23 ديسمبر، 2024 4:09 ص

كركوك, بين اللبنة التكوينية والصبغة العراقية

كركوك, بين اللبنة التكوينية والصبغة العراقية

مما لا شك فيه, أن ديموغرافية أي مكان, تنشأ بأنتظام وبتماس مع التركيبة السكانية لتلك الرقعة الجغرافية, فَتُكون لنا علاقة ذات طابع مميز, ما بين المنطقة وسكانها, فكل طرف من هذه العلاقة يُكمل الأخر, فلو أفترضنا أستبدال سكان مكاناً معين, وتركيزهم في مكان أخر, ما مدى تأقلم السكان مع المكان الجديد؟ وما هي نسبة التغيير التي ستطرأ على تلك الرقعة الجغرافية التي أستمدت تكوينها من سكانها؟ وأن غادروها فهي ستبقى محتفظة بتلك البنى ألتي أٌنشأت طردياً مع تواجد سكانها, والتي يكاد أن نتوصل لأستحالة تغييرها, وهذا الامر لا يوصلنا الا لنتيجة فعلية وحيدة, واضحة كالشمس, الا وهي أن كل طرف مكمل للأخر, فالأرض تستمد صيغتها التكوينية من سكانها, والسكان يكادوا أن يستلهموا طباعهم من تلك الارض التي يعيشون عليها, وهذه العلاقة أذا تم أنشاءها بعناية وأهتمام بالغ, ستكون متينة جداً, ومن الصعب الحلول دونها, أو تغيير جزيئاتها التركيبية .
كركوك, تلك المدينة ذات الطابع التكويني المختلف والأستثنائي جداً, فتنوعها مثيراً للدهشة بعض الشيء, وللأستغراب بعضاً اخر, فما بين المركزية العراقية, والتفرع الاقليمي المنفرد, نجد أن ملامح تلك المدينة, بدأت تبتعد عن المسمى المركزي, وتتجه نحو الاحتواء الغير قانوني لاقليم كردستان لها, فلو ركزنا قليلاً في طبيعة تلك المدينة, أبتداءً بالافراد والمدراس والمؤسسات الحكومية , وصولاً للأسواق وجميع المرافق العامة, لوجدناها تتسم بالكثير من المعالم, المختلفة جذرياً مع المركزية الموجودة في باقي المحافظات, من حيث اللغة الطاغية الغير مركزية, والمنحازة للأقليم بصورة غير مباشرة, ومن حيث التعامل الموجود في داخل تلك المدينة, طوال الحقبة الماضية, وهذا أمراً لا يمكن أن تلام عليه تلك المدينة, لأن كل ما يُدار في داخلها, يعتبر شبه بعيداً عن الادارة المركزية, أبتداءً بالمناصب الحكومية داخلها, وصولاً للقيادات الامنية, تباعاً لكل منافذ ودواخل ومكاتب ومقرات تلك المدينة.
كركوك بعد الاستفتاء, كل من كان يظن أن طبيعة كركوك ستبقى كما كانت طوال الحقبة الماضية, فهو واهم أشد الوهم, فكركوك مركزية وأن كانت شبه مهملة في الوقت السابق, فهي الان أصبحت محط أنظار الحكومة المركزية, التي سرعان ما بدأت بتغيير معالم المدينة بأكملها, أو على أقل تقدير جزءً منها, ولكن يجب أن يكون الجزء المهم طبعاً, كالمحافظة مثلاً ومن ثم القيادات الامنية والتمركز للسلطة ثانياً, فلسفة العبادي نجحت نوعاً ما في أدارة وركوب الموجة التي تورط بها بارزاني, فردود الافعال الغير متوقعة, خلقت جواً مستقراً في داخل تلك المدينة التي لطالما كانت عراقية ومركزية التبعية, وأن كان هنالك محلاً للشك سابقاً, فاليقين كان كالسكين في قطع ذلك الشك, فتلك المدينة, ولدت من العراق, ولن تنشق أو تُدمج تحت أي غطاء اقليمي, ما دام للمركزية كلام أخر, يصعب فهمه بالتصريحات, ولكنه يصبح أسهل بكثير عندما يٌترجم بتلك الافعال, التي تجعل كل طرفاً, يقف عن الحد الذي يجب الوقوف عنده, فالعراق أكبر وأشمل بكثير من المصالح والغايات الفردية والمطامع الشخصية, ولن يغير ذلك الامر شيئاً, لأن ارادة ابناءه, تعلوا فوق كل المسميات الاخرى, لتخلف جو التنوع المشرق, لتلك الحبيبة المسماة بكركوك …