شكلت محافظة كركوك على مدى تاريخ العراق الحديث محطة لتعايش وتلاقح جميع مكونات الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه واقلياته الاخرى ..وبدت وكأنها صورة مصغرة للعراق الكبير ، فهي لم تكن يوما من الايام من حصة طائفة او قومية او مكون ما، بارغم من ان البعض قد حاولة اضفاء صبغة عرقية او اثنية عليها ..كما فعل النظام السابق في ثمانينات القرن المنصرم عندما عمل على تغيير نسيجها الديموغرافي والاجتماعي ، ليعود الاخوة الكورد بعد عام 2003 وبنفس الاسلوب لتكرار هذه التجربة كردة فعل عما حصل سابقا ، والقيام بمحاولة تعويضية شكلت استفزازا لباقي مكونات هذه المدينة فنتج عن ذلك استغلال قوى الشر والظلام لهذا الشد والاحتقان الحاصل بين ثنايا نسيجها الاجتماعي ليضرب مفاصلها طيلة الاحدى عشر السنة الماضية ، وبنفس القوة من العنف والتفجيرات التي استهدفت بها العاصمة بغداد ..لما تشكله كركوك من اهمية عظمى لدى هذه الجماعات الارهابية مما يجعلها منطلق والشرارة لاي حرب طائفية او عرقية تحدث في العراق ..وكانت الفقرة 140 من الدستور العراقي تمثل القنبلة الموقوتة التي سعت جميع الاطراف السياسية العراقية لوضعها في الدستور محاولة منها لاحداث توافق اّني ومرحلي على مصير هذه المدينة وعائديتها ، بغية الشروع ببناء النظام السياسي الجديد بعيدا عن كل مامن شانه ان يفشل الانجاز الذي تحقق بعد عام 2003 ..وظلت هذه الفقرة الدستورية حاضرة في جميع المفاوضات والمزايدات التي تعقب عملية تشكيل اي حكومة جديدة ، بين اصرار الكورد على تطبيقها ومماطلة بعض الاطراف الاخرى لعدم وجود قناعات حقيقية لديهم لتطبيقها بالصورة التي هي عليها او كما يريدها الساسة الكورد.. وبعد المؤامرة الداخلية والخارجية التي حدثت ونتج عنها سقوط مدينة الموصل بيد الارهاب العابر للحدود وحلفائه في الداخل ، دخلت قوات البيشمركة الكوردية الى كركوك بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها كجزء من المؤامرة التي حصلت ، ليصرح بعدها الساسة الكورد بان الفقرة 140 اصبحت من الماضي وانها قد تحققت بدخول قوات الاقليم الى كركوك وبعض المناطق في سهل نينوى وديالى ، وبذلك فرضت سياسة الامر الواقع على الجميع وهي سياسة مقاربة للسياسة التي انتهجتها اسرائيل بعد نكسة حزيران عام 1967 ومحاولتها القفز على جميع الاتفاقيات والتفاهمات من خلال وضع اليد على الارض وفرض ارادتها على الجميع ..لكن هذه السياسة لن تجدي نفعا ولن تاتي بنتائج طيبة على الجميع ، فليس من حق اي مكون او قومية ان يقرر لوحده مصير هذه المدينة المتعددة القوميات والاثنيات ، وان الطريقة التي تعامل بها الساسة الكورد مع ماحدث بعد 9 حزيران 2014 سيجعل من كركوك كشمير ثانية ونقطة توتر بين شركاء الوطن وحلفاء الامس القريب ، والتاريخ مليئ بالشواهد على ذلك ..استولت المانية على الالزاس الفرنسية عام 1871 ميلادي مما شكلت جرحا كبيرا في ضمير الامة الفرنسية حتى اطلقو عليها (الالزاس الباكية )..وتحول استردادها الى حلم قومي في ادبياتهم ومناهجهم الدراسية التي تدرس لاطفالهم ..لذلك كانت احدى اهم الاسباب لنشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914 ميلادي وهذا ما لا يتمناه اي عراقي شريف ان يحدث ، فالكل شركاء في هذا الوطن والكل يبحر في نفس المركب واذا ما فقد العقل والمنطق والحوار سحره وتاثيره في عودة الامور الى نصابها ، فان الجميع سوف يغرق ولن يكون هنالك رابح .