22 نوفمبر، 2024 10:36 م
Search
Close this search box.

كرونولوجيا الأغتراب

كرونولوجيا الأغتراب

الأغتراب بنوعيه قسراً أو إختياراً هو الرحيل عن الوطن وبلد التولد والعيش في البلدان الجديده ولا يمكن ان نسمي السفر لأغراض وظيفية او تعليمية أو حتى اضطرارية إغتراباً لأن ذلك الغياب يقترن بعودة مجدولة بتوقيت .
كرونولوجيا الأغتراب الذي انا بصدده هو يناقش الاغتراب عن الوطن اختياراً ويمر بمراحل تشكل جدول زمني للتحول الحتمي في الشخصية والسلوك ونمط التفكير .
المرحلة الأولى تبدأ من لحظة مغادرة الحدود او المطار ولغاية انتهاء السنتان الأوليتان ، سنوات صعبة تتركز فيها الذكريات والحنين والام الشوق والمراسلات وتذكر الأصدقاء ويعيش فيها المغترب صراعاً نفسياً يتسم بالمقارنه والمفاضله ينتهي بالأحباط غالباً وذلك لمواجهة صعوبات وتحديات جديدة تبدأ من اللغة والتفاهم ونمط العيش والقوانين والشعور بانتقاص الكرامة فينعكس ذلك بزفرات وعبرات وتذكر الايجابيات في الوطن الأم .
المرحلة الثانية تبدأ من بعد السنة الثانية او الثالثة حيث تبدأ معركة تحقيق الذات ورسم الطريق والتكيف مع المجتمع الجديد وتبدأ مرحلة مقارنة جديدة بين سلبيات المجتمع القديم وايجابيات المجتمع الجديد ويرافقها مقارنه في انماط العيش وجودته والقوانين والتطور والحقوق والخدمات .
المرحلة الثالثة وهي مرحلة انقضاء اول خمس سنين والدخول بالسنوات اللاحقه التي يكون فيها المغترب قد استقر واختار مدينة العيش وتأقلم للعيش منصهراً بثقافة المجتمع الجديد ويخطوا لنيل الجنسية الجديده ويحمل جواز سفر الوطن الجديد .
المرحلة الرابعة هي مرحلة المواطنة الجديدة وتأسيس العوائل الجديدة وتنشأة الولادات في دول الأغتراب وفق تقاليد وسلوكيات جديده ونسيان تام للوطن الأم بمجتمعه واصدقاءه وعلاقاته ويتحول التذكر من شوق الى رصد للسلبيات وانتقاد للرواسب والتقاليد وكل اشكال الحياة من الطريق الى العمران الى البنى التحتيه والتعليم والصحة والقوانين والفن والاعلام فيصبح كل ما يحتويه الوطن سلبياً ومثيراً للسخرية .
المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التوطين التام وفيها يتحول المغترب الى مدافع وراع لمصالح وطنه الجديد حتى لو تعارضت تلك المصالح مع دولته الام وشعبه الأصيل وبالامكان ان يتحول الى معارض لحكومته او متآمر بالضد بكل يسر .
يتسائل الكثير عن حالة عامة تتلخص في عودة قسم من المغتربين الى بلدانهم وعدم نقل تجارب الاوطان الجديده لها وللأجابة عن هذا التساؤل لابد من المرور على طبيعة الأنظمة الأدارية لدول الأغتراب . تلك الأنظمة بنيت عبر تجارب وتطبيقات عريقة تمتد لعقود واحياناً قرون من التجربة وتلك النظم تتكامل وتتلاحق مع منظومة اكبر لنسميها منظومة الادارة الشاملة ولذلك حينما تبتداً سلمك الوظيفي من موظف قسم الى مدير فسيكون مقدار ما حصلت عليه من خبرات لا يجتاز نظام ادارة شركتك او دائرتك لذلك سيكون من الصعب استنساخه وتطبيقه في وسط نظام اداري مختلف بل سيكون الفشل حتمياً ومؤكداً .
هنا تكمن المخاطر فان اراد شعباً ان يبني بلده يجب ان لا يعتمد على المغتربين والخبرات المستورده بل الى الاستفادة من تجربتهم لتطوير نظمه الادارية ومعالجات الأزمات فما يربط المغترب المجنس بوطنه الأم هو المال فقط فوطنه الحقيقي هو الوطن الجديد ويعمل بكل طاقاته من اجل الحصول على المال وارساله الى وطنه وفي ارصدته فهو اقرب مايكون لمن اختار ديناً جديداً وبدل دينه الذي لم يكن اختياره .
ختاماً المغترب يمر بمراحل زمنية كلما طالت قل ارتباطه العاطفي بموطنه وبمرور الزمن يختفي تدريجياً من ذاكرته كل احبابه واصدقاءه وتتغير معالم مدينته ويتغير شخوصها الراسخون بذاكرته ويرى المجتمع الذي غادره بات غريباً ودرجة الوعي له متدنيه وان نمط الحياة فيه لم تعد تناسبه وقطعياً لا تناسب اولاده المولودين في دول المهجر والتي اصبحت اوطانهم .

أحدث المقالات