قبل بدء ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كوردستان برئاسة مسرور بارزاني، إستناداً على الحقائق التي نعيش فيها، وإستيعاباً لمتطلبات المرحلة الحالية، وإدراكاً لواقع حال التحرك ضمن قواعد وسياقات ومتطلبات المناورة على أكثر من إتجاه في آن واحد، بدأ تفعيل الحوار بين الأحزاب السياسية الكوردستانية للتوصل الى اتفاقات تمهد لتشكيل الحكومة في المدة القانونية.
وبدأ مع تلك الحوارات ظهور الإختلافات، وسمعنا، بعد ذلك، من يقول أن الإتفاقات الموقعة بين الأحزاب الكوردستانية، لتشكيل الحكومة والعمل السياسي المشترك خلال الأعوام الأربعة المقبلة، هي إتفاقات الحد الأدنى من الاتفاق الكوردي، ويوجد في بنودها نوع من التردد أو التحفظ إزاء مسائل مصيرية لم يتم مناقشتها بإسهاب. وأن الجهود المبذولة من قبل الحزب الأكبر في التقريب بين وجهات النظر المختلفة ليست واضحة، ولا تصل الى حجم التحديات والصعوبات التي تواجه الكوردستانيين، وبالذات، التحديات التي تتمحور حول الجراح التي ما زالت تنزف، والملفات والمتاعب والهموم والمشكلات الساخنة المفتوحة، وأولها وأهمها هو إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لإنقاذ كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى التي تقع خارج إدارة الإقليم من التعريب والارهاب، وما يتطلبه ذلك من قرارات وإتخاذ خطوات جريئة لمعالجة الأوضاع المتردية الأمنية والإجتماعية والاقتصادية فيها.
كثرة الأقاويل والمواقف المعلنة تجاه كركوك والتصريحات والمزايدات غير المسؤولة، وبالأخص، من قبل الذين لايستطيعون قراءة المتغيرات والخائفون من مواجهة الحقائق والتحديات، أدت الى خلط الكثير من الأمور. وسماع بعضها تأخذك الى الريبة وإمتلاك الفزع، لأنها غير مسؤولة، وأصحابها يطلقونها لتضييع إنجازات البيشمركه ودفاعهم البطولي عن المدينة ومكوناتها وتضحياتها الكثيرة في سبيل دحر الإرهاب وحماية الكركوكيين من البطش والإرهاب، وتهدف الى إثارة النعرات بين الكوردستانيين أنفسهم من جهة، وبين مكونات المدينة من جهة أخرى، وصب الزيت على النار خوفاً من خيالهم وإفتضاح نواياهم المشبوهة ومؤامرات ومكائد أسيادهم المدبرة في الغرف المغلقة. والجدل والضجيج الذي يثار بإستمرار حول تعيين محافظ (كوردي) لكركوك، من أجل إنهاء أزمات كركوك وإسترداد حقوق الكورد وتفعيل الخدمات ونشر الأمان والإستقرار، فأنه يبدو كالمباراة التدريبية على ساحة لعب مليئة بالأحجار والأطيان. أو كالمبارات الأدبية التي يلقي فيها الهواة مفردات وكلمات لاتشبه الشعر أوالقصة وخارجة عن السياق اللغوي .
أما بخصوص الإتفاقات، فنلاحظ إنها واضحة، وتعبر عن نضج سياسي، وفهم عميق لأوضاع المنطقة المعقدة والمتغيرات السياسية، وإنها سياسية مقتضبة وخالصة ترتكز على قاعدة تفاهمات كوردستانية، تسمي الأشياء بأسمائها ولا تتخللها التعابير الإنشائية، وفيها بنود ومواد مركزة، تصف الأوضاع وترسم خارطة طريق المرحلة المقبلة، وأساليب التفاعل معها وطرق معالجتها.
وبشأن الصعوبات التي تواجه الإتفاقات والحكومة المقبلة، رغم كبرها، فإنها لا تعادل حجم الدعم والتشجيع الذي يمنحه الكوردستانيون لحكومتهم، ذلك الدعم الذي يؤهلها لتحقيق الرهانات المعلقة عليها وقيادة السفينة بنجاح نحو شاطىء الأمان، أو قطع المسافة المعقولة نحو تحقيقه.
وبالنسبة لكركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة الإقليم، فإن الحكومة الكوردستانية الجديدة (وبالتأكيد) ستضع التجارب التفاوضية السابقة مع بغداد في حساباتها، وستؤكد على الاستحقاقات الكوردية التي تتعلق بتطبيق المادة 140 الدستورية، والإحصاء السكاني الذي أصبح عصياً على حكومات متتالية، لذلك لاأحد يتوقع منها الغرق في القضايا التكتيكية على حساب الإستراتيجيات والثوابت.