18 ديسمبر، 2024 10:42 م

كركوك اجمل بلحمها وابهى بعظامها واعفّ !

كركوك اجمل بلحمها وابهى بعظامها واعفّ !

مقدمة عامة

يخبرنا التاريخ ان من يدعو الى قطع ما امر الله به ان يوصل , إما جاهل وإما ضال , والجهالة هي في موقفللجاهل عندما يرى  ان الحل لأي معضلة لابد ينطوي على صعوبة , بينما العاقل يراه عكس ذلك سهلا ويسيرا ,

اما الضلالة فتعني ان الضال يرى ويراقب رحى الأموربالأوطان تدور بلا قطب ثابت وبطرق تدميرية على ارض الواقع وهو يريد لنفسه حلا يزاوج به بين الحرية والقوة اللتان تمنحه وجودا بحلّة الغنى والسرور ليعيش بأعلى المراتب عن باقي اقرانه من البشر ,

وهذا بلا شك تبنّي لحلٍّ يثير التحريض على العنف , لأنالضال لم يخضعه الى التحليل المنطقي والشامل وبلا تقديم للبراهين والقرائن المقنعة او اي معلومات تقترن , مثلا , بتأريخ عامل خارجي يوثّق نمط الحل الذي يرتئيهلتكون مطالبه شرعية امام الملأ  وجديرة بالاهتمام , فضلا عن تلائمها مع الواقع المنظور ,

اما ان يكون الحل بغير تلك البراهين والقرائن فهذا يعنيان صاحبه بشكل عام يرتبط بمنهج بعيد عن رزانة العقل من ناحية  , او بفلسفة يراها الطرف الآخر شوفينية تحطّ من قدره على المدى البعيد , او يراها استحكام لنوع من التحزب الذي يختزل انماط الحياة الحرّة بنمط ضيّق يحرّض على الثورة كما اسلفنا ,

أو ان حلّه يشوبه الشك على الأقل لعدم تماسكه بعوامل تاريخية كما اسلفنا من ناحية اخرى , ما يجعل عواقب تلبية هذا الحل على المدى البعيد تدفع الى رواج الترهات في الصحف وفي وسائل التواصل الاجتماعي ما تثيرالأحقاد الحبلى بالاقتتال بين الشعوب صاحبة الشأن .

كركوك نموذج لمعضلة

قبل التذكير ببداية مشكلة كركوك المقترنة بتطبيق المادة 140 من الدستور , ننوه الى اجتماع السيد السوداني الذي جرى هذا اليوم العاشر من ايلول 2023 والى تأكيداته امام الوفد السعودي حول تقوية الروابط والتكامل الإقليمي , مبينا ان بغداد تحولت الى ساحة لإيجاد الحلول والمشتركات مما يسهم في استقرار المنطقة ,

وهذا الكلام جميل , بالطبع , ويمكن تطبيقه على مشكلة كركوك , إذ ان الإرادة والرغبة التي حثت الحكومة على ذلك الكلام لم تمت , فقد  حثت المحكمة الاتحادية قبل ايام وهي جزء من إدارة السوداني في الحقل القانوني على تبني قرار يعلّق تنفيذ قراره في اخلاء مقر العمليات المشتركة في كركوك بغية الحفاظ  على الأمن في المحافظة وتغليب الوحدة الوطنية والتعايش السلميين  والمصلحة العامة ,واعتبرته قرارا باتا وملزما لكافة السلطات لحين حل القضية ,

وحل القضية المقترن بالقرار ليس بالأمر السهل عندما يكون مناهضا للتركيبة العرقية , سيما ان كركوك ليستجسدا واحدا بروح كردية وعربية واشورية وتركمانية , بل هي جسد عراقي واحد بروح عراقية واحدة وأن تحريم نصرة فئة على اخرى مسألة ضرورية من الناحية الشرعية والدستورية ,

والبقاء على علاقاتها الانسانية بلا تشوهات عرقيةوايديولوجيات سياسية تخفي ورائها التدخلات الاجنبية التي لا تهتم بغير ثرواتها , معناه اللجوء  الى العقلانيةالمتوازنة فلا ينبغي للحكومة المركزية ولا لحكومة الاقليم إلا ان يضعوا كركوك على قاعدة ثلجية لتكون مهمتها القيام بدور مركز حضاري آخر يضاف الى مراكز بغداد واربيل ونينوى والبصرة ليستوعبها الاعداء قبل الاصدقاء ,

انها لجميع العراقيين ببطاقة وطنية واحدة  ومنافذ مفتوحة بلا كفيل او إقامة او تحريات  تناقض حيادها وانفصالها عما يدور من افكار في العالم الغربي ــ الصهيوني وركائزه بالمنطقة التي تحاول استدراج الطرفين المتنازعين الى ما يغاير سياستهما التقليدية ازاء كركوك , وهي سياسة لا تدخر جهدا للحفاظ على وحدة تركيبها في وطن واحد ,

الخاتمة

في ازمة كركوك افضى قرار المحكمة الاتحادية الى هذه الرؤية وبشكل تلقائي لأنها محكمة ذات قيم راسخة ولابد انها ادركت ابعاد تطور المجتمعات الانسانية وخاصة في خضم انظمة سياسية لم تتطور بعد في الاختيار المناسب والتمييز بين التعددية الانسانية التي انبثقت للوجود بشكل تلقائي في مدن لا ترغب بسلطان يتلاعب بها وبوجودها التلقائي ,

فتضع له اسس دستورية ناضجة تتلاءم مع تطورها الحتمي اسوة مع تطور شعوبها على انفراد , وبين اختيار مدن بتعددية سكانية محكومة بالرصد والمراقبة والمتابعة التي تخلق التباين والمنازعات وفقدان التوازن الاخلاقي , ما يجعلها تعجز عن إيجاد ضوابط  مقنعة وحكيمة يسود بها الانسان على نفسه  ,

لذلك كانت المحكمة الاتحادية بعيدة عن النزعات العاطفية في لحظة اصدار القرار وقريبة من التوازن الاخلاقي الذي يحذر من آراء الشخصيات المحلية والنمطية الدوليةالمتناغمة مع اطر التقسيم والتجزئة  ,

وفي طيات القرار تجلّت بشكل بارز النيّة على بقاء كركوك لتكون كما هي , ابهى بلحمها واجمل بعظامها واعفّ من المحدقين اليها بسيوف الفتنة , ولكن وفد لجنة الامن والدفاع النيابية التي نبهت لها الصحافة من انها ستزور المدينة لتقصي الحقائق , لابد ستأتي للرأي العام الذي يراقب ويتعقب اخبارها بالدلالات التي حرّضت على الاضطرابات ,

التي ستكون إما مؤيدة لقرار المحكمة الاتحادية , وإما ترتبط بالحساسية من تداعيات الذاكرة التي نبذت وتنافرت مع قرار السيد السوداني وهذا يتطلب من الحكومة ان تظهر ثقل العقل الحضاري المعالج لتلك الحساسية فتبطيء من مفعولها على الاقل لفترة وجيزة , الى ان تجد القرار اليقين والمنصف للأطراف من اصحاب الشأن .