18 ديسمبر، 2024 9:46 م

كركوك اليوم، كالموصل بالأمس

كركوك اليوم، كالموصل بالأمس

  الأوضاع الحالية في كركوك تشبه في الكثير من جوانبها أوضاع الموصل سنة 2014، من حيث قلة الخدمات وفقدان الأمن وتذمر الكثير من الأهالي وتركهم لمناطقهم ووظائفهم، وحال الأحزاب السياسية ومزايدات ومهاترات بعضها، وتجاهل النداءات التي كانت تدعو الى الإستعانة بقوات البيشمركه في حفظ الأمن، وسيطرة القوى العسكرية (الشيعية) بإسم فرض القانون وتطبيق الدستور على كافة المفاصل، وممارسة داعش لإعمال إجرامية على بعد عدة كيلومترات، وفرض الخناق على القوى السياسية التي لا تحاول التقرب من الجهات المتنفذة في بغداد مع إقتراب موعد الانتخابات التشريعية على حساب المبادىء والثوابت الوطنية.

   في الموصل، سنة 2014، سعت بعض الأحزاب العربية السنية  للحصول على حصة من الكعكة، وتجاهلت، وهي ذليلة ومحتقرة، مصائب الموصليين الأشراف، حفاظاً على مصالح  قادتها، وخاضت السباق الإنتخابي، معتقدة إنها تصمد أمام حملات التسقيط التي تواجهها حتى لاتضطر إلى الانسحاب من الماراثون الانتخابي، وهي تعلم أن زيادة أو نقصان عدد من المقاعد في برلمان بغداد، لاتغير وضع السنة ولا تقلل من مصائبهم، بل كانت تعني منح الشرعية للإنتخابات وتجميلها على حساب أهل السنة، مع ذلك لم تنسحب ولم تقل : لايمكن ممارسة أي جزء من الديمقراطية مع الهيمنة والعسكرتاريا. والأنكى من ذلك هاجمت بشراسة الأطراف السنية الأخرى بأشكال مختلفة ووصلت إلى حدّ ممارسة الإبتزاز والتسقيط وفبركة الإتهامات التي تمحورت حول تأييد حزب البعث ومناهضة العملية السياسية وتخريب الانتخابات والآلية الديمقراطية المعمول بها في العراق الجديد، ومحاولة ركوب الموجة وإغتنام الفرص وإثارة الفوضى بالمزاج والمزايدة السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية.  

   في 2018، يتكرر المشهد في كركوك، ولكن بطريقة كوردية، عبر إنتقاد إلإستفتاء الذي جرى في أيلول الماضي، وشخص الرئيس مسعود بارزاني وحكومة إقليم كوردستان ورئيسها نيجيرفان بارزاني. لذلك ستكون الإنتخابات فيها ( إذا جرت)، عملية تجميلية مجردة من الأهداف الحقيقية للديمقراطية، لأنها لاتمنح الحقوق لأصحابها، ولاتمنع تصادم الرغبات والمصالح بين الكورد وغيرهم، وبالذات من خلال تأثير الفصائل المسلحة بإسم الحشد الشعبي والتي تتبع لجهات سياسية وتروج لها، على أصوات الناخبين لصالح كتل سياسية شوفينية معينة وزيادة أصواتها في منطقة تتميز بتركيبة سكانية معقدة، سواء عن طريق منع تنظيم حملات دعائية حقيقية، أو ممارسة التهديد والوعيد والإنتقام من الكورد الذين شاركوا في الإستفتاء وأيدوا الإستقلال، أو الترويج لعقليات تخدم الهدم الذي لا يستثني أحداً وتنصب العداء لكل ما هو كوردي ولإقليم كوردستان.

   كانت النتيجة في الموصل، بعد التلاعب والتزوير والتدخل الحكومي وعدم النزاهة، فوز بعض المرتمين في أحضان الآخرين، وفوز عدد آخر من العرب السنة الذين، إما، تم ملاحقتهم لاحقاً بتهم الإرهاب ودعم داعش ومبايعته عندما إكتسح الموصل ومناطق أخرى، أو تم تهميشهم بحيث كان وجودهم وعدم وجودهم تحت قبة البرلمان العراقي لايختلف ولايغير شيئاً، وإنطبق عليهم القول: إن غابوا لايذكرون وإن حضروا لايحسبون.

   بعض الذين خاضوا الإنتخابات في الموصل والبعض الذين يريدون تكرار خوضها في كركوك في ظروف متشابهة، وفي أذهانهم عقد وخلافات موروثة مازالت بحاجة الى علاجات وتفاهمات وإتفاقات، لايعلمون أن السياسة التي تستند على الغواية والإنفعال ومعايير الخيال والتمني والعناد والمكابرة والمغامرة، كالقرار الإنتحاري الذي ينطلق من الجهل والجنون وعدم الإيمان، والإثنان (الغواية والإنفعال)  متشابهان في نشر الفوضى والفتن والإبتزاز وعدم فهم المتغيرات، وجر أصحابهما إلى قفص الإتهام ومواقع لا يريدون الذهاب إليها، وإنغماسهم في أوحال المقاضات والعداوات والإستقطابات التي تستند على المذهبية أو القومية مرةً، وعلى الصراعات السياسية وتدهور العقل السياسي للآخرين، مرة أخرى، ولايعلمون أنه في ظل سيادة المعادلات غير الطبيعية، لايمكن إجراء إنتخابات نزيهة. وهذه الممارسات، بعد فوات الأوان، تعطي الحق للآخرين للجوء الى المعاقبة وحتى الإنتقام العاجل أو الآجل.

   في الختام أرى أن وضع كركوك بعد الإنتخابات القادمة (إذا جرت) لاتغدو أحسن حالاً من الموصل بعد 2014.