من المبادئ الثابتة في عالم السياسة صديقك اليوم عدوك غدا ..وعدوك اليوم صديقك غدا ،ليس غريبا ان تدعمك امريكا مثلا من اجل ان تقف على قدميك ،وعند الوقوف تجده وقد تحول بفعل المستجدات وعوامل المصالح الاستراتيجية الى قوة ضاغطة تقطع عنك الماء والهواء لتكون خاضعا بشكل كلي لتلك الضغوطات التي تضمن سلامة مصالحها المستقبلية..
لذلك فحين نجد مثلا بان الحكومة المركزية ممثلة بشخص دولة رئيسها نوري المالكي قد انقلب على الكورد تحت طائل من الضغوطات الدولية والاقليمية لا نستغرب لان الظروف السياسية الشائكة التي تشهدها المنطقة تتطلب ذلك ، خصوصا والازمة السورية بدأت تنخر في جسد المنطقة ،وساهمت في ظهور دور جديد لروسيا التي توالت عن الانظار بسبب عدم تمكنها من الوقوف بوجه المتغيرات التي شهدتها المنطقة منذ تسعينيات القرن الماضي ، وكذلك أثرت على العلاقات التركية الايرانية ، وربما ليس مستبعدا ان تأخذ اشكالا اخرى اذا ما اتسعت رقعة الدعم الايراني لسوريا الذي يواجه ضغطا دوليا وعربيا و(اسلاميا سلفيا قويا) مدعوما من اطراف لها بصمتها الدالة على مجمل الاحداث في المنطقة ، بهدف خلق جبهة قوية تقف بالضد من المد الشيعي الذي اكتسب مكانته الدينية والسياسية بعد عملية اسقاط النظام عام 2003من قوات التحالف الدولي ، ، و من هنا ففي ظل قراءتنا للوضع القائم في العراق بشكل عام نعتقد ان اسباب تردي العلاقات السياسية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية تعود الى الواقع السياسي المتأزم الذي يدفع بكل طرف ان يبني تحالفاته وعلاقاته على اساس مصلحته السياسية ، لان الاجواء المشحونة بالمخاطر في المنطقة توحي بمفاجآت كبيرة التي تدفع بالأطراف ان تكون على استعداد لمواجهة تداعياتها واثارها المستقبلية التي تحفظ لها الديمومة السياسية …
ومن هنا قان المؤشرات تؤكد ان محاولات المالكي بإعادة رسم خارطة انتشار القوات العسكرية على غرار انتشارها قبل عام 2003في المناطق المحيطة بمدينة كركوك لها صلة مباشرة بالاحداث الجارية في المنطقة ، ومن ثم بتنامي حجم علاقات حكومة اقليم كوردستان مع دول جوارها وعلى وجه الخصوص علاقاته الاقتصادية والتجارية مع تركيا ، دوره في ارساء دعائم وجوده السياسي والاقتصادي ، ناهيك عن التحركات العسكرية التركية في المنطقة التي تسعى جاهدة للمشاركة في التغيير القادم في سوريا وان تكون قريبة من فوهة البراكين التي تغلي تحت أقدام المنطقة برمتها ، وهذا يعني ان مخاوف الحكومة المركزية ممثلة بشخص رئيسها نوري المالكي تبقى محصورا في ان يستغل الكورد الاجواء في وقت والحكومة التركية أدركت اخيرا ان من مصلحتها السياسية والاقتصادية ان تسعى باتجاه الحل السلمي للقضية الكوردية ، وتغادر عقليتها العسكرتارية التي أضرت بمصلحتها وسمعتها وسط المحافل و البلدان الاوروبية تحديدا التي تمانع قبول عضويتها في الاتحاد الاوروبي لحين اقرارها بالحقوق القومية للكورد الذي يتجاوز تعداده السكاني اكثر من ثلاثين مليون نسمة …..
وعلى هذا الاساس نجد ان نوري المالكي باعتباره رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة العراقية يدرك جيدا ان العواصف الشعبية التي هبت وتهب لاحقا سوف لا يستثنيه اذا تطلب الامر الى ذلك ، لأن العراق ليس بمعزل عن كل الاحداث ان لم يكن طرفا مباشرا بعد ان تحولت ساحته وارضه مسرحا لتصفية حسابات بين كبار اللاعبين ، بدليل ظهور الدور الامريكي بين الازمة القائمة بين اقليم كوردستان والحكومة المركزية ، الذي يحاول حصر الخلاف بل واحتوائه بشكل سريع لتفادي نشوب فوضى سياسية جديدة في العراق التي تضر بمصالحها في المنطقة…
عملية بناء الجيش وتسليحه الذي يسعى المالكي يمينا ويسارا له جزء من محاولاته الجادة بهذا الشأن ، رسم خارطة انتشار عسكرية جديدة في كركوك والمناطق المحيطة بها هو الجزء الاهم في استعداداته باعتيار ان مدينة كركوك هي محور كل الاحداث ، و قوة التواجد الكوردي فيها اصبح هاجسه اليومي ولا يفارقه ، مستندا في ذلك على صلابة وقوة علاقات اقليم كوردستان مع تركيا كدولة مجاورة للعراق لها من مصالح استراتيجية تدفعه باتجاه السعي لحمايتها بكل الوسائل… لذلك نعتقد ان الضجيج التي افتعله المالكي في كركوك واصراره على فرض قيادة قوات دجلة في كركوك وتسليمها الملف الامني والاداري هي من خطواته الاستباقية لاحتواء كركوك والسيطرة عليها خوفا من ان ينقلب السحر عليه مجددا كما انقلب عليه سابقا وانقذه منها اتفاقية اربيل الاولى التي ارسى بسفينته الى شاطىء الامان ، واحتفظ بوجوده السياسي داخل العملية السياسية ،
وعليه فان رفض ادارة كركوك لقوات دجلة نابع من حرصها من ان تتحول المدينة الى ثكنة عسكرية على غرار الانتشار العسكري الذي كان سائدا قبل عام 2003 خصوصا حين استعان بضباط سابقين للنظام السابق لهذا الغرض ، لكونها محاولة مكشوفة لزجها في صراعات سياسية فشل المالكي من احتواءها ومعالجتها بأسلوب الحوار المباشر. وهذا بحد ذاته مؤشر واضح على ان كركوك ليست بمعزل عن الاحداث الجارية ، وان اية مغامرة لهذه القوات داخل المدينة سوف تشعل حرارة الربيع الذي لم يحسن المالكي قراءة تداعياتها ……..