23 ديسمبر، 2024 9:28 ص

كركوك بين صراع الهوية..وحراجة الواقع

كركوك بين صراع الهوية..وحراجة الواقع

ما ان وصل رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري الى مدينة كركوك حتى وجد امامه الخلاف القديم المتجدد حول هوية كركوك, الخلاف نشب اثر كلمة الجبوري عن عراقية المدينة تطور الى مشادة كلامية حادة حصلت بين ممثلي المكونين الكردي والتركماني  في مجلس محافظة كركوك.

يعد ملف مدينة كركوك واحدا من بين اهم الملفات الشائكة التي واجهت العملية السياسية في العراق بعد 2003 ,وان كانت جذور المشكلة تعود الى قبل هذا التاريخ بكثير.

تسكن المدينة ثلاث قوميات رئيسية هي العرب والكرد والتركمان, ولكل واحد من هذه القوميات ادلته وبراهينه التي يسوقها لاثبات عائدية هذه المدينة التاريخية الثرية اليه على الرغم من القواسم الدينية والوطنية التي تشترك بها هذه القوميات .

ومما زاد الطين بلة هو عدم حسم الدستور العراقي لقضية كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها عبر المادة 140 التي يرى العرب والتركمان انتهاء صلاحيتها, بينما يفرض الاكراد ما يشبه الامر الواقع بسيطرتهم على المفاصل الرئيسية للمدينة خاصة بعد سيطرة تنظيم داعش على المحافظات المجاورة لكركوك ووقوف قوات البيشمركة الكردية للدفاع عن كركوك, وهو ما عده الاخرون خطوة لضم كركوك الى اقليم كردستان واستغلال الاوضاع الامنية والسياسية التي يمر بها العراق لتحصيل مكاسب على حساب الشركاء في الوطن, وربما كان هذا من اسباب تجدد الخلاف الكركوكي.

يعتبر الشريط الممتد من مدينة مندلي شرقي العراق الى شمال غرب الموصل خليطا من القوميات والمذاهب, فالى جانب هذه القوميات هناك ايضا الاشوريين, والشبك, والايزيديين, ويمتد هذا التنوع الى مناطق في جنوب تركيا وشمال سوريا, وقد شهدت هذه المناطق على مر التاريخ تاسيس العديد من الدول والممالك, لكن لم تستطع اي منها الغاء الاخر مهما كان حجمه, والشواهد على ذلك كثيرة .

لا محل هنا للاستطراد بتلك الشواهد ، ويكفي ان نستشهد بايام الدولة الزنكية التي اسسها عماد الدين زنكي ومن بعده ابنه نور الدين وهما من التركمان, وكذا الدولة الايوبية التي اسسها صلاح الدين الايوبي الكردي, ومن قبلهما الدولة الحمدانية التي وصلت ذروة مجدها ايام سيف الدولة الحمداني العربي, ثم توالت بعد ذلك الدول وظل التعايش الاخوي حتى جاء الاستعمار الغربي حاملا شعاره (فرق تسد) فبدأ  ببث النعرات, وقد نجحوا -وللاسف- بزرع بذور الفتنة واثارة الفرقة بين ابناء الدين الواحد, بل وحتى بين ابناء القومية الواحدة, فدخل الكل في صدام مع الكل وصارع التنازع والتباغض سيد الموقف, على الرغم من ان ما يجمع القوم اكثر مما يفرقهم .

اننا اذ نسوق هذه الامثلة التاريخية فانما نريد التاكيد على ان التعايش مع الاخر هو الحل والحل الوحيد, فلا يمكن لاي جهة مهما بلغت قوتها وان استعانت بقوى خارجية  ان تقضي على الاخر او تلغي وجوده, وان الاعتبار بالتاريخ وحتى بالحاضر من شانه ان يعدل البوصلة ويوحد الجهد لبناء هذا البلد, وعندما نقول الحاضر فان نقصد دولا تعد اليوم من الدول الكبرى هي عبارة عن خليط غير من تجانس من البشر لكنهم تعايشوا وحكّموا رشدهم فكانت النتيجة دولا عظمى ومتقدمة يشار اليها بالبنان , وامريكا والهند وسنغافورة خير مثال على ذلك.

ان بقاء كركوك تحت المظلة الوطنية  ــ كما اشار الجبوري في كلمته ــ هو الخيار الذي لا ينبغي ان لا يثير حفيظة احد, سيما والبلد يمر بمرحلة حساسة تهدد مصيره, والكل فيه في قارب واحد اما ينجوا جميعا او  ــ لا سمح الله ــ يغرقوا جميعا .

واذا اجتاز العراق هذا الامتحان العسير بنجاح فان المقام عندها سيتسع لاي مقال حول كركوك, ولن يعدم ابناء هذا البلد اذا تخلوا انانيتهم ومصالحهم الضيقة, لن يعدموا حلا يرضي كل الاطراف, او يقبل به الجميع من اجل مصلحتهم كافة .. ولا سيما وإننا نريد كركوك تزدان بعراقيتها دون أي انتماء آخر وهو ما لا يجب ان يختلف حوله اثنان .