17 أبريل، 2024 3:29 م
Search
Close this search box.

كرسي أم مثوى

Facebook
Twitter
LinkedIn

كنت أقود سيارتي في شوارع مدينتي المتهالكة ، إعتدتُ على الحفر والمطبات فكنت أجتازها بتلقائية ، رغم انشغال رأسي المثقل بالهموم مثل أي عراقي ، لا أدّعي الشرف ، لكن هذه المفردة صارت رديفا للهم والقلق والشعور المزمن بعدم الرضا على كل شيء ، ولعمري هذه أهم مقومات المرض العضال والموت المبكّر ، (الإنسان العظيم هو الذي يحترق) قالها مرة نزار قباني ، وفيما كان فكري غارقا في كل هذه الدوامات التي لا خلاص منها ، إسترعى نظري منظر رجل عجوز وحيد جالس على كرسي أمام باب منزله ، وربما ليس منزله أصلا ، فقررت تخفيف سرعتي رغم الحر اللاهب ، متأملا هذا المنظر الذي صار يتكرر كثيرا ، كان رأسه مَطرقا دون حراك ، يرتدي جلبابا بلون الأرض ، لا أدري إن كان هذا لونها أصلا ، لكنها كانت مبقعة بألوان العرق المتيبس ، تأملت قدميه ، كانت كأرجل أريكة قديمة تملأها الشروخ ، لم يخفها النعل البالي الذي يعلق في قدميه ، خففت سرعتي أكثر ناظرا إليه ، لن أجرح مشاعره لأنه لا ينظر إليّ ، بل كان يبدو أن شعوره بالحياة في طور التلاشي ، هذا إن لم يتلاش فعلا ! ، هل هو ميت ؟ ربما لأن وضعية جلوسه لا تسمح له بالسقوط عن الكرسي ، كومة من العظام تكسوها بشرة داكنة ، ويدان مشبكتان نحيفتان بأوردة بارزة ، وهنا توقفت رغم زعيق مزامير السيارات خلفي وكنت أشير إليهم محتجا بعطل سيارتي الذي يتلائم مع وضعيتها كسيارة قديمة لا تساوي ثمن لوحة التسجيل التي تحملها ، كدت أترجل لأجري معه حديثا وتساؤلات ، ثم عدلت لأني لن أحدث فرقا ، ولأني أعرف مسبقا كل الأجوبة ، لا بد إنها ستكون سيلا من مآسٍ لا تنتهي ، أنموذجٌ صارخٌ متكررٌ على أسماعنا كل يوم .

ملامح بأخاديد عميقة نحتتها سنون طويلة من الكدح والجهد الشاق والعقيم ، لكنه لم يجد سوى عقوق وطن ، ، فرماه على قارعة الطريق ، على كرسي متهالك ربما لا يملكه ، لأنه علم بعد فوات الأوان ، أن الأرض التي ضرب فيها ، لم تكن سوى أرض سبخة ، فانتهى به المطاف مرميا على كرسي خشبي ربما سينتقل منه إلى خشبة تابوت ، وهو يرى مستغربا ، تكالب (أولو الأمر) وإقتتالهم على الكراسي التي لا تختلف عن كرسيه ، لم يحوّل نظره عن الأرض ، ربما يستجمع ذكرياته التي لا يملك إلا إياها هذا إن بقيت ، وكأنه ينتظر اللحظة التي ستحنو فيها عليه بضمه في أطباقها ، تصورت أن السنين أوالشهور الباقية له على هذه الأرض ، مثل أعواد ثقاب متراصة وقوفا كقطع الدومينو ، ولو علم بذلك ، لأستجمع كل قواه ، وما تردد في إشعال عود الثقاب الأول …

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب