنوان الديوان( لك في العشق الخيار).
وفي قصيدتها ( لك في العشق خيار) عنوان ديوانها ، ذهبت كريمة السعدي لتورد صورة أخرى على خلاف الوصف الذي جاءت به في قصيدة بغداد ، فأنتهجت المبهم ثم الوصف كمدخل لأبياتها، ولتعمل على شد ذهن القارئ نحو مغزى ما أرادت من خطاب ، وأردفت فنفت أي مسعى لتجسيد مفهوم الإعتذار، وجاءت بالنفي لتؤكد عمق المحاولة التي سجلتها ولم تنفع بالإعتذار أو الندم.
أعطت كريمة السعدي بخطابها هذا بعداً للقارئ يستطيع من خلاله التخيل لحالة اللقاء المرتقب ، وماسيكون عليه بعيدا عن التزويق والتكلف، ورسمت صورة شعرية متكاملة مزجت فيها عناصر متداخلة فلا المكان غاب، ولاالشماعر استبعدت، لكنها كانت أكثر صراحة حين سجلت اعترافها الخطير ( سأعطيك القيادة في هواه) .
تعالي كالغيوم بلا قرار
فلا ندمي يفيد ولا اعتذاري
فسر الحب مجهول ولكن
ستغرفه العيون مع النهار
ساعطيك القيادة في هواه
وفيه ستاخذين هدى القرار
عطفت عليك اغلالا وحبا
كنبض جاء من موج البحار
كريمة السعدي في شعرها أشارت لإحساس المرأة بالعوالم التي حولها بشكل تأملي، وسعت لتوظيف الوصف كدلالة على الأشياء، وجاءت بالدلالة لتكون أقرب إلى البوح منه على التشبيه. ترسم السعدي صورها الشعرية بالتلميح والإشارة ، وتاتي بكلمات لها دلالات محددة ، إلا أنها لاتؤثر أو تغير المعنى العام للقصيدة أو حتى البناء التكويني لها.
واشرعت المراكب باشتياق
وكان بدربكم يحلو مساري
وحارت في جنوني بعد عقلي
شواطيك الندية باقتدار
تمنع سرا بوحا ونشرا
ونبض الحب يحلو في السرار
ويمضي بين عينيك ارتحالي
وتغريد الفؤاد صدى هزار
سترتجف العروق اذا ابتعدنا
وتهطل بعد سري بالجهار
اذا عطشت صقور الروح نرمي
لها غيث القوافي باحتضار
نحاور بوحنا ويموج ورد
ويعبق في قصائدنا الكثار
فنحن منارة نهدي سوانا
لروض العشق قي احلى مزار
خرائطنا تسافر كل يوم
وترسم في النفوس وسع دار
اذا كنت الغريقة في بحوري
فماء البحر يطفيء وهج ناري
شريعة حبنا تحنو علينا
كما الاصداف في كنف المحار
على فردوسك المنشود عيني
تحاور بابه اغلى حوار
وفي قصيدتها ( مناجاة ) دلفت السعدي باسلوب محبب للقارئ، جسدت حروفها بإبداع تام فيه، قاربت بين الحمد والابتهال، فخرجت علينا بتهليل رائع لله سبحانه وتعالى، وجاء إيقاع القصيدة ليترك انطباعات شتى لدى القارئ، ولتترك اثراً لحروفها في ذهن المتلقي لتسرح به في ذاك الملكوت الخالد.
أتتك الروح طائعة
بحمد ثم شكران
مسبحة محمدة..
وترجو .. عفو رحمن
وتطلب منك فيض رضا
وعفوا.. بعد .. غفران
بنورك.. تسطع الدنيا
ويجلي .. همي وأحزاني
وانت العدل ميزانك
ألا طوبى .. لميزان
خلقت الكون في ستة
لعرشك .. نعم من بان
ولأن الشعر كان طيلة مسيرته يحمل في طياته آمال وخلجات يكتزها الإنسان في دواخله تتمثل بالمشاعر والعواطف ، وهو الذي يعبر عن ما يختلج في الذات البشرية من مكنونات سواء كانت معاناة أو مشاعر حب أو حتى المشاعر الوطنية أو ترانيم النفس ولوعاتها في الغربة.جاءت كريمة بالقيم الوجدانية في أكثر من مكان ولعبت على وترها ، كونها الأقرب للنفس البشرية، فأضفت احساسا جميلاً لأبياتها تندمج فيه المشاعر بالوصف ، فأخرجت لنا نصا يحتوي على عناصر مكتملة حين تغنت ببغداد ، وحين ذهبت لتكتب قصيدتها مناجاة، التي كانت ابتهالية رائعة فعلا أفتقدنا تلك المعاني منذ زمن وسط ما تعج به الساحة من كتابات دخيلة على ميدان الشعر.
استطاعت كريمة السعدي بناء تصور مسبق لدى القارئ ونجحت في خلق رؤى مبتكرة بين الواقع والأمل عبر ما كرسته من تأثير الحاضر الذي حقق لها ما أرادت ، استطاعت من خلالها أن تثير الخيال وتوضح المعاني وتوصل ماخفي منها بإسهاب دون مواربة أو تظليل، ونقلت ما يجول في قلبها من احساس بصورة مباشرة للقارئ دون أن تخلق حواجز أو تضع موانع تحول دون فهم المعنى كما عند شعراء كثر، اعتمدت السعدي في نصوصها على استخدام الرموز الموحية بشفافية تامة، وهي بذلك تجسد شكلاً من أشكال الحداثة في الشعر.
غلفت نصوصها بموسيقى رائعة وجميلة تناغمت مع الإيقاع العام لقصائدها ، وأحسنت توظيف المفردات والعناصر ، مما اضفى بعداً وتألق على نصوصها ومعانيها ، وقدمت للقارئ صورة مكتملة ومعبرة عن الألم والأمل.
كريمة السعدي من مواليد بغداد ، حاصلة على بكلوريوس الأداب باللغة العربية، كما حصلت على بكلوريوس اللغات باللغة الألمانية،ودبلوم اللغة الإنكليزية .
صحافية وشاعرة وتكتب القصة ولها العديد من القصص الخاصة بالأطفال، كم صدر لها ستة دواووين، عضو نقابة الصحفيين العراقيين ، واتحاد أدباء وكتاب العراق، وجمعية التشكيليين العراقيين.
شاركت السعدي في الكثير من المهرجانات والأيام الثقافية منها أيام الشارقة الثقافية، وأيام الشارقة المسرحية، ونشطت في العديد من المجالات الفنية و الثقافية

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب