17 نوفمبر، 2024 10:39 م
Search
Close this search box.

كردستان .. ماذا بعد الانتخابات ؟

كردستان .. ماذا بعد الانتخابات ؟

اذا لم تكن الانتخابات المحلية التي جرت في اقليم كردستان العراق، الحادي والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الماضي قد خرجت عن نطاق التوقعات والقراءات الاستشرافية المسبقة، فأنها بلا شك مثلت بداية مرحلة جديدة في الواقع السياسي للاقليم، مثلما يتفق المعنيون، مع الاختلاف في وصف وتوصيف معالم وملامح ومعطيات تلك المرحلة، لاسيما من حيث حجم كل لاعب من لاعبيها، وطبيعة الاصطفافات والتحالفات فيما بينهم، ومواضع التوافق والالتقاء، ومساحات التصادم والافتراق.
ابتداء لابد من الاشارة الى جملة حقائق افرزتها الانتخابات، واقر بها الفرقاء-او الشركاء-وان بنسب متفاوتة.
الحقيقة الاولى، هي ان احد الاطراف الرئيسية في المعادلات السياسية بأقليم كردستان قد تراجع، الا وهو الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، الذي مازال مصيره غامضا بعد الانتكاسة الصحية التي تعرض لها منتصف شهر كانون الاول-ديسمبر من العام الماضي، ولعله من المستبعد جدا ان يعود الى مسرح الحياة السياسية وان بقي على قيد الحياة.
ففي بيان للمكتب السياسي للاتحاد صدر بعد ظهور النتائج الاولية يوم السبت الماضي جاء فيه “ان نتائج الانتخابات مقلقة وليست مفرحة ولا تليق بتاريخ وموقع ونضال الاتحاد الوطني الكردستاني، وان الحزب يتحمل المسؤولية الكاملة عنها وسيعد النظر في آليات عمله، مثلما يحترم إرادة الشعب ويلتزم بها”.
ومن خلال الارقام يبدو ان تراجع حزب الطالباني كبير جدا، فبينما كان يشغل تسعة وعشرين مقعدا في الدورة البرلمانية المنتهية، انحسر حضوره الى ثمانية عشر مقعدا فقط!.
اما الحقيقة الثانية فتتمثل في صعود نجم حركة التغيير (كوران) بزعامة نوشيروان مصطفى، الذي كان لسنين طوال يعد الرجل الثاني في الاتحاد الوطني، ان لم يكن يوازي الطالباني من حيث العمق الجماهيري والتأثير السياسي، ومع ان مقاعد التغيير لم ترتفع كثيرا في الانتخابات الاخيرة مقارنة بأنتخابات عام 2009، اذ انه حصل على ثلاثة وعشرين مقعدا في السابق، وفي انتخابات 21 سبتمبر على اربعة وعشرين مقعدا، بيد ان حصوله على المرتبة الثانية على حساب الاتحاد الوطني يعني له وللاخرين الشيء الكثير.
الحقيقة الثالثة، ان الاتجاه الطبيعي والمتوقع لمسار الاحداث هو استمرار التحالف بين الديمقراطي والاتحاد، لانهما الاكثر قدرة على الانسجام والتفاهم فيما بينهما رغم وجود الكثير من الاختلافات والتقاطعات، ناهيك عن الصراعات التأريخية التي مازالت بعض اثارها ماثلة وشاخصة الى الان.
النائب عن التحالف الكردستاني، وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شوان محمد طه صرح قائلا “أن الخارطة السياسية لاقليم كردستان لن تتغير بسبب وجود تحالف استراتيجي بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وطبيعة المعارضة في اقليم كردستان والسلطة تجري بسلاسة، لأن المعارضة هي جزء من العملية السياسية”.
اما الحقيقة الرابعة، فتتمثل بتلاشي-او بتعبير اخر انحسار-المعارضة، في حال قررت حركة التغيير المشاركة في الحكومة، وهذا ما لاحت مؤشراته مبكرا، من خلال تصريحات اطلقها مسؤولون في الحركة، عن التوجه للمشاركة في الحكومة المقبلة، الى جانب السعي للحصول على موقع رئاسة البرلمان في الاقليم، وهذا يعني ان فريق المعارضة سيقتصر على حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني بزعامة محمد فرج، الذي حصل على عشرة مقاعد، ومعه الجماعة الاسلامية بزعامة علي بابير التي حصلت على ستة مقاعد، الى جانب قوى يسارية صغيرة، وهي بمجموعها لم تحصد اكثر من عشرين مقعدا، ومن يدري ربما يقرر هؤلاء المشاركة في الحكومة ايضا.
والحقيقة الخامسة هي ان الحزب الديمقراطي بزعامة البارزاني بقي في المركز الاول بحصوله على ثمانية وثلاثين مقعدا، بعد ان كان يشغل ثلاثين مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته، وهذا يتيح له الاحتفاظ بالمحورية والحضور والتأثير في المشهد الكردي العام، بيد ان وجود اكثر من طرف يتزاحمون ويتدافعون في دائرة صنع القرار ورسم مسارات الامور، يمكن ان يسبب ازعاجا وارباكا له، وربما يجد نفسه مرغما على تقديم نوع من التنازلات للاخرين من اجل المحافظة على الاطار العام للمعادلات والتوازنات في الاقليم.
وعلى ضوء الحقائق المشار اليها فأن مارثون المفاوضات لتشكيل الحكومة، قد يستغرق وقتا اطولا مما استغرقه قبل اربعة اعوام، وطبيعي ان تعقيدات التشكيل سوف ترافقها تعقيدات في الاتفاق والتوافق على برنامج عمل الحكومة المقبلة وتحديد اولوياتها، خصوصا في حال وجد حزبا البارزاني والطالباني انهما ملزمان بالتعاطي والتعامل مع حركة التغيير الصاعدة.
واذا كان الحزب الديمقراطي لايواجه ازمات وصراعات داخلية كبيرة، ولم يواجه انتكاسات في المعركة الانتخابية، وكذا الحال بالنسبة لحركة نوشيروان مصطفى، فأن الامر يختلف الى حد كبير مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يواجه فضلا عن غياب زعيمه التأريخي جلال الطالباني، تصدعات خطيرة عكس غياب الزعيم جانبا منها، وعكست انتكاسة الحزب الانتخابية جانب اخر منها، وربما ستعكس مرحلة تقسيم المواقع في الحكومة والبرلمان جانب اخر منها.
ولاتخلو بعض المعلومات غير المؤكدة، مثل وضع النائب الثاني للاتحاد برهم صالح تحت الاقامة الجبرية بعد اعلان عزمه ترك الحزب والاتجاه لتشكيل حزب ليبرالي، ومثل اعلان هيرو احمد زوجة الطالباني استقالتها من منصب مسؤول تنظيمات المركز الاول للاتحاد الوطني الكردستاني، لاتخلو مثل تلك المعلومات من دلالات على ان الازمة الداخلية للاخير من الصعب بمكان احتوائها، وان عوامل التشضي راحت تطغي على عوامل التماسك، ووجود حركة التغيير التي ولدت –قيادات وقواعد-من رحم الاتحاد الوطني، وصعود نجمها ربما يغري الناقمين على الاتحاد من داخله الى التوجه اليها.
والنقطة الاخرى المهمة، تتمثل في ان حركة التغيير حتى وان اشتركت في الحكومة فأنها ستبقى تمارس بطريقة او بأخرى دور المعارضة من خلال المشاكسة والاعتراض والتعويق لما يسعى اليه ويحاول فرضه الحزب الديمقراطي ويسانده فيه الاتحاد الوطني، فطموح حركة التغيير في المرحلة المقبلة، والى اربعة اعوام قادمة، هو الصعود الى المركز الاول، وبالطبع سيكون كل هم حزب البارزاني الحؤول دون تحقق ذلك الطموح.
ولاشك ان الاحتقان السياسي المتواصل يمكن ان يولد بدوره احتقانا ميدانيا في الشارع الكردي، واذا لم يصل الى مستوى الصدام المسلح، فأنه من الممكن ان يوفر ارضية لجماعات ارهابية وجهات لايروق لها ان يتنعم اقليم كردستان بالامن والاستقرار، ولعل العمليات الارهابية الاخيرة التي شهدتها مدينة اربيل ظهر يوم الاحد، التاسع والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، مستهدفة مقر الامن (الاسايش) والتي جاءت بعد يوم واحد من اعلان النتائج الاولية للانتخابات، اشرت الى ان هناك خللا وثغرات في المنظومة الامنية، وثبت انه من غير المستحيل اختراقها، ورغم ان تنظيم دول العراق والشام الاسلامية(داعش) اعلن مسؤوليته عن العملية، الا ان الوصول الى منطقة حساسة ومحكمة امنيا، من الصعب ان ينجح بتحقيقه اي تنظيم ارهابي، مالم يكن هناك غطاء وتنسيق مع هذه الجهة السياسية او تلك، لتوفير الدعم المعلوماتي واللوجيستي بقدر معين، ومن يوفر ذلك لابد ان تكون له اجندات وحسابات ومصالح سياسية معينة، مثلما يحصل في بغداد ومدن عراقية اخرى في الوسط والجنوب.
بعبارة اخرى ان التأزم السياسي وازدياد حدة التنافس والصراع، وانحسار مساحات الثقة والقدرة على التفاهم، كلها تمثل مفاتيح رئيسية لابواب الارهاب والعنف، وليس مستبعدا ان من يجد نفسه مهمشا من الناحية السياسية على صعيد صنع القرار، ان يلجأ الى خيارات اخرى لاضعاف خصمه.
[email protected]

أحدث المقالات