7 أبريل، 2024 1:40 م
Search
Close this search box.

كركوك في المحافل الدولية قديماً وحديثاً في عصبة الامم

Facebook
Twitter
LinkedIn

كان من المفضل تجنب تكرار، ولكن للضرورة احكام، فقد استوجب تكرار القول بأن مشكلة كركوك او الصراع حول عائديتها ليست حديثة العهد وانها ليست قضية عراقية داخلية فحسب، وانما اقليمية ودولية بالاضافة الى كونها داخلية ولها جذور موغلة في القدم بدأت باعتبارها جزءً من مشكلة اكبر ألا وهي مشكلة ولاية الموصل التي كانت موضع خلاف منذ عام 1918 اي ما قبل تأسيس الدولة العراقية بثلاث سنوات.
كان أطراف الخلاف آنذاك، الدولة العثمانية التي خسرت الحرب العالمية الاولى ومن بعدها تركيا التي تشكلت على انقاضها عام 1923 في جانب، وبريطانيا المنتصرة في الحرب نيابة عن الدولة العراقية الحديثة في جانب آخر.
وكانت ولاية الموصل في العهد العثماني مؤلفة من ثلاثة سناجق وهي (السليمانية واربيل وكركوك) بالاضافة الى الموصل (مركز الولاية) وكانت دهوك آيالة تابعة الى المركز مباشرة. وكان سكان الولاية بمحافظاتها الخمسة الحالية ومايزال مؤلف من خليط من القوميات العرب والاكراد والتركمان والاشوريين والكلدان وغيرهم.
*******
استخدمت كل من بريطانيا وتركيا ورقة الاقوام والطوائف لتقوية موقفها في المفاوضات التي جرت حول عايديتها.. حاولت بريطانيا إثارة النعرة القومية عند الاكراد لغرض اضعاف عزم وتصميم الاتراك لاستعادة الولاية من جهة، وإضعاف رغبة الولايات المتحدة وفرنسا للحصول على الامتيازات النفطية في شركة النفط التركية(البريطانية) من جهة ثانية، لذا اجرت الحكومة البريطانية بواسطة مندوبها السامي في العراق السير برسي كوكس اتصالات مع العشائر الكردية، تناولت فكرة تشكيل دولة كردية مستقلة التي لم تر النور لأسباب سنبينها فيما بعد.
ومن جانبها تركيا حاولت اخراج القوات البريطانية التي توغلت في المنطقة الشمالية بعد ما اخلتها القوات التركية بموجب الهدنة المسماة هدنة )مودروس- (Mudrosالتي تم التوقيع عليها من قبل الدولة العثمانية وبريطانيا في 30/10/1918، وذلك بتوجيه ضربات ضد القوات البريطانية بمشاركة قوات العشائر الكردية في العمليات العسكرية في انحاء راوندوز، وفي دربند (منطقة السليمانية) وغيرها.
******
اما الاسباب التي أدت الى فشل بريطانيا في خلق كيان مستقل في شمال العراق نلخصها فيما يلي:
1- نجاح الحركة التحررية في تركيا بقيادة اتاتورك، مما اجبر الحلفاء المنتصرين في الحرب إلى صرف النظر عن معاهدة سيفر التي تم التوقيع عليها من قبل الحلفاء المنتصرين في آب /اغسطس 1920 والتي تضمنت استقطاع اراض شاسعة من الاناضول التركية وضمها إلى جمهورية ارمينيا ( الروسية) التي أُقيمت في مايس (مايو)1918. كما نصت المعاهدة في بنود منها على إقامة دولة كردية وتقسيم مناطق جنوب شرق اناضول بين الارمن والاكراد بدعم فرنسا واليونان، إلا أن انتصار تركيا في حرب التحرير افشل مخطط الحلفاء وأدى إلى نقل مشكلة ولاية الموصل إلى عصبة الأمم حيث حسمت بالتوقيع على معاهدة لوزان في 21/11/ 1925، أبقيت ولاية الموصل بموجبها ضمن العراق الذي وضع تحت الانتداب البريطاني.
غيرت المعاهدة المذكورة المعادلة السياسية في المنطقة بحسابات مستقبلية بما أدى إلى التغيير في توجهات الحكومة البريطانية بحيث صرفت النظر عن فكرة إقامة دولة كردية او حكم ذاتي للاكراد في القطاع الشمالي الشرقي من ولاية الموصل(العثمانية)، واثارت تقسيم ولاية الموصل الى اربعة وحدات ادارية (الوية) يترأس كل منها متصرف وهي (لواء الموصل، لواء اربيل، لواء السليمانية، ولواء كركوك) وفي وقت لاحق جرى تحويل قضاء دهوك الى لواء ومن ثم جرى تبديل اسماء الوحدات الادارية من اللواء الى المحافظة.

2- في الوثائق البريطانية مؤشرات تشكل الاسباب التي حملت البريطانيين عن التخلي عن دعم مشروع إقامة دولة كردية او من القوميات غير العربية لتشكل حاجزاً يفصل تركيا عن العرب في العراق. وردتْ تلك المؤشرات في الرسائل المتبادلة بين وزير المستعمرات (ونستون تشرشل) والمندوب السامي ( برسي كوكس) استندت على المعلومات التي توافرت لدى اجهزة الاستخبارات البريطانية عن الاوضاع في المنطقة على كل الاصعدة ( التاريخية والجغرافية والاثنية والاقتصادية والاجتماعية) وبالاعتماد على تلك المعلومات حصلت القناعة لدى الحكومة البريطانية بمنظور مصالحها الخاصة، مفادها :
اولاً – استحالة تبني مبدأ الحدود القائمة على الاساس الاثني / الجغراقي، إذ هناك قوميات غير الكردية مثل التركمان في كركوك واربيل وكفري والعرب في الموصل وتكريت لا يرغبون الانفصال

عن بغداد. وهناك الاشوريون والكلدان (نسطوريون) كانوا يسعون الى حكم ذاتي بدعم من بريطانيا وفرنسا.
(1) رسالة وزير المستعمرات ونستون تشرشل الى المندوب السامي رقم 196 في 24 حزيران (يونيو) 1921 ص124 من كتاب الكرد وكردستان د. وليد حمدي) . مما يؤكد ان توجه التركمان وترجيحهم ربط مناطقهم بالعاصمة بغداد ليس ظرفياً، وانما منذ تاسيس الدولة العراقية والى يومنا هذا.
ثانياً- تباين الاراء والرغبات في اوساط شيوخ العشائر وزعماء الاكراد والطليعة المثقفة بشكل حاد وغير توافقي نجملها فيما يلي :
(1) كانت هناك شريحة كبيرة من الاكراد تتطلع نحو بغداد والموصل بسبب التجارة لأن المناطق في السليمانية وكويسنجق واربيل والنطاق المحيط بها والى الغرب من الزاب الاعلى شبه جبلية، لا يمكن الاعتماد عليها للاكتفاء الذاتي، وعليه كانت هذه الشريحة المؤلفة من الطليعة المثقفة والمستنيرة من الاكراد ترى بأن الارتباط ببغداد هو الضمان القوي للتقدم المادي والتطور وهو الاساس الحقيقي سيضمن الفوائد المادية العظيمة والاشغال العامة والمواصلات التي ستستلهم الارشاد والتوجيه من بغداد.( 2) الوثيقة البريطانية Ibid p12 وهي مذكرة مدير الاستخبارات العسكرية البريطاني في بغداد والمرفوعة إلى وكيل وزراة الخارجية والمؤرخة في 3 أيلول(سبتمبر) 1919.ص 56 كتاب الكرد والكردستان – د. وليد حمدي

(2) لم يكن لدى رؤساء العشائر الكردية رؤية موحدة، ففي الوقت الذي كان طموح العناصر الكردية القومية المتطرفة إقامة دولة كردية كانت الطليعة المثقفة لا تراها مجدية لأن الاراضي التي يقطنها الاكراد جبلية قليلة الموارد وسكانها بضعة الاف منتشرون في المناطق المنفصلة بعضها عن البعض الاخر
(3) كانت هناك مجموعتين من العشائر الكردية، الاولى موالية للاتراك تماماً وهي معادية للانكليز وتتزعمها العناصر الاسلامية، والثانية، تؤمن بالقضية القومية الكردية اعتمدت على الانكليز لتحقيق هذا الهدف، ولكن كانت لديهم بذات الوقت مخاوف من قيام البريطانيين أخيراً بدعم القضية الارمنية ضد الاكراد وتأييدهم هيمنة الارمن على الاراضي التي كانوا يطمحون بضمها الى دولتهم.
(4) كان هناك تردد بين اوساط زعماء الاكراد حول وضع ما سمي بكردستان تحت الادارة البريطانية الفعلية، في الوقت الذي رفض البعض منهم الفكرة، نادى البعض الاخر بضرورة فصل المنطقة الكردية من العراق وإدارتها مباشرة من لندن التي حلت – في نظرهم – محل اسطنبول،
وهكذا تباينت الاراء ورغبات السكان منهم من طالب بدولة كردية في السليمانية بزعامة الشيخ محمود البرزنجي، ومنهم من عارضه واخرون من شيوخ العشائر الكردية القبائل (السورجية وعشائر

خوشناو والبريفكاني وبعض عشائر العمادية وعقرة ودهوك) ابدوا رغبة الانضمام الى تركيا الحديثة، والى آخره من التناقض في الاراء والافكار والرغبات في الاوساط الكردية.

ثالثاً- بالنسبة للتركمان في اربيل وكركوك وكفري وقد وردت في العديد من الرسائل المتبادلة ما بين الحكام العسكريين البريطانيين والمندوب السامي والوزارة الخارجية تؤكد ما يلي:
إن اهالي اربيل هم على الأغلب تركمان في اللغة والعرق ولم يظهروا قولاً وفعلاً أي ميل أو رغبة في فصلهم عن العراق. (3) رسالة المندوب السامي في بغداد رداً على برقية الوزارة الخارجية المرقمة 14269 في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1919 ص 82 من المصدر السابق
لم يكن اهالي مدينة كركوك وكفري راغبين في الخضوع لسيطرة الشيخ محمود (4) رسالة الرائد نويل Ibid..p 9)
في مناقشات ترسيم الحدود جاء في توصية وزير الخارجية البريطاني الى المندوب السامي الاتي : يتوجب رسم الحدود بشكل يترك كركوك والتون كوبري إلى جانبنا ( جانب العراق) ويترك اربيل إلى الجانب الكردي، في حال القرار على إقامة دولة من الاقوام غير العربية لفصل الترك عن عرب العراق. (5) برقية رقم 7495 بي في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1919
وفي القسم الثاني من توصية وزير المستعمرات إلى المندوب السامي في العراق في حزيران 1921 رقم 196 جاء: إن معيار رسم الحدود سيعتمد على الحدود الاثنية بدلاً من المناطق الكردية فقط، إذ أن بلدة اربيل وكركوك وكفري ليست كردية تماماً.(F0371/ 6346. From the secretary of State for the Colonies to the High Commissioner . 24 Jun 1921
.
تلك هي التعقيدات والاراء المتضاربة التي كونت قناعة لدى الحكومة البريطانية عن أن الحل الصحيح حسب مصالحها وتحت الظروف الموضوعية آنذاك ( كما ورد في القسم الرابع من رسالة تشرشل) أن يجري تقسيم ولاية الموصل الى ثلاث ولايات (محافظات) السليمانية، اربيل وكركوك مستقلة الواحدة عن الاخرى بالاضافة الى الموصل ترتبط جميعهاً ببغداد.
والجدير بالملاحظة هنا، ما ورد في نفس السياق.. (ستكون تلك الالوية(المحافظات) حرة في وقت لتختار بين البقاء مستقلة الواحدة عن الاخرى أو الاتحاد فيما بينها لتشكل ولاية كردستان العراق، وهذا ما تحقق للاكراد بعد ستة عقود ونصف حين أُقيمت المنطقة المحمية في 1991 وبدعم بريطانيا وامريكا وفرنسا وبمساعدة تركيا.

*******
إذن استطيع القول بان مشكلة كركوك التي كانت جزءاً من مشكلة الموصل التي بُحثتْ في عصبة الامم، وأُقرت بقائها بمحافظاتها الاربعة بضمنها بطبيعة الحال محافظة كركوك ضمن الدولة العراقية باعتبارها جزءاً من بلاد الرافدين وإن تألف شعبها من القوميات والاديان والمذاهب، بما يعني ان قضية كركوك وهي جزء من مشكلة الموصل قد تدولت منذ ذلك الحين بموجب معاهدة لوزان التي تم توقيع عليها في عام 1926 في عصبة الامم على ضوء الحقائق التي تمت مناقشتها في اروقة العصبة وتقرر بقاؤها مرتبطة بالمركز على هدى تلك الحقائق.

 

في الامم المتحدة
إثر حرب الخليج الثانية التي اعقبتها انتفاضة آذار1991، فرض مجلس الامن التابع للامم المتحدة سلسلة من القرارات على العراق تحت الفصل السابع، من بينها القرار 688 حول حقوق الانسان وحماية سكان المنطقة الشمالية من العراق من بطش النظام السابق، وذلك بإنشاء منطقة سميت بالآمنة،(Save Haven) شمال خط 36، شملت المحافظات الثلاثة وهي (اربيل، السليمانية ودهوك) وحمايتها بقوة المراقبة الجوية تألفت من القوات الامريكية والبريطانية والفرنسية وباستخدام قاعدة انجيرليك التركية لانجاز هذه المهمة.
انسحبت فرنسا منها في 27/12/ 1996 على اساس ان مهمة القوة الامنية التي تشكلت بصورة مؤقتة عام 1991 بهدف تسهيل المهمات الانسانية انتهت في 31 كانون الاول(ديسمبر) 1996. وسحبت طائراتها الخمسة من انجرليك ومجموعة من المشاة كانت ترابط في زاخو، بينما قررت الحكومات الثلاثة الامريكية والبريطانية والتركية تشكيل قوة جديدة لتواصل مهمة المراقبة الجوية وحماية السكان في المنطقة الآمنة.

وتجدر الاشارة هنا ايضا، رغم ان محافظة الموصل تقع ضمن المنطقة الجغرافية شمال خط 36 إلا انها ابقيت خارج المنطقة المحمية، في حين ان السليمانية التي تقع جنوب خط 36 ادخلت ضمنها .
فالسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا بقوة، لماذا رسمت حدود المنطقة المحمية بشكل يشمل محافظة السليمانية الواقعة جنوب خط 36 جغرافياً فيما تركت الموصل وكركوك مرتبطة بالمركز..؟
مما لاشك فيه ان التفسير المنطقي لموقف المجتمع الدولي المتمثل في الامم المتحدة من القضية الكردية استند على اعتبارات التوزيع الاثني في المنطقة من الاكراد والعرب والتركمان والاشوريين والازديين وغيرهم، فضلاً عن الظروف المحلية والاقليمية والدولية لمنطقة كونها ليست محلية بحتة، وإنما اقليمية بامتياز ودولية من الناحية الجيوستراتيجية.
وعليه راعى مجلس الامن الدولي في قراره 688 الذي اصدره في 1991 الاستحقاق السكاني للاكراد (بمعيار الاكثرية) تقتصر على (السليمانية واربيل ودهوك ) حصراً، مستبعداً من القرار المحافظتين الموصل وكركوك رغم كونها جزءاً من مشكلة المنطقة القديمة دار الخلاف حول عائديتها وما يزال، الامر الذي يؤكد بان الاكثرية السكانية في المحافظتين المذكورتين هي من العرب في الموصل والتركمان في كركوك بحسب المعلومات المتوافرة للمجتمع الدولي في ارشيف الامم المتحدة.
بذلك يكون قد تدولت قضية شمال العراق (ولاية الموصل السابقة) مرة آخرى، بعد سبعة عقود، وذلك بانتقالها الى الامم المتحدة وصدور قرار إقامة المنطقة الامنة للاكراد باعتماد معيار الاكثرية السكانية، دون ان تشمل المحافظتين الموصل وكركوك وفق المعيار ذاته، رغم انهما كانتا جزءاً من مشكلة ولاية الموصل فيما سبق، الامر الذي ينفي ادعاء الاكراد بان محافظة كركوك ومناطق اخرى من الموصل وديالي ضمن ما يسمونها بكردستان العراق.
والامر الاهم ان مشكلة المنطقة تدولت للمرة الاولى عندما حسمت في عصبة الامم كما بينا، وللمرة الثانية عندما رسمت حدود المنطقة الكردية من قبل مجلس الامن الدولي بموجب القرار 688 مما يعني ان المجتمع الدولي لا يرى كركوك والموصل ضمن ما يسمى بكردستان ويؤكد من جهة ثانية بان المشكلة ليست محلية بل اقليمة ودولية يستوجب اخذها بنظر الاعتبار في تقرير مصير المنطقة وينبغي ان يكون الحل دولياً .

في طريقها الى الامم المتحدة مجدداً
اتيحت للاكراد فرصتان تاريخيتان، استثمرت الاولى منهما قادتهم في ترتيب البيت الكردي في المنطقة المحمية التي أُقيمت إثر حرب الخليج الثانية عام 1991 من قبل قوات التحالف، وذلك بتشكيل حكومة الادارة المحلية والبرلمان والمؤسسات الادارية والامنية وقوات البيشمركة، بحيث اصبحت المنطقة تتمتع بشبه الاستقلال عن السلطة المركزية لحين سقوط النظام العراقي السابق في 2003 وبعده على نطاق اوسع.
والفرصة التاريخية الثانية اتيحت للاكراد هذه المرة إثر سقوط النظام السابق وانهيار الدولة العراقية باحتلال العراق من قبل القوات الامريكية والبريطانية، وبمشاركة قوات البيشمركة الكردية في القاطع الشمالي باتجاه كركوك والموصل، بذلك استطاع الحزبين الكرديين فرض سيطرتهما على إدارة المحافظتين المذكورتين فضلاً عن بسط نفوذهما في العملية السياسية في العراق الجديد باستغلال انهيار مؤسسات الدولة العراقية العسكرية والامنية والمدنية، الامر الذي اتاح للقادة الاكراد فرصة نادرة لتحقيق حلمهم في إنشاء دولة كردية وإعلان استقلال ما يسمونها بكردستان العراق.
ولكن قادة الاكراد لم يجرؤا الى إعلان الاستقلال فور سقوط النظام السابق خوفاً من خسارة ما كسبوه في الفترة السابقة. وقد خذَرهم من القيام بذلك المندوب البريطاني للعراق الخاص جيرمي غرينستوك.(6) وقد كُشف النقاب عنه في المؤتمر الذي اعده معهد “تشاتهام هاوس” في لندن 19/12/2007. أكد غرينسيتوك في كلمته ” ان واشنطن ولندن لا تؤيدان قيام دولة كردية مستقلة في الوقت الراهن مضيفاً أن قادة الاكراد اردوا انتهاز فرصة حرب عام 2003 واعلان دولة مستقلة و كان علي إعلامهم بأن المملكة المتحدة لم تكن على استعداد لمساندتهم. وبعد ذلك أعلمهم ( الحاكم المدني للعراق في حينها) بول بريمر ان هناك حدودا لدعم الولايات المتحدة لهم. وتابع غرينستوك أن” القادة الاكراد يواصلون محاولتهم لمعرفة الحدود المتاحة لهم على أمل تحقيق حلمهم في قيام دولة مستقلة ولكنه حذرالقادة الاكراد من ” تخطي خطوط حمراء واضحة في المنطقة، كي لا يخسروا ماكسبوه.

آثر التحالف الكردي الذي خاض معركة الانتخابات عام 2005 واصبح له وزن كبير في البرلمان العراقي وحصل على المواقع السيادية في مرافق الدولة العراقية الناشئة، استخدام اسلوب الابتزاز السياسي ضد الكتل السياسية الاخرى في تشكيلة الحكومات العراقية الهزيلة التي تشكلت وفق نظام المحاصصة والتحالفات البعيدة عن الثوابت الوطنية.
باتت حكومة الاقليم الكردي تحاول فرض إرادتها على الاطراف العراقية الاخرى في المجالات التي تخدم الاجندة الكردية المستقبلية وبما يؤدي الى الاستقلال الكامل، منها على سبيل المثال ما يخص قانون النفط والموازنة ومسألة تطبيع الاوضاع في محافظة كركوك وحدود ما يسمونها بكردستان، فقد نجح التحالف الكردي بالتعاون والتنسيق مع بعض الاطراف السياسية فرض إرادته في لجنة كتابة الدستور العراقي بحذف الفقرة (ج) من المادة 35 من قانون ادراة الحكم المؤقت التي نصت على وضع خاص لكركوك وبغداد والالتفاف عليها بتضمينها في المادة 58 ومن ثم ترحليها والغاء بنود (53) عدا الفقرة (أ) الى المادة 140 من الدستور العراقي التي تضمنت سقفاً زمنياً ينتهي في 31 كانون الاول 2007 بخلاف القواعد القانونية الدستورية التي توجب الصفة الدائمية للمواد الدستورية. كما نصت في بنود المادة 140 على ثلاث مراحل لانجاز التطبيع لتقرير مصير المحافظة.
وفي الواقع أن المادة 140 ولدت ميتة لمخالفتها للقواعد الدستوية من جهة، ولاستحالة تنفيذ المهمة في الفترة الزمنية المحددة لها.
فعلاً فشلت لجنة التطبيع انجاز 10% من المرحلة الاولى الخاصة ب(المنازعات الملكية) في الوقت المحدد،.
زاد من تفاقم الوضع وتعقيداته تسرع الحزبين الكرديين لانجاز عملية التطبيع في الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق واصرارهما على ان كركوك جزءاً من كردستان من جهة، وقيامهما بذات الوقت بمحاولة تغيير الديمغرافي للمدينة بدفع زهاء 600 الف كردي بادعاء انهم رحلوا من كركوك في عهد النظام السابق خلاف الواقع الذي يؤكد على ان عدد المرحلين الاكراد لم يتجاور 17 الف نسمة.
تدخل ممثل الامم المتحدة المعين في العراق استيفان دي ميستورا باقتراحه تمديد المدة لستة اشهر آخرى عندما اشرف الموعد المحدد في نهاية العام 2007.
سارع برلمان الاقليم الكردي بالموافقة على المقترح، على الرغم من تصريح رئيس الاقليم مسعود البرزاني اعتبر فيه اي مماطلة او تسويف او تأجيل التطبيع لاي سبب خطاً احمرا.. في حين أن الحكومة العراقية قررت احالة المقترح الذي اعترضت عليها الكتلة التركمانية والعربية في مجلس محافظة كركوك فضلاً عن العديد من الكتل السياسية العراقية، الى المحكمة الاتحادية، للبت في دستورية تمديد المدة المنتهية، احياءاً للمادة 140 التي انتهى مفعولها والميتة اصلاً.
وفي الواقع أن صلاحيات ممثل الامم المتحدة تنحصر على المساعدة والنصائح وليس رسم خارطة الطريق لحل اية مشكلة إلا بعد انتقال ملف القضية الى الامم المتحدة، وعليه فإن تدخل ممثل الامم المتحدة يعتبر تجاوزاً لحدود صلاحيته في هذه المرحلة. لكن يمكن ان تشكل خطوة اولية لسحب ملف مشكلة كركوك الى اروقة المنظمة الدولية لايجاد الحل لها باخذ وجهة نظر كل الاطراف الداخلية والاقليمية، تحقيقاً للامن والاستقرار في المنطقة والعالم وهذا من صلب مهام المنظمة الدولية.
من هنا اعتقد ان مشكلة كركوك اصبحت مهيئة لأن تاخذ طريقها الى الامم المتحدة مجدداً.
********

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب