6 أبريل، 2024 11:04 م
Search
Close this search box.

كركوك ودور المدارس والعلماء في تطوير العلوم من عام 1918 ـ 2003م

Facebook
Twitter
LinkedIn

مقدمة
كما نعلم أنّ فضل المدارس الدّينيّة والعلميّة وحتى للزوابا والتّكايا وكذلك للعُلماء والشّيوخ والملالي كانت كبيرة في تطوير وإزدهار العلوم والفنون وكذلك في بناء حضارة الدّولة الإسلاميّة. وقد وصلت إلى ذروتها عندما اِرتفعت فينا المعاني الرّوحيّة السّامية وكنّا أمّةً واحدةً. فازدهرت الأمة الإسلامية في كافة مجالات العلوم من علم الفلك والتّكنلوجيا والطّب والكيمياء والفيزياء والفلسفة ونحو ذلك. وعلينا أن لا ننسى دور الدّولة العثمانيّة في ذلك قبل سقوطها أيضًا. [1]
فيعرّف محمد ألو المجد الموضوع في رسالتهِ: “ومما لاشك فيه لقد ازدادت هذه المدارس زيادة محسوسة وبالإضافة إلى المساجد والخانقاه التّكايا والزّوايا في العهد العثماني وكان يلحق أحيانًا به ضريح أو مستشفى (البيمارستانات) أو سبيل، وكانت تُدرس في مدرسة الخانقاه أو التّكية العلوم الدينية على المذاهب الأربعة. علمًا أنّ الخانقاه أو التكايا قامت بدور أوسع من المدرسة في نشر الوعي الديني الموجه، وكذلك الزّوايا والتي كانت بداية الزّوايا بداية علمية، حيث يتّخذ كل شيخ أو عالم زاوية من زوايا أحد المساجد الكبرى لتعليم الفقه، وتفسير القرآن الكريم وبقية العلوم الإسلاميّة، وكان لكل شيخ مريدوه، وأتباعه، وكانت كل زاوية تسمّى باسم شيخها، بالإضافة إلى ذلك كان  للحُسينيات أيضًا نفس الدور العلمي للعلوم الإسلاميّة. وقد سبقهم الأمويون والعبّاسيون وخاصة في أواخر عصورهم ثمّ اهتم الأيوبيون والمماليك والصفويون وتعزّزت في عصر الدولة العثمانية والتي وصلت إلى ذروتها فبنوا معها مرافق أخرى من مسجد ومدرسة للتعليم وحمام ومكتبة ومستشفى ووقف لإدارة أمورها”[2].
لقد عُرفت مدينة كركوك كذلك بالتفوق العلمي لكونها منهلاً لإعداد الموظفين وعُلماء الدّين الأفاضل وأخذت موقعها المشرق وبالأخص في العهد العثماني. وعند إغلاق المراكز الدّينية في العهد الملكي ثمّ الجمهوري أنهت هذه المدارس والتّكايا والكليات الإسلامية مسيرتها وعلمائها وأساتذتها. إما أنهم قتلوا أو هجروا أو أحيلوا إلى التقاعد.
علمًا أنه بالرّغم من كون نسبة المسلمين في مدينة كركوك أكثر من 95% وأكثرهم من الملتزمين والمتدين إلاّ أنّهم كانوا يتعاملون معاملة الأقلية الغير المرغوبة لأنّ مصلحة الفئة القليلة الضّالة الطّاغية التي ظهرت بعد سقوط الدّولة العثمانية تتطلّب هكذا. فسلبوا كافة حقوقهم المشروعة وحتى حق تعلم دينهم من القرآن الكريم والسّنة النّبوية والعمل بها كما يرضاه الله تعالى سواءً كانت في مدارسهم ومعاهدهم الدّينيّة أو في مساجدهم أوخانقاهم أوتكاياهم زواياهم أوحُسينيّاتهم[3].
لقد لعبت هذه المراكز الدينية في السّابق دورًا هامًا في نشر العلوم والثقافة في كركوك كما ذكرنا وتخرج منها العلماء والأساتذة والمرشدين العظام وعلّموا أجيالهم العلوم الإسلاميّة الصّحيحة إلى جانب العلوم الطّبيعيّة والفلسفية والطّبية.
ولأجل إثبات وجود مثل هذه المدارس نذكر إحصائية سجلت قبل سقوط الدّولة العثمانية حول وجود مثل هذه المؤسسات المقدّسة ونذكر هنا فقط ما سجلت في مركز مدينة كركوك 36 جامع ومسجد و 7 مدارس و 15 تكايا وزوايا و15  مدرسة الصّبيان ومدرسة رشدية.[4] غير الأقضية التّابعة لها. وقد أُنشأت بعدها مدارس كثيرة وسوف نبين ذلك أدناه بالتّفصيل.
وعُرف حكم الدّولة العثمانية عند المسلمين بالعصر الذّهبي لأنهم كانوا يؤدّون الشّعائر الإسلاميّة بآمان واستقرار من دون خوف أو تطرف ديني أو تعصب قومي. فوحدهم الدين الاسلامي تحت راية لا إله إلاّ إلاّ الله محمد رسول الله، وجعلهم إخوة في الدّين.
فقد شُيّدت هذه  المدارس والتّكايا الكثيرة في كافة العصور من قبل أهالي كركوك الصّالحين والمتمكنين ووضعوا معها أثار إسلاميّة رائعة مثال على ذلك بناء الجامع الكبير(اُولو جامع) الذي أُنشأ في العهد السّلجوقي في قلعة كركوك وبجانبهِ بنوا مدرسة دينيّة، وأسست فيها مدرسة لتعليم الدين الإسلامي الحنيف ثمّ شيّد في مقام نبي الله دانيال جامع ومدرسة وفتحت فيها مدارس تدرس العلوم الدينية والدنيوية معًا، والطّلاب الذين تخرّجوا منها أكثرهم أصبحوا عُلماء أجلاء.
فالمدارس الأهلية أو الخاصّة في كافة العصور أبدت تفوقها على المدارس الحكومية بعلماءها وبنوعية تدريسها ومصادرها القيمة، وكان الطّلاب يتدارسون العلوم الإسلاميّة فيها بكافة مستواها التّعليمي وباصطلاح اليوم من الإبتدائيّة والّثانوية والكليّة والدّراسات العليا. وكان الثّقل في التّدريس على العلوم الإسلاميّة، فكنّا نرى في كل زاوية من زوايا المساجد والحسينيات والتّكايا عالمًا أوشيخًا أو مفتيًا أواعظًا ومُرشدًا دينيًّا يُدرّسون للطلاّب علومهم الإسلاميّة وهم متراصون على السّجاجيد ملتفين حول شيخهم كحلقات منظّمة من محدث أو فقيه أو مفسّر أو لغوي ونحو ذلك من العلوم وسوف نبيّنها أدناه. هكذا تطورت وازدهرت الحضارة الإسلامية أو ما يسمى بالحضارة العثمانية وذلك بزيادة مدارسها وكبار علمائها وشيوخها. ولكن في أواخر الدولة العثمانية كسائر الحضارات ضعفت الدولة وقلت العلماء الأجلاّء وكثرت البدع، مما أدّت إلى سقوطها.
 
نبذة عن التاريخ الإداري الحديث لمدينة كركوك بعد سقوط الدّولة العثمانيّة
 
يمكن البدأ من أخر تقسيمها الإداري في العهد العثماني عام 1865م، لقد ألغى أصول الإدارة القديمة وصدر نظام الولايات وقسّم العراق إلى ثلاث ولايات بغداد وبصرة وموصل وكل هذه إلى ثلاث سنجقات فولاية موصل، موصل المركز وسُليمانيّة وكركوك حيث كان سنجق كركوك يتألف من أقضية أربيل ورانية وروندوز وكوي سنجق وكفري. وبعد الاحتلال البريطاني بتاريخ 11ـ أذار ـ 1917م على العراق، ثم بشكل رسمي وباتّفاق مع الحكومة التركية عام 1924م واكتشاف منابع النّفط الهائلة فيها أصبحت كركوك مدينة عسكرية مهمة، وكذلك سببًا أساسيًّا لإلحاق ولاية الموصل بالدولة العراقية بدلاً من تركيا، ثمّ انفصل سنجاق كركوك من ولاية الموصل بأمر من الإدارة البريطانية وأصبحت لواء كركوك، وبعد أن فقدت كافة أقضيتها وتشكّلت من جديد وهي كالآتي قضاء كركوك والحَويجة والدبس وداقوق وطوز خورماتو وكفري وجمجمال. وأخيرًا تقلّصت أقضيتها إلى قضاء كركوك والحويجة والدبس وداقوق.
ولأهمية كركوك الجغرافية واشتهارها بالأبار النّفطية الهائلة أصبحت هذهِ المدينة أيضًا مدينة الصّراعات والنّزاعات والأحداث والحُروب ويُمكن اعتبار كركوك الصورة المصغرة لتصوير أحداث وأحوال المسلمين في العالم الإسلامي كله والذي يرثى عليهم. ففي مدينة كركوك تعيش كافة القوميات والأطياف الدّينيّة المتعددة، وأكثر سكّانها من المسلمين ومن القوميّة التّركمانية ثمّ تأتي القوميّة الكرديّة والقوميّة العربيّة ثمّ الأقليّات من الأديان الأخرى. واللّغة السّائدة فيها هي اللّغة التّركمانية بالدّرجة الأولى ثمّ الكرديّة بالإضافة إلى اللّغة العربية التي تشكل اللغة الرّسميّة. ومدينة كركوك المدينة الغنية بالمعادن والثروات النفطية كما في بقية الدول الإسلامية، التي تفتح شهية الدول المستعمرة الظالمة. وكركوك مركز الحروب لحضارات سابقة. وبعد سقوط الدولة العثمانية وأخيرًا الاحتلال الأمريكي بدأت أهالي كركوك يعيشون في أبشع صور الحياة من الاضطرابات السّياسية والاقتصادية والأخلاقيّة ومن المآسي والمظالم والتفريق العُنصري والمذهبي والطّائفي بالإضافة إلى إبادة الشّعب والعلماء وإبادة حضارتها العريقة وتُراثها وعلومها.
وباختصار يمكن القول أن هدف الاستعمار وخاصة الاستعمار البريطاني والأمريكي الغاشم سببان أساسيان الأول إبادة الدّين الإسلامي، والثاني استغلال ثرواتهم المعدنية، ومهما تكن الأسباب فالمسلمون لم ولن يخضعوا إلى أوامر المستبدّين والطّغاة أبدًا.
وهؤلاء الطّغاة ودول الاستعمار من أجل تحقيق أهدافهم الدّنيويّة المغرية نراهم يحاربون هذا الشّعب المسلم بأبشع الطّرق وبالوسائل المختلفة والأسلحة الفتاكة المحرّمة بالإضافة إلى استعمال وسائل الإعلام الحديثة كسلاحٍ مؤثر للهجوم على المسلمين ثمّ التّخطيط إلى قتل وتهجير العُلماء الأفاضل وبالأخص عُلماء الدّين الإسلامي وبعدها إغلاق المدارس الدّينيّة والتّكايا أو حرقها وكذلك تمزيق وتفريق شعوبها من النّاحية العلمية والرّوحية أو الأخلاقيّة. كم نعلم لهم شعار سياسي هدّام وهو (فرّق تَسُد).
ومدينة كركوك جزء من هذهِ الأحداث وسوف تقراؤن ما أصابهم من الأحداث المأساوية بعد سقوط الخلافة العُثمانيّة، وبعد تأييد المنافقين الاستعمار والموالين لهم وافتراءهم عليهم واتّهام التّركمان والعثمانيين بالاستعمار والمجرمين ونحو ذلك، ويجهلون بأن خليفة المسلمين لايمكن أن تتصف بالصّفات الذّميمة والغير الحميدة. وينسى المسلمون أنّهم اتخذوا العثمانيين خليفة المسلمين باتفاق أهل الحل والعقد ومن كافة الدول الاسلامية، وأعطوا لهم الخلافة بشكل رسمي عام1517م في عهد الدّولة العباسيّة، من دون حرب أو ضغط وكتب التّاريخ خير شاهد على ذلك.
 
العلوم التي تدرّس من قبل علماء كركوك في المدارس والتّكايا والحسينيّات
 
لقد أُنشأت في أوّل الأمر هذهِ المؤسّسات الدّينيّة أو المدارس العلمية سابقًا في المُدن الكبيرة المشهورة في العراق مثل الكوفة والبصرة وموصل وبغداد ثمّ فُتحت في بقية المدن مثل كركوك وأربيل ومدن أخرى وحتى أنّه فتحت في الأقضية التّابعة لهم، فظهرت عُلماء عظام تركوا أثارًا جليلة فيها وقدّموا الخدمات الدّينيّة الكثيرة للمواطنيين المسلمين من تعليم وتحفيظ القرآن والسّنة وكذلك تعليم العلوم الإسلاميّة. وكتب التاريخ مليئة باسماء العُلماء الأفاضل الذين تخرّجوا من مدارس هذهِ المؤسّسات الدينيّة،[5]  
وعند انتهاء الدّروس العلميّة أو الدّورة العلمية أو الحوزة العلميّة والتي كانت تختلف زمنها من طالب إلى أخر، فيتخرج الطّالب وينالُ شهادة تقدريّة عالية وكانت تُسمى هذهِ الشّهادة (بإجازة نامة)، والعالم الحائز على هذهِ الإجازة كان يُسمى من قبل النّاس فقيهًا أو عالِمًا كبيرًا أو عالمًا ل (12 علمًا) على اصطلاح العلماء القدماء، وحتى الذي يُكمّل قسم من هذهِ العلوم فيطلق عليهم الناس بنفس الاسم أعلاه احترامًا لهُم.
 
العلوم الإسلاميّة التي كانت تُدرّس في هذهِ المدارس الدّينيّة فهي كالأتي:
1ـ علوم القرآن الكريم: وتشمل على (علم التّفسير وعلم القراءات وعلم التّجويد وعلم الخط والكتابة وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الجرح والتعديل وعلم أصول القرآن ونحو ذلك).
2ـ علوم الحديث: وتشمل على (علم رواية الحديث، وعلم دراية الحديث وعلم أُصول الحديث وعلم نقد رواة الحديث وتدوين الأحاديث وأنواع سند الحديث ونحوه).
3ـ علوم الفقه: وتشمل على (علم الفقه، وعلم أصول الفقه وعلم المذاهب الفقهيّة وعلم الفرائض والحلال والحرام في القرآن وعلم القانون والحُقوق وعلم الاقتصاد ونحوه).
4ـ علوم اللّغة العربيّة: من علم الصّرف وعلم النّحو وعلم اللغة والمعاجم وعلم البلاغة وعلم الإعراب وعلم قوانين الكتابة وعلوم الأدب من (علم الشّعر وعلم العروض والقافية وعلم النّثر والمقالة والأمثال والطرائف والقصص وعلم الخطابة وعلم النّقد الأدبي ونحوه) . 5ـ الفلسفة وعلم المنطق. 6ـ التّصوف الإسلامي وعلم الموسيقى. 7ـ علم النّفس (علم سُلوك الإنسان). 8ـ علم التّربية وخاصّة التّربية الإسلاميّة. 9ـ علوم الطّب: علوم الطّب البشري والبيطري. 10ـ علوم التاريخ : كافة أقسامها بما فيها الجغرافية.
11ـ علم الكلام والعقائد وعلم التَّوحيد. 12ـ علم الفلك وعلم النّجوم والفضاء والمجرّات.
 
“مجمل الفوائد التي قدمتها الخانقاه أو ما يُسمى بالتّكايا والحُسينيّات إلى الحضارة الإسلامية بما يلي:
 
1ـ لقد ساعدت هذه المنشأة على تعليم القرآن الكريم والسنة والعلوم الأخرى لروادها وبالتالي تعميق الفكر الديني.
2ـ كما ساهمت في تشجيع المتصوفة والدراويش والمحتاجين في اللجوء إليها لتعلم الإسلام ودفع شبح الجوع والعرى عن كثير من طبقات الشعب وهو إسهام في حل المشاكل الاجتماعية.
3ـ كانت الخانقاه مدرسة يتعلم فيها الناس روح الجهاد في سبيل الله والتضحية في سبيل الدين والوطن وقد شارك نزلاء الخانقاوات في الحروب ضد الفرنج الصليبين في بلاد الشام.
4ـ ساهمت الأوقاف الإسلامية التي كانت توقف على الخانقاوات في إنعاش الحياة الاقتصادية في بلاد المسلمين وحل مشاكل اجتماعية كثيرة .
5ـ أنعشت حركة التفقه والتصوف وازداد عددهم واغتنت حركة الثقافة الإسلامية عن طريق الندوات والمناقشات والمجادلات التي يعقدها المتصوفة ورجال الدين بالخانقاوات والمدارس.
6ـ ساهمت في تطوير الحركة العلمية عن طريق مساهمتها في تأسيس المدارس وتشجيع طلبة العلم على ريادتها، وبما كان يلقيه الشيوخ من دروس على روادها في علوم اللغة والفقه والحساب إلى جانب علوم الدين والكلام والفلسفة”.[6]
ولكن مع الأسف الشّديد لقد أُزيلت هذهِ الزّوايا والمدارس بشكل تدريجي بعد الاحتلال البريطاني للعراق كما ذكرنا، لأجل أن لاينالوا منها الفائدة ويبقوا جهلاء وفقراء يفتحون أياديهم إليهم ويطيعونهم كالأنعام. فقسم من المنصفين الطّيبين لم يُطعوهم، ومقابل ذلك إمّا أنهم أُعدموا أو تركوا البلاد والقلّة من العاجزين لازموا بيوتهم حتى وافاهم الأجل، ومع كل هذه المآسي لم يتراجع هذا الشّعب الأبي عن عقيدتهِ ودينهِ ولم يتنازل عن شرفه ووطنهِ.
وبعدها بداؤا بتلفيق افتراءات عديدة من أجل إبادة هذا الشّعب المسلم مرّة إدّعوا أنّهم رجعيون ومّرة أنّهم سبب في انحطاط الدّولة الإسلامية ونحو ذلك من الإدّعاءات. وعلى هذا “يرد الامير شكيب ارسلان مصورًا اسباب انحطاط المسلمين بما يلي (أما عن أسباب انحطاط المسلمين، فليس الاسلامُ كما يدعي كتاب الغرب المغرضون، بل هو الجهل والعلم الناقص، وفساد اخلاق الحكام والرعية، وتزلف العلماء اليهم زورًا، واصابة الناس بالجبن والهلع، واستبداد اليأس والقنوط في نفوسهم، ونسيان ماضيهم التليد وجمودهم على القديم من تراثهم، ورفض تعديل أصول التعليم الاسلامي، ظنًّا منهم بان الاقتداء بالكفار كفر وان نظام التعليم الحديث من صنع الكفار)”[7].
ولنعلم جيّدًا أنّ هذهِ المدارس والمعاهد والكليّات الإسلاميّة وإن أُهملت وفقدت خصائصها من قبل الحكّام إلاّ أنّ المواطنين الخيّرين بداؤا بتجهيز الطلاب بما يعينهم على الدرس والتحصيل ويساعد الأساتذة على الشرح والتوضيح من أنواع القراطيس ووسائل الإيضاح وما كان يلحق بالمدرسة مكتبة عامرة، وحتى رواتب هؤلاء الأساتذة، فتخرّج منهم خزنة من العلماء الأفذاذ من المؤرخين المشهورين، والفلاسفة والفقهاء والمحدثين وأطباء لخدمة الطلاب وإن قلّ عددهم بالنّسبة لما في السّابق. إلاّ أنّه كما ذكرنا بعد الحُكم العثماني قلّ دورهم وحتى أنّ الاستعمار قد خدعوا بعض العلماء والمشايخ بالعمل معهم أو مع بعض الجهات السياسية العميلة لهم، فتحوّلت تكاياهم إلى أوكار لخدمة السياسيين إلاّ ما ندر من التّكايا العريقة مثل تكية الشّيخ حسام الدين وتكية الشّيخ جميل وجامع كركوك وملا حقي رحمهم الله ومسجد تسعين القديمة وجامع عبدالرزاق والإمام ملا صالح ومن أمثالهم كثيرين.
 
لمحة تأريخيّة للحكومات العراقية والتي تبين مدى عدم استقرار الوضع وتأثيرهم على إرادة الشّعب
 
أـ الحكومات الملكيّة ما بين 1921 ـ 1958م :
 
لقد أخذت مدينة كركوك نصيبها الأوفر من الضّغوط السّياسية والعسكرية ومن الظّلم والقهر والإبادة فانفصلت من ولاية موصل بعد سقوط الدّولة العُثمانيّة ومجئ الاستعمار البريطاني فبقيت أكثر المدارس الدّينيّة القديمة هناك وحتى العُلماء والتّراث والحضارة العائدة لكركوك أصبحت مُلكًا لمدينة موصل، وتباعًا فُصلت منها بقية الأقضية المشهورة بالمدارس والعلوم والعُلماء. وهكذا بعُدت مدينة كركوك من مركزها العلمي والحضاري فأصبحت تبني حضارتها من جديد وتحت ظروف سياسية قاسية.
فنصبوا في أوّل الأمر الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكًا عليها. لقد اختار الإنكليز والده الشّريف حُسين بن علي ملكًا على الحِجاز ومكّة، بعد أن خدعَه بواسطة السّفير لورنس في زمن السّلطان عبد الحميد الثّاني وسُمي بعد ذلك بلورنس العرب، فأثار فتنة القومية العربية ثمّ طلب من هؤلاء القبيلة العربية على مساعدتهم في الحرب ضدّ الدّولة العُثمانية وكان يرأس القبائل العربية حُسين بن علي فأيّدتهم بقية القبائل العربية بالإضافة إلى تأييد عملاء من دول أخرى وحتى من الأتراك، فاستطاعوا من اسقاط الدّولة العُثمانية. وبعد ذلك جعل الشّريف حُسين أولادهُ علي مَلكًا للحجاز ولابن أخيهِ طلال بن عبدالله مَلكًا على الأردن وابنهُ فيصل الأوّل ملكًا للعراق. ويقول بعض المؤرخين، أنهم ندموا على فعلتهم واتفاقهم مع دول غير مسلمة، لأنّ هؤلاء نقضوا عهدهم ولم ينالوا مايريدون، والندم لا يفيد بعد العدم.
وسأبين لكم فترات حُكمهم وسيظهر لكم مدى عدم استقرار الوضع السّياسي ومدى تدخل الإنكليز في شؤون الدّولة العراقيّة ومدى تأثيرهم على سياسة واقتصاد وحتى على التربية والتّعليم وشؤون العلوم الإسلاميّة. فالسفارة البريطانية هي مقر إدارة الشؤون العراقية، وهؤلاء كانوا يجلبون لمن يشاؤا ويعزلون ويقتلون ممن يشاؤا بيدهم الكفر والمكر فيخدعون الناس والله خادعهم أينما ولَّوا. ودولة أمريكا لاتقل عنهم في ذلك حتى أنهم زادوا الظلم بأبشع صورها بعد دخولهم العراق واسقاطهم حكومة حزب البعث، فأستحقوا الذل فطرد العراقيون رئيسهم بالحذاء وسوف ينالون أتعسها بإذن الله تعالى في الدنيا والأخرة، لأن الله تعالى أبلغنا بذلك في القرآن الكريم . ومن الملوك:
1ـ فيصل الأوّل: تولى الحُكم من 1921 ـ 1933م.  2ـ الملك غازي: وهو ابن فيصل الأوّل من عام 1933 ـ 1939م.  3ـ  فيصل الثّاني: وهو ابن الغازي من عام 1939 ـ 1940م.  4ـ شريف الشّرف عام 1940 حكم لمدة شهر.  5ـ عبدالله بن الحُسين من 1941 ـ 1953م: وهو كموصي لفيصل الثاني لصغر سنهِ. 6ـ الفيصل الثّاني من عام 1953 ـ 1958م، كلّهم اُغتيلوا بشكل من الأشكال، ومن قبل البريطانيين. ونوري سعيد رئيس وزراء الحكومة الملكية وهو أيضًا من العملاء والموالين للإنكليز.
وفي زمن الملوك بدأ إغلاق المدارس الدّينيّة تدريجيًّا وإعدام وتهجير العُلماء. وأصبحت المدارس ودورات تعليم القرآن أو زوايا العلوم تحت مراقبة الاستخبارات والنّفوذ الاستعماري الظّالم. فتقلّصت مدارس العلوم وحتى الدّورات الدينية التي كانت تُفتح لتعليم وبعضًا لتحفيظ القرآن في المساجد والتّكايا والحُسينيّات إلى نصف ما كانت عليه، فبقيت زوايا الفقه والحديث والتّفسير والتّجويد والتّصوف واللّغة العربيّة والخط، والطّلاب الرّاغبين عليها قليلة بسبب الضّغوط ومنع تعلّم الدّين الإسلامي لأهالي كركوك فكانوا يضطرّون السّفر إلى المدن والدّول المجاورة الآمنة من بغداد وموصل وتركيا وسوريا ومصر لأخذ هذهِ العلوم، وكانوا يأخذون دروسهم تحت ظروفٍ قاسية وفي ظل مراقبة استخبارات الحكومة وبالأخص كانوا يُراقبون الشّباب المؤمن وهكذا قلّت الرّغبة إلى التعليم الاسلامي عند النّاس.
وأخيرًا تقصّرت تعليم القرآن الشّياب وخاصة للمكفوفين من الناس من دون الأطفال والشباب لأنهم كانوا يرون في تنشأة الشباب خطرًا عليهم. والدروس كما ذكرنا كانت تدرس في داخل المساجد والتكايا والحُسينيّات. وبسبب كثرة عدد المكفوفين في دورات تحفيظ القرآن، فالنّاس بداؤا يظنون أنّ تحفيظ القرآن خاص للمكفوفين وهكذا أطلق الشّعب التركماني مجازًا على البصير (الأعمى)، كلمة الحافظ لكونهم هم فقط يدرسون ويحفظون القرآن.
 
ب ـ الحكومات الجمهورية ما بين 1958 ـ 2003م
 
لقد جاء إلى الحُكم الزّعيم عبدالكريم قاسم الفيلي الميّال إلى الشّيوعيّة فعاشت العراق وخاصّة مدينة كركوك دورًا حالكًا جدًّا من الاستبداد المطلق والطغيان الغاشم والعداء الصريح الشرس للدين والسعي المتواصل لمحاولة إطفاء نور الله وإمحاء شريعته تحت أسماء مزخرفة كالتمدن والتحضر واستمر هذا الوضع المظلم إلى عام 2003م، وحتى بعد الاحتلال الأمريكي.
اُغلقت أكثر زوايا العلوم والتّكايا تدريجيًّا فتقلّصت إلى أقل من النصف، وبقيت المساجد أماكن للصلاة فقط أما الزّوايا والتّكايا ومدارس الفقه والحديث والتّفسير والتّجويد والتّصوف سيطرت عليها الاستخبارات العسكرية وشرطة السّلطة الحاكمة. ومن رؤساء حكّام الجمهورية:
1ـ عبد الكريم قاسم تولى الحكم من 1958 ـ 1963م.  2ـ عبدالسلام عارف من عام 1963ـ 1966م.
3ـ عبد الرحمن عارف من 1966 ـ 1968م .  4ـ أحمد حسن البكر من عام 1968 ـ 1979م .     5ـ صدّام حُسين من عام 1979 ـ 2003م، كلّهم أغتيلوا أو قتلوا بشكل من الأشكال، بالرغم من مجيئهم إلى الحكم عن طريقهم بطرق مختلفة.
وفي العهد الجمهوري تغيّرت من جديد ديمغرافية كركوك فاستوطن في كركوك مواطنين جُدد من فقراء العرب والأكراد استوطنهم زُعمائهم لأسباب سياسيّة إلى كركوك، وبالمقابل هجّروا كثيرًا من مُثقفي مواطني كركوك الأصليين وخاصّة من التّركمان إلى المدن الأخرى. وأخيرًا ألحقت الحكومة السابقة ثلاث أقضية تركمانية كبيرة من مدينة كركوك إلى محافظات أخرى كما ذكرنا أعلاه. ممّا أدّى إلى تصُغير خارطة كركوك من جديد هكذا فرقوا ومزّقوا هذا الشّعب المؤمن الأصيل بكل ما بوسعهم، فتشكلت أقضية كركوك من جديد (المركز كركوك، قضاء داقوق، وقضاء حويجة).
ويجب أن نذكر حقيقة تاريخيّة منصفة أن في العهدين العارفين اعتبارًا من 1963 ـ 1968م قد تنفس أهالي مدينة كركوك بعض الشّيء بسبب رفع الضّغوط السّياسيّة والملاحقات البوليسية عن الشعب العراقي وعن المسلمين وابتعدوا عن القسوة التي ذاقوا مرارتها في العهود السّابقة كما ذكرناها سابقًا وأحسّ الشّعب العراقي أيضًا بشيء من الاطمئنان والرّاحة مثلما أحسّها أهالي كركوك، فأخذ المسلمون بعض الحقوق والامتيازات في عهد الرّئيس عبد السّلام عارف وأخيهِ عبد الرحمن لكونهِما من عائلة متدينّة فاهتموا بالعلماء والشيوخ، فتشجّع النّاس إلى توسيع حلقات تعليم القرآن والعلوم الإسلاميّة :
أ ـ ففتحتوا دورات لتعليم وتحفيظ القرآن في كافة المدن تقريبًا بشكل جيّد ومتطّور وكانت الرّغبة عليها شديدة وخاصّة من الشّباب والشّابات المثّقفات فازدادت الشّعور الدّيني وحتى النّساء اشتركن في تعليم البنات. وحتى فُتحت دورات لتعليم الفقه والحديث والتّفسير بالإضافة إلى التّصوف والتّجويد والقراءات. واهتم عُلماء وشيوخ وأئمة المساجد على إعطاء دروس إسبوعيّة في المساجد يوم أو يومان في الأسبوع كيوم الجمعة بعد الصلاة أو يوم الثلاثاء أوالخميس بعد صلاة المغرب. ولكن بعد سنوات من وفاتهم أغلقت هذه الدورات من جديد.
 
وثيقتان عن مدارس كركوك التي بُنيت في عهد الخلافة العثمانية
وأغلقت أبوابها بعد فترات من الزمن
 
وسأبيّن هنا من بين الوثائق الكثيرة وثيقتان تاريخيتان يُبين فيها المدارس التي أُسست في مدينة كركوك، الأولى حكوميّة والثّانية أهلية، والحكوميّة كانت بمستوى العلمي الجيّد في حينهِ وبعد الاحتلال البريطاني تدخلت فيها السّياسة وأقنعوا بعضهم على العمل معهم ثمّ زالت أهميتها تدريجيًّا وعندما زالت هذهِ المدارس الدينية سقطت معها الأمة الأسلاميّة كلّها، لأن المدارس الدينية كانت ‏تقوم بحقٍّ لبناء حضارة شامخة للإسلام، وأمّا المدارس الحكوميّة في عصرنا الحاضر فلا تخدم أكثرها الشعب المسلم ولا تحقق لهم نشر حضارتهم. وإليكم بعض المدارس والتي أُسست عُمومًا بمساعدات مالية من الأهالي.
أ ) أهم المدارس التي شيدت في أحياء كركوك في العهد العثماني وما زالت قسم منها باقية إلى يومنا هذا:
1ـ مدرسة الشاه غازي: أسسها المتصرف غازي شاهسوار سنة 1067هـ / 1657م في (اولو جامع) في القلعة.
2ـ مدرسة السراي : أسسها متصرف كركوك مع جامع السراي في سنة 1049 هـ وكان موقعها في محل الخانقاه الحالي. كما أن المتصرف بنى جامعًا ومدرسة أخرى في محلة أخي حسين ويعرف اليوم باسم (جامع محمد باشا قاييش).
3ـ مدرسة الأيوبي احمد باشا: أسسها المتصرف احمد باشا الأيوبي زاده، أيام ولايته على كركوك سنة 1127 هـ / 1715م في محلة شاطرلو. ولم يبق منها اثر في  الوقت الحاضر. وسميت المدرسة باسم  (الصهراني) نسبة إلى أولاد الصهراني زاده الذين كانوا يشرفون على التدريس فيها.
4ـ مدرسة الغوثية: أسسها العالم الجليل الأديب الحاج محمد غوث أفندى مفتــي زادة فــي محلــــة (حلوه جيلر) سنة 1173 هـ / 1759م.  ويعرف اليوم بـ (جامع قاضي اوغلو)، وبنايتها قائمة حتى اليوم.
5ـ مدرسة الصناعة : أسسها أهالي المدينة  سنة 1286 هـ / 1869م. واهتم بها المتصرف نافذ باشا في عهده سنة 1874م.  وعند مجئ المتصرف عون الله كاظمي في سنة 1908م اهتم اهتمامًا كبيرًا بهذه المدرسة حتى تطورت وازدهرت، حتى دخول قوات الاحتلال البريطاني إلى كركوك.
وبنايتها كانت في نهاية شارع أطلس عند مدخل الشارع من الجهة الشرقية. واتخذ بعد الحرب العالمية الأولى مقرًا لمديرية شرطة كركوك حتى عام 1960م، وتم هدمها ومكانها في الوقت الحالي عرصة اتخذت مكانًا لوقف السيارات.
6ـ مدرسة الحاج احمد: أسسها الوجيه الحاج احمد، وثم رممت في سنة 1884م.
7ـ مدرسة الميدان: أسسها المتصرف حسن باشا فرارى في جامع حسن باكيز، وثم رممت سنة 1790 من قبل الحاج محمود من آل (فرهاد زاده). وقد انتقلت هذه العائلة التركمانية التي عرفت بالثراء وعمل الخيرات إلى بغداد وهي من العوائل التركمانية المعروفة في بغداد اليوم.
8ـ مدرسة ابتدائية باسم (الرشدية) أسسها المتصرف هاشم باشا في سنة 1285 هـ / 1868م. وهذه تعتبر أول مدرسة نظامية أنشأت في كركوك. وكانت تقع في محلة أخي حسين في البناية المعروفة بدار (أفه جان بك).
9ـ مدرسة إبراهيم باشا: أسسها إبراهيم باشا مع المسجد القائم في محلة شاطرلو سنة 1309 هـ / 1891م. وأرّخهُ أحد شعراء كركوك بقطعة شعرية وباللغة التركية مكتوبة على قطعة من المرمر مثبتة على جدار المسجد.  وتمت إعادة بناء المسجد في سنة 1980.
 
ب ) وفيما يلي جدول باسماء المدارس التي أسست في كركوك والتي ذكرت في (سالنامة المعارف العمومية) لوزارة المعارف العثمانية لسنة 1903. ص 682 – 687 .
1ـ مدرسة حاجى سليمان أغا: في منطقة حمام (القلعة) كان يعلم فيها ملا محمد افندى ويتلمذ فيها 12 تلميذًا أسسها الحاج سليمان أغا.
2ـ مدرسة حاجى سليمان أغا: في منطقة جاى كان يعلم فيها عبدالرحمن أفندى محمد ويتلمذ فيها 14 تلميذًا أسست من قبل الحاج سليمان أغا.
3ـ مدرسة فرهاد زاده : في منطقة ميدان (القلعة) كان يعلم فيها خضر افندى ويتلمذ فيها 11 تلميذًا  أسسها فرهاد زاده.
4ـ مدرسة نائب أوغلو: في منطقة أخي حسين كان يعلم فيها محمود افندى ويتلمذ فيها 10 تلاميذ أسسها نائب زاده.
5ـ مدرسة بولاق: في منطقة بولاق كان يعلم فيها حامد افندى ويتلمذ فيها 15 تلميذا ومؤسسها مجهول.
6ـ مدرسة حاجى احمد أغا: في منطقة أخي حسين كان يعلم فيها علي افندى وكان يتلمذ فيها 10 تلاميذ أسسها الحاج احمد افندى.
7ـ مدرسة سيد غني: في منطقة أخي حسين كان يعلم فيها السيد محي الدين ويتلمذ فيها 15 تلاميذ أسسها السيد غني افندى نقيب زادة.
8ـ مدرسة إمام قاسم: في منطقة إمام قاسم كان يعلم فيها الشيخ محمد افندى وعدد تلاميذها كان 10 تلاميذ، أسست من قبل السيد غني افندى نقيب زادة.
9ـ مدرسة شيخ باقي: في منطقة شاطرلو كان يعلم فيها محمد افندى وعدد تلاميذها كان 6 تلاميذ، أسسها الشيخ عبد الباقي افندى.
10ـ مدرسة شاطرلو: في منطقة شاطرلو كان يعلم فيها زينل افندى وعدد تلاميذها كان 17 تلميذاً أسسها عبدالغني افندى.
11ـ مدرسة سلم: في منطقة قورية كان يعلم فيها محي الدين افندى وعدد تلاميذها كان 7 تلاميذ، أسسها احمد بك نفطجى زاده  (سنة 1256).
12ـ مدرسة حاجى مصطفى : في منطقة جاى كان يعلم فيها توفيق افندى وعدد تلاميذها كان 41 تلميذًا أسسها الحاج مصطفى قيردار زاده.
13ـ مدرسة قطب زاده: في منطقة بولاق كان يعلم فيها محمد افندى وعدد تلاميذها كان 9 تلاميذ أسسها قطب زاده محمد افندى.
14ـ مدرسة حاجى عبدى: في منطقة صاري كهيه كان يعلم فيها بكر أفندى  وعدد تلاميذها كان 7 تلاميذ أسسها الحاج عبدى افندى.
15ـ مدرسة معروف افندى: في منطقة قورية كان يعلم فيها احمد افندى وعدد تلاميذها كان 10 تلاميذ  مؤسسها مجهول.
16ـ مدرسة عبدالقادر: في منطقة جاى كان يعلم فيها نجيب افندى وعدد تلاميذها كان 9 تلاميذ أسسها  عبدالقادر افندى.
17ـ مدرسة قورية: في منطقة قورية كان يعلم فيها محمد افندى وعدد تلاميذها كان 6 تلاميذ مؤسسها مجهول. [8]  
 
دورات تعليم القرآن الكريم في كركوك في العهدين الملكي والجمهوري
 
كما نعلم كان التّعليم كانت تجري تحت ظروف قاسية كما بيّنا أعلاه سواء من النّاحية السّياسية أو الاقتصاديّة، فتقلّصت مدارس التّعليم وتحفيظ القرآن، وبدأت تُفتح بدلاً عن ذلك دورات تقليدية للطلاب والطّالبات وعلى ثلاث مراحل.
أ ـ دورات عامة للمبتدئين : لتعليم ألفباء القرآن مع قراءة القرآن الكريم بصورة صحيحة.
ب ـ دورات عامة للمتقدمين: والتي كانت تُعلّم فيها القرآن الكريم قراءةً وتجويدًا بشكل صحيح مع حفظ بعض الأيات والسّور.
ج ـ دورات خاصّة: خاصّة للذين يرغبون في تعلّم قواعد تجويد القرآن أو دورات لتحفيظ القرآن، والرّغبة إلى هذه الدورات كما ذكرنا قليلة عليها لأسباب ذكرناه من ضغوط سياسيّة، فرغب المكفوفين عليها.
 
المؤهّلون في تدريس العلوم الإسلاميّة في كركوك
 
بالإضافة إلى المعلّمين والمدرسّين والأساتذة كانت هناك من المَلالي والمرشدين وأئمة المساجد والخطباء والوّعاظ والسّادة والشّيوخ والأقطاب والفقهاء والعلماء والمراجع الدّينيّة والبير[9] الذين كانوا يعلّمون النّاس هذهِ العلوم وبأفضل شكل لأنّ أكثرهم كانوا مؤهلين لأداء هذهِ العلوم بالإضافة إلى هؤلاء كان هناك من المنتسبين لحلقات (زوايا) العلم ومنتسبي التّكايا من خُلفاء أي وكلاء الشّيوخ ومن مُريدي ودراويش الشّيوخ والفقي[10] وعلماء وطلاّب الحوزة العلميّة والمؤذنون ونحوهم كانوا يؤدّون نفس وظائف تعليم الطّلاب.
وهناك بعض المديريات والمؤسسات الدّينيّة الذين هم تحت إدارة الدّولة من دائرة الأوقاف ومراكز الإفتاء ورئاسة علماء المحافظات ونحو ذلك. لكل هذه الفضل الكبير في إرشاد وتوعية المسلمين إلى طريق الحق وفي تعليم شريعتهم السّمحاء وكذلك في تسهيل مهام العُلماء. وكانت لوظائف العلماء المرتبطة للدولة أسماء ففي السابق كانت: شيخ الإسلام، حُجة الإسلام، مجدد العصر، إمام المسلمين، قاضي القُضاة[11]، وأيضًا رئيس القضاء، القاضي، نائب القاضي، المفتي (مفتي البلدة والمحافظة والدولة)، رئيس الإفتاء، أية الله، رئيس علماء الدولة ورئيس علماء المحافظات، رئيس الأوقاف والشّؤون الدّينيّة ورئيس ديوان الأوقاف ومدير الأوقاف ونحو ذلك من موظفي الشؤون الدينية ولكل منهم الفضل في توعية وارشاد وتعليم المسلمين. وبعد مجىء حُكم الطّغاة أي بعد سقوط الدولة العثمانية تغيّرت أيضًا مفاهيم هذهِ الاصطلاحات أعلاه وحتى أنه أُلغيت أكثرها، أو غير الحكام الفاسقون جوهر عملهم.
 
أسماء المساجد والجوامع والتكايا والحسينيات لتعليم وتحفيظ القرآن في كركوك
 
لقد بُنيت في مدينة كركوك مئات من المساجد وسأبين المشهورة منها مثل جامع: ملا[12] جعفر، ملا عبود، ملا توفيق، مفتى أوغلو، نفطجى، خلفه كريم، ابراهيم بك، نقشلى مناره، نعمان جامعي، طارق صراف، أمير المؤمنين، صبرية، حاج هادي، تكية، جامع سيد نجيب ، خضراء جامعي، أرسلان، ملا قاوون، جامع وتكية شيخ حسام الدين القادري، ملا عابد، مصلى، ملا عثمان، جلالي، حسينية خزعل، حسينية مصلى، حسينية تسعين، جامع النور، هرمزلي جامعي، ملا سعيد، حجي محمد جامجى، ملا أحمد صالحي، نائب أوغلو، كوله من، باش كه سوك، أبو علوك، ملا عزيز، قادر علاو، أولو جامع (الجامع الكبير) في القلعة، ابراهيم باشا، ومسجد الشيخ رضا الواعظ، بيرقدار، شيخ جكرى، هندي جامعي، جامع فضولي، أحمد باشا، اليعقوبي، جامع عريان يعود تاريخيه الى عام 1142، جامع حسن مكي، الاحمدي، وجميعها مشيدة من قبل الشّعب التركماني.[13] وأيضًا جامع عبدالّرزاق (رأس الجسر)، مسجد ملا داود، وملا قاوون، وجامع التّكريتي، وكذلك جامع وتكية شيخ جميل، تكية الخانقاه النّقشبندية للسيد أحمد السّردار وهو خليفة مولانا خالد النّقشبندي، جامع كركوك الذي كان يَشرف عليه ملاّ حقي العالم الجليل، مسجد الشيخ عبدالجبار الشيخ مصطفى في محلة شاطرلو، مسجد ميدان، مسجد نبي دانيال، جامع قاضي أوغلو، مسجد ملا عبدالله الملّقب بملاّ لوبيا في محلة قورية، مسجد إمام قاسم وفيها مرقد إمام قاسم الواقع في محلة إمام قاسم، وتكية الرّفاعي وتكية للطريقة الرّفاعيّة وتكية للطريقة البكتاشيّة وتكايا أخرى كثيرة. وفي قُرى البيات التّابعة لكركوك والتي لم تكن بصدد دارستنا تكايا لأحفاد الشّيخ الصوفي مصطفى السّيد حسين بن مصطفى عبدالله البيوتي وغيرها كثيرة.
علمًا أنّ لتكية وجامع الشّيخ حسام الدين القادري والتي أُنشأت لأوّل مرّة عام 1888م في زمن الشيخ كوثر القادري ثمّ اِشتهرت بعدها باسم الشيخ حسام الدين ووصلت إلى ذروتها في زمنه بسبب علمهِ ودرايتهِ ونشاطهِ وكان على زيادة بينة بين صفوف مريديه من المثقفين ورجال الأعمال، وكان له الفضل الكبير في تربية وتعليم الأجيال على الأخلاق العالية ومثالاً جيّدًا. وكان على ارتباط وثيق مع تكايا الدّول الإسلامية من تركيا وسوريا ومصر وغيرها من الدّول. وكذلك كان لتكية الشيخ جميل الطّالباني القادري وكان يسمى بالتكية الكبيرة (بيوك تكية) والتي أُنشأت في زمن الشيخ أحمد هندي يوسف زنكنة والذي كان يديره ابنه الشّيخ والشّاعر الكبير عبدالرحمن خالص القادري الكركوكي “وهو جد الشّيخ علي الطالباني القادري”[14]” بالإضافة إلى سيّد عبدالجليل وابنه سيّد خليل فضل كبير في تربية وتعليم الأجيال على الأخلاق العالية.
وكل هذهِ العلماء والشّيوخ من كافة القوميّات وكانوا مثالاً جيّدًا في توحيد كلمة صفوف المسلمين وبالأخص بين القوميات اللتركمانية والكرديّة والعربية، وكلّهم قد حاربوا الاستعمار والفساق والمنافقين في مدينة كركوك بشكل متواصل سواء في خطاباتهم ووعظهم وإرشاداتهم للناس، أو وقوفهم ضد كل قرار يضر مصلحة الشعب ومصلحة الدين الاسلامي، ولم يخضعوا يومًا لأمر الطّاغين والانتهازيين فحاربوهم بكل مالديهِم من قوّة.
 
أسماء العُلماء والمدرسين الذين أشرفوا على تعليم القرآن وعلومها في مدينة كركوك
 
الشيخ حسام الدين بن عمر بن الكوثر القادري الكركوكي ولد عام 1902 لقد توفي عام 1966م وأولادهِ الشّيخ بُرهان والشّيخ عبدالكريم، والشّيخ العالم الجليل والمؤرّخ الكبير ملا كلش قلعلي والذي ألّف كتب كثيرة منها سيرة النّبي (ص) وكتاب يوسف وزليخا وكتاب الحروب الصّليبيّة وكتاب لعنترة بن شدّاد ونحو ذلك، والشيخ رضا الواعظ، وملا أنور علي الضّيائي، وملا عبدالله علي الضّيائي، والسّيد عبدالجليل وابنه السّيد خليل، وملا عبد المجيد القُطب العالم الجليل، والشيخ جميل وابنه الشّيخ علي الطّالباني ثمّ ابنه الشّيخ  يوسف لايزال يدير تكية الشّيخ جميل، والعالم الجليل حاج عزّت ولي النّقشبندي صاحب الطّريقة ولد عام 1880 وتوفي عام 1956م وكان يُزاول عمله الإرشادي في بيته الكبير وبعضًا في تكية الشّيخ حسام الدين ثمّ جعل بيته مركزًا للذكر والإرشاد، والشّيخ صفاء النّقشبندي بن الشّيخ حسام والذي أخذ طريقته من الشّيخ عثمان بيارة النّقشبندي لايزال يدير تكية الشّيخ حسام الدين[15]، وكذلك الشّيخ عبدالرحمن خالص القادري الصّوفي والشّاعر الكبير ولد في مدينة كركوك في محلة بولاق فترعرع في بيت علم وتصوف وشعر. وكان لوالده تكية قادرية في كركوك “وعندما جلس والد الشّيخ والشّاعر عبدالرحمن خالص وهو الشّيخ أحمد بن ملا محمود الطّالباني مقام الإرشاد الدّيني في كركوك عام 1809م كان لهذا الأمر أثر بالغ في إزدهار حياة الشّيخ عبدالرحمن. وقد ولد والده عام 1780م ومضى شطرًا من حياته في قرية طالبان ثمّ توفي عام 1841م. وبعد وفاة والدهِ تم بناء جامع ومئذنة بجانب التكية من قبل الشّيخ عبد الرحمن خالص لتوسيع التكية الكبيرة (بيوك تكية) وسمي بعد ذلك بجامع المجيدية حيث كان محلاًّ للعبادة وجعله في نفس الوقت مركزًا للأدب والموسيقى الدّينيّة وكان يلقى فيها المناقب النّبوية والقوريات الكركوكية ونبغ فيها أشهر أساتذة المقام والقوريات أمثال ملا ولي وحمه بيرة وغيرهم، ومن مؤلفات الشّيخ عبد الرّحمن ديوان شعر بالفارسية والتركية، وجل قصائده في مدح السيد عبد القادر الكيلاني وفي التصوف وترجم الشّيخ كتاب (بهجة الاسرار) للمؤلف الشيخ نور علي بخش من اللغة العربية الى اللغة التركية في كركوك، وطبع الكتاب في استانبول من قبل مدرس زاده محمد سعيد افندي الكركوكلي في سنة 1302 هـ/ 1881 م”[16].
وهناك من الملالي من العلماء منهم من أبدع في قراءة المقامات والتواشيح الدينية في المولد النبوي مثل: ملا عابد الرّجل الصّالح كان من أبوين يهوديين ثمّ أسلم وأحسن إسلامه، وسيد علاوي، وسلطان ساقي، وسيد يوسف (شيخ محي الدين) صاحب الطّريقة، والعالم محمد رفيق الحاج أمين خادم السّجادة النّبوية والتي درس العلوم الدّينيّة على يد العالم قاضي كركوك علي حِكمت عام 1869م وتوفي عام 1936م، والعالم خضر لطفي بن سمين بن إسماعيل الشاعر والمتصوف ولد عام 1880 وتوفي عام 1959م درس على رجال بلدهِ تعلّم العربية والفارسيّة والتّركيّة، والملاّ صابر ولد عام 1895 وتوفي عام 1961م عالم ديني ابن حافظ محمد، والإمام بكر بك إبراهيم إمام في الجيش العثماني وتوفي في العهد الجمهوري، وآية الله الشيخ حسين البشيري الكبير الذي ولد في قرية البشير، وملا صالح إمام جامع عبدالرّزاق، وملا حسيب إمام جامع داود، والشيخ عبدالكريم المدرس مفتي العراق السابق. وعلماءنا في هذا العصر كثيرون أيضًا ومن أبرزهم العالم الكبير الشّيخ حقي علي غني والذي أخذ الإجازة من المقرئ صفاءالدين الأعظمي البغدادي، وإحسان قاسم الصّالحي الذي اشتهر بترجمة رسائل العالم سعيد النّورسي والحاج ياووز السّياف والحاج صباح الهرمزلي والشّيخ عبد الرّزاق الهرمزلي والمدرس محمد فاتح رضا ومن الأساتذة أو المحاضرين في كليات الشّريعة الدّكتور محسن عبدالحميد وأخوه نظام عبدالحميد والدكتور إبراهيم الداقوقي والدّكتور نجاتي أوجي والأستاذ الدّكتور عبدالخالق باقر والأستاذ الدّكتور هدايت البياتي والأستاذ الدّكتور أكرم باموقجي والأستاذ الدكتور جمال مختار والأستاذ الدّكتور أنور طاهر تركلان والباحث الأكاديمي التركماني د. نظام الدين إبراهيم أوغلو والباحث الإسلامي عوني عمر لطفي اوغلو والأستاذ اسامة الهرمزلي وأسماء كثيرة.
وهناك من الحفاظ الجيّدين أيضًا الذين لهم الفضل في تعليم علوم الدّين وأكثرهم ليسوا في الحياة، منهم الحافظ نورالدين بقال أوغلو، والحافظ ملا حسن باموقجى، والحافظ ملا حسون هرمزلي، والحافظ نور الدين بن عبدالواحد، والحافظ ملا وهب، والحافظ ملا صدّيق، وملا محمود مصلالي، وملا محمود أحمد قوريالي، وملا جعفر، والحافظ ملا عبود بوستانجى أوغلو، والحافظ ملا توفيق، ومفتى أوغلو، وملا عثمان، وملا سعيد، وحجي محمد جامجى، وملا أحمد صالحي، وملا عزيز، وملا عبد الواحد تركلاني، وملا صمونجو أوغلو وغيرهم.
 
كركوك بعد سقوط حزب البعث والسّيطرة الأمريكيّة
 
كما نعلم أنه كانت تفتح المدارس والمعاهد وحتى الكليّات الدينيّة الحُكوميّة لأغراض سياسيّة فلم يكن يدرس في هذهِ المدارس للطّلاب من العلوم الإسلاميّة إلاّ الشّيء اليسير وتحت مراقبة الحكومة الحاكمة، وحتى أنه تأسسّت مدرسة التّأميم الإسلاميّة التي كانت تقبل الطّلاب للمرحلتين المتوسطة والثّانويّة عام 1990م وأصبحت بؤرة الفساد الخلقي بدلاً من أن تكون مركزًا علميًّا. أمّا المدارس الأهليّة فقد أُغلقت كلّها وحتى الكليّات الدّينيّة أو الإسلاميّة الأهليّة في بغداد قد أغلقت لأسباب سياسية، والتي كان طلاب مدينة كركوك يفضلون الإلتحاق بها لرقي دراستها مثل كلية الشريعة وكلية الإمام الأعظم وكلية أصول الدين ونحو ذلك. وهكذا لم يبق أية مدرسة أو مسجد أو حسينية أو كليّة حرّة ومستقلّة التي كانت يُديرها الشعب.
بالإضافة إلى ذلك كان الشباب الملتزمون بالإسلام والملتحون أو الذين يُصلّون صلاة الفجر جَماعة في المساجد يتهمون بالرجعية إما يسجنون أو يقتلون، وحتى الشّابات الملتزمات والمرأة التي تغطي رأسها بالشّكل المعروف في هذا العصر (أي بالخمار دون العباءة) كن تتعرّضن من قبل النظام البعثي السابق إلى المضايقات وحتى فتح غطاء رأسهن في وسط الشّارع بقوّة السّلاح، بحجة أنهن منتمين إلى جماعة إسلامية.
وبعد سقوط الحُكم البائد في العراق كثرت الأحزاب السّياسيّة الإسلاميّة والجمعيّات والأوقاف الخيريّة والمؤسّسات الدّينيّة الأخرى، فبدأوا لتلافي وإعادة ما هدمه الاستعمار وأعوانهم من حضارة وتراث المسلمين بإخلاصٍ وبسرعة فائقة ففتحوا دورات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم لكافة مراحل التّعليم للنساء والرّجال والشّباب والأطفال وبدؤوا أيضًا بإنشاء جامعات وكلّيات دينيّة أهليّة في كركوك وحتى في بقية المدن العراقيّة. وبدأ الشّعب العراقي تفتحُ عيناه ويَتعلم ويَرى بما يجري حوله من الألعاب والخدعات السّياسيّة فبدأ يقرر مصيرهِ بنفسهِ ويغطي هذا النّقص الكبير نوعًا ما. ونحن متفائلون بأن هذا الجيل الجديد سوف يملئون الفراغ الدّيني والعلمي النّاجم من وراء الأحداث الكبيرة مهما حاول المنافقون من إطفاء نور الله، لأنّ الله تعالى متم نوره ولو كره الكافرون، وبفضل الله وبفضل هذه المؤسّسات الخيّرة سوف تتطور هذه العلوم وتتقدم شعبنا وأمتنا إن شاء الله. ويجب علينا أن لاننسى ظلم الأمريكيين على العراقيين عندما إدعوا على جلب الديمقراطية والحرية لهم، وجلبهم من جديد عملاء يساعدون مآربهم، ولكن الزّمن غير زمن الطغاة والظالمين، فالشعب لهم بالمرصاد مهما أرادوا من البغي والطغيان.
       
ختام
 
انظر يا أخي القارئ إلى الحكمة الإلهيّة والقّوة الإيمانيّة لشعب كركوك وبعد كل هذه الأحداث والضّغوط السّياسيّة والظروف القاسيّة وحتى الإعدامات من بعد سقوط الخلافة العثمانية الاسلامية ومن عام 1918م إلى يومنا هذا قد شهدت العديد من الإبادة الجماعية والمجازر، ومن أهمها وبالأخص الشّعب التّركماني مثل (مجزرة الأشوريين أو مجزرة الليفي عام 1924، ومجزرة كاورباغي عام 1946، ومجزرة عام 14تموز 1959، وأخيرًا في التسعينات مجازر التون كوبري وتسعين وبشير وتازة وطوز خورماتو وتلعفر)، فأعدموا الألوف من العلماء والمثقفين والعسكريين والقياديين الكركوكيين، وبعدها حربين خليجيين مدمرتين مع الجارة المسلمة إيران ودولة الكويت الشّقيقة، وقبلها اصدار مجلس قيادة الثّورة عام 1980م قرارًا رسميًا بتهجير أهالي كركوك وبالأخص التّركمان إلى المحافظات الجنوبيّة وبعد ذلك عام 1984م منعهم من امتلاك العقار أو شراء قطعة أرض في كركوك، وبعد دخول أمريكا وسقوط نظام البعث، لم يتغير الأمر، وفي هذه المرة الأكراد بدأوا بتهجير التركمان من بلدهم، وتهجير أكراد فقيرة ومن دول مجاورة إلى كركوك. وبعد حدوث كل هذه المآسي تلو المآسي ووقوع كلّ هذه الوقائع على مواطني مدينة كركوك الأبي الأصيل، فلم يتقاعسوا بل واصلوا مسيرتهم النّضالية لتحرير وطنهم ومواطنيهم من يد هؤلاء الطّغاة والمستعمرين، وناضلوا أيضًا من أجل تعلّم دينهم وإدامة عبادتهم بشكل جيد. فشقوا كل هذه الصعاب وبفضل الله تعالى تمكّنوا من حفظ إيمانهم ودينهم أمام كل هذه الضّغوطات والمآسي القاسيّة والغير المطاقة.
علمًا أنّ هذهِ الضّغوط السّياسيّة لم تكن مخصوصة على طلاب وأساتذة العلوم الإسلاميّة وعلماء الدّين في كركوك بل كانت أيضًا على باقي العلماء من علماء علوم اللّغة والطّب والهندسة والحقوق، بالإضافة إلى محاربة كافة المواطنيين المخلصين، لأنّ الحرب كانت شاملة على كافة المسلمين الطّيبين، ويمكن أن نقول أن الحرب دائرة بين الحق والباطل.
لذا يجب علينا أنّ لا ننسى فضل الجامعات الحكوميّة مثل كليّات الشّريعة وأصول الدّين وكليات الدّين في جامعة بغداد والمستنصريّة وموصل وبصرة وإن كانت تحت حكم وإرادة الحُكّام الطّاغين، فكان الطّلاب يتعلّمون ويكملون علومهم فيها بشكل جيد.
وقد يكون سبب عدم ارتياح الاستعمار والطّغاة من تعلم المسلمين في مدينة كركوك مبادئ الدّين الإسلامي. لان بتعلم الدين لا يستطيع هؤلاء الطغاة من السيطرة عليهم وعلى ثرواتهم. لأنّ مبادئهم يفرض عليهم أنه “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”، وهكذا ستدوم الحروب إلى يوم القيامة ما دام الطغاة يصرون على الظّلم. لهذا السبب يجب على المسلمين أن يكونوا حذرين ويأخذوا كافة أسباب النّجاج والنّصر دون الكسل والتقاعس، سواء من ناحية القوة الإيمانيّة أوالعلميّة أو التقنيّة أو العسكرية ونحو ذلك، من أجل الدّفاع على العقيدة الإسلامية والشرف والوطن وثروات البلد. ومن أجل زيادة العلماء وإحياء المدارس والعلوم الإسلاميّة ومن أجل إزالة الاستعمار والعُملاء المؤيّدين لهم، وأخيرًا من أجل تطبيق الدّيمقراطيّة والعدالة والمساواة بين كافة الأقوام والأطياف والأديان السماوية.
وأخيرًا نشكر كافة المخلصين وأعيان مدينة كركوك ولمن كان له الفضل الكبير على إحياء تراث وحضارة ورقي مدينة كركوك وإحياء التعليم فيها وذلك بإنشاء المساجد والمدارس أو في إرسال أبنائهم إلى هذهِ المدارس أو الزّوايا. ونتمنّى لهم المزيد من الأعمال الخيرة لأجل إحياء كلمة الحق وإرضاء الله تعالى إلى يوم القيامة، وإنّ الله لا يُضيع أجر المحسنين مثقال ذرّة لا في الدّنيا ولا في الأخرة.
والله من وراء القصد.
نظام الدين إبراهيم أوغلو ـ تركيا
22.09.2007

[1] المقالة تهدف إلى كيفية سير الأحداث السّياسيّة والمؤامرات المتعاقبة حول الإسلام والمسلمين وكيفية إبادة المراكز الدّينيّة وشيوخها وعلمائها عمومًا. وقد أعطينا مركز مدينة كركوك وبعض الأقضيّة التابعة لكركوك نموذجًا لبيان الأحداث السياسية التي تقع بصورة مستمرة في بقية الدول والمدن الإسلامية من قبل الدول الطاغية والمستعمرة. ونحن لن نتطرق هنا بالتّفصيل عن المدارس والتكايا في كافة إقليم تركمان العراق (تركمن إيلي).
[2]  محمد الو المجد، الاسلام ورسالته الخالدة، ص 64 – 66 ، ط2 ، الاعلمي، 1984، بيروت. المساجد: د. حسين مؤنس ، 56 ، ط. كويت ، 1981.
[3] الخانقاهات (الخانقاه): معبد ديني وتعليمي، وهي اسم أطلق عليها السّلجوقيون ثمّ أُطلق على نفس الكلمة العُثمانيون كلمة تكيّه لافرق بينهما إلاّ في إضافات أجنحة مثل سكن للصوفية ومدرسة للتعليم وكانت تأوي الفقراء وتُطعم الدراويش وأبناء السبيل./ التّكايا (التّكية): وهي نوع من المـعابد التي ظهرت في العهود الإسلامية المتأخّرة، وتعززت في أيّام الدولة العثمانية  ويقيم في هذه المؤسّسات أعداد كبيرة من الدراويش./ الزّوايا (الزّاوية) : كانت بداية الزّوايا بداية علمية، حيث يتّخذ كل شيخ أو عالم زاوية من زوايا أحد المساجد الكبرى لتعليم الفقه، وتفسير القرآن الكريم، وعلوم الاسلام الأخرى، وكان لكل شيخ مريدوه، وأتباعه، وكانت كل زاوية تسمّى باسم شيخها./ الحسينيات (الحسينية): كذلك معبد ديني يقام فيها نشاطات ثقافية وأدبية بالإضافة إلى دروس لتعليم القرآن الكريم، وتفسيره وتتحوّل بعضها إلى حوزات علمية لدراسة التفسير والفقه الاسلامي ، والعلوم الأخرى ..
Osmanlı Arşivi Daire Başkanlığı- yayın nu:11- s. 30 /Ankara–1993.[4]
[5] انظر إلى أسماء وسير بعض هذه العلماء في موسوعة علماء التركمان المنشور في موقع المؤلف www.nizamettin.net
[6] دائرة المعارف الإسلامية، النسخة العربية، المجلد السادس عشر ص 459، القاهرة مطابع دار الشعب، موسوعة العمارة الإسلامية للدكتور عبد الرحيم غالب في مادة “خانقاه” غروس برس بيروت.  ونهر الذهب في تاريخ حلب للغزي كامل : ، ص 2 ، ص 115 ، ط 1 حلب .
[7]  شكيب ارسلان، لماذا تاخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ بيروت: دار مكتبة الحياة، 1965، ص 88.
[8] مدارس كركوك في الفترة العُثمانيّة لنجاة كوثر أوغلو ـ عن مجلة ميزويوتاميا بلاد النّهرين الصّادرة في العراق ـ العدد الخامس والسّادس عام 2005م. وأنظر كذلكwww.mesoptamia4374.com   
[9] ترجمة الاصطلاحات: السّادة مفرده السّيد رجل دين من نسل علي (رض)  أو فاطمة (عليها السلام). أمّا الشّيوخ فهم غير سادة. والأقطاب مفرده قطب بمعنى شيخ الشّيوخ. والبير كلمة غير عربيّة بمعنى الزّعيم الدّيني.
[10] الفقي كلمة عامية يلفظ عند أهالي كركوك ((FAKK-I يلفظه غير عربي والمعنى العام هو الشّخص الملّم بالفقه والقرآن.
[11] اصطلاحات مُنعت استعمالها بعد الاحتلال البريطاني مباشرةً.
[12] كلمة ملا، كلمة فارسية معناه عالم دين، أو مختص بالدين الإسلامي.
[13] أنظر مقالة  شواهد على تركمانية كركوك، لياوز نورالدين صابر اغا اوغلو المنشور في صحيفة   www.kerkukfeneri.com
[14] لقد أصبحت حياة الشّيخ عبد الرحمن قصّة فيلم يمثل فيه حقيقة المسلم الصّحيح في جمع شمل القوميات ومحارب الاستعمار والطّغاة. والفيلم من إخراج سردار أكار تركي: وأبطال الفيلم:  1ـ نجاتي شاشماز وهو تركي قام بدور بولات علمدار. 2ـ بيلي زان وهو أمريكي وقام بدور القائد سام ويليام مارشال. 3ـ غسان مسعود وهو ممثل سوري مشهور وقام بدور الشيخ عبدالرحمن خالص الكركوكي. 4ـ بركوزار كورل وهي ممثلة تركية وقامت بدور ليلى العراقية التي رباها الشيخ عبد الرحمن الطّالباني. 5ـ ياوز واجد عثمان (ياوز إيمسل)، وهو مخرج تركماني كركوكي كبير، قام بدور سياسي تركماني. أقيم في تركيا وعاش في أوروبا.
[15] انتشرت الطريقة القادريّة في كركوك في النّصف الثّاني من القرن الثّامن عشر في زمن الشّيخ عمر القادري والد الشّيخ حسام الدّين ثمّ أدام ذكرها أولاده برهان وعبد الكريم وصفاء، وفي نهاية القرن السّابع عشر انتشرت الطّريقة النّقشبديّة في زمن الشّيخ محمد أمين أفندي الكركوكي النّقشبندي ولكن لأسباب سياسيّة هاجر إلى تركيا واستقرّ في بورصة، ثمّ أدام ذكره الشّيخ حاج عزّت ولي والد المحامي محمد حاج عزّت والآن خليفة النّقشبندية هو الشّيخ صفاء بن الشّيخ حسام الدين يدير ذكر هذه الطّريقة بالإضافة إلى ذكر الطّريقة القادرية بعد وفاة أخيهِ عبدالكريم.
[16] نجاة شكر كوثر أوغلو، من حوادث كركوك ص5 ،52، 58، 101، 122.

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب