فشل حكومة العبادي
يقول الشاعر معروف الرصافي:
لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن فالقوم في السر غير القوم في العلن
عندما إشتدت الأزمة بين الأحزاب الكردية، الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني من جهة، وبين الحزب الأول وحركة التغيير التي يترأسها نوشيروان مصطفى من جهة ثانية ـ الحركة ممثلة ب(24) نائبا في البرلمان من أصل (111) ـ حول مسألة إنتهاء ولاية مسعود البرزاني، وعدم الرغبة بتوليه ولاية ثالثة، وتقليص صلاحيته الرئاسية، قام حزب البرزاني بخطوة في غاية التعقيد، وهي تشكل إنتهاكا صارخا للدستور،عندما طرد وزراء حركة التغيير من الحكومة ومنع رئيس البرلمان ـ من حركة التغيير ـ من دخول أربيل، في حين أن الدستور لا يجيز إقالة الوزير إلا بطلب منه أو بسحب البرلمان الثقة عنه. ورغم المحاولة الأخيرة التي قامت بها الأحزاب الكردية الرئيسة الأربع لرأب الصدع في الجدار الكردي من خلال تفريغ منصب الرئيس من الصلاحيات وجعله منصبا تشريفيا كما هو حال الرئيس العراقي فؤاد معصوم، أو أن تستمر صلاحيات الرئيس لكن تحت رقابة البرلمان، لكن الخطوة لم يكتب لها النجاح بعد.
إن مطالبة البرزاني بالتنحي أمر في غاية الغرابة فالدول المتخلفة بشكل عام لا ينتهِ بريق الكرسي فيها إلا بإنقلاب عسكري أو موت الزعيم أو إرغامه على التنحي بالقوة من قبل جهة خارجية، وهذا حال البرزاني الذي سبق إن إنتقد تشبث جودي المالكي بالدوة الرئاسية الثالثة. لقد كان أفول نجم البرزاني واضحا للعيان، وشروقه ثانية كان من الصعب تصوره، ولكن ليس من المستحيل، فهذه العائلة التي تسيطر على ثروة هائلة في كردستان لا يمكن أن تترك المليارات والنفوذ الكبير من أجل عيون الأحزاب الكردية الأخرى مهما كان ثمن التضحيات. عندما سألني أحد الأخوة الأكراد عن الصراع الدائر بين الأحزاب الكردية، وموقف البرزاني، طمأنته بأنه مهما إشتد الصراع الكردي ـ الكردي فأنه سوف لا يصل الى حد المواجهة العسكرية، لأن الخلاف يدور حول الإمتيازات لا أكثر. أما الخلافات السياسية فهي غطاء لخلافات المصالح. كما أن درس معارك التسعينيات من القرن الماضي بين الحزبين الرئيسين كان مرٌ المذاق ولا يسمح بتكراره.
مع هذا فأن البرزاني كي يستعيد مكانته أمام الشعب الكردي فأن أمامه طريقين ليستقطب من جديد الشعب الكردي إلى صفه:
1: ان يعلن إستقلال كردستان، ملبيا طموح الشعب الكردي، سيما ان الخلافات في الملف النفطي بين حكومة الأقليم وحكومة العبادي تسير في طريق مسدود، فكل طرف متشبث بموقفه ولا يتنازل عنه، ويزعم أن الطرف المقابل يحاول إستغلاله، على الرغم من وجود إتفاقية تنظم توزيع الواردات النفطية بين الطرفين علاوة على بقية الملفات الشائكة. وهذا الإستقلال لا يمكن أن يتم إلا بعد موافقات مسبقة بين الأطراف الكردية نفسها، سيما ان الإتحاد الوطني الكردستاني لا يفضل فكرة الإنفصال عن حكومة بغداد، علاوة على التفاهمات الدولية. أي إستحصال موافقة الولايات المتحدة الأمريكة وتركيا وإيران، وهذا الأمر ليس بالسهل في الوقت الحاضر لعدة أسباب من بينها.
أ. الموقف المعلن للولايات المتحدة: الرافض لفكرة إستقلال كردستان في الوقت الحاضر على أقل تقدير، فهي لا ترغب أن تكون السبب الأول الذي أدى إلى تقسيم العراق، وسبق أن تنصلت عن مشروع بايدن المعروف حول تقسيم العراق الى ثلاث ولايات.
ب. الموقف التركي: الرافض تماما لإعلان الدولة الكردية، وهو يخوض حاليا حربا سجالا مع حزب العمل التركي المتواجد في كردستان العراق، علاوة على حربه المعلنة على داعش. كما أن إستقلال الأكراد من شأنه أن يقيم مظلة ثابته لأكراد تركيا في الدولة الكردية، وهذا الأمر ينعكس سلبا على إستقرار تركيا.
ج. الموقف الإيراني. وهو لا يرى ضررا في إقامة الدولة الكردية في الوقت الحاضر، وربما يجدها فرصة ملائمة لضخ اكراد إيران إلى كردستان العراق. رغم الأبعاد المستقبلية الخطيرة لقيام دولة مهاباد البرزاني. النظام الإيراني يهتم حاليا بإضعاف شوكة العراق، وإعلان الدولة الكردية سيتيح له فرصة ذهبية للتوسع في جنوب العراق الخاضع حاليا لنفوذ ولاية الفقيه، فيضمه لإيران، وهذه أفضل وسيلة لتهديد دول الخليج العربي والعبث بأمنها الداخلي.
د. أما بالنسبة للحكومة العراقية فهي أضعف من أن تواجه الأكراد حاليا سواء كان بوجود تنظيم الدولة الإسلامية أو عدم وجوده، لذا فليس بإمكانها أن تعارض إعلان الدولة الكردية، وربما سيقتصر رفضها على تصريحات حزبية لا قيمة لها على أرض الواقع، أو تقوم بتحريض الجوق الإعلامي التابع لها بالتنديد والإستنكار.
2. تحرير مناطق يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية. سيما في الموصل أو صلاح الدين أو أجزاء منهما بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وإيران، دون إعلام حكومة بغداد أو مشاركة الجيش العراقي وما يسمى بالحشد الشعبي، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. وسيكون موقف البرزاني قويا على الصعيد المحلي والدولي في حال نجاحه، فيحرج الحكومة العراقية. حيث نجح فيما فشلت فيه الحكومة العراقية في حربها مع تنظيم الدولة الإسلامية. وستساعده الولايات المتحدة والدولة الأوربية مساعدات مالية وعسكرية كبيره تفيده في مواجهة أزمة الإقليم المالية. وحتى في حال فشله فأن سوف يستغل الفرصة للحصول على التعاطف الدولي والذي يتجلى بمساعدات هائلة يحصل عليها الإقليم مستقبلا، علاوة على توفر حجة الفشل لأنه سبق أن نوه عدة مرات بحاجة قواته إلى أسلحة متطورة. كما أن فشل حكومة بغداد في دحر داعش يقدم له تبريرا إضافيا في صعوبة المواجهة مع التنظيم، سيما أن قواته أقل عددا وقوة وتسليحا من الجيش العراقي.
سيعلن البرزاني كما هو متوقع عند نجاحه في دحر داعش بضم الأراضي المحررة للأقليم، بذريعة ان الأكراد هم من حرر هذه الأراضي، وانهم دفعوا تضحيات بشرية مادية كبيرة من أجل التحرير، وليس للجيش العراقي أي دور في العملية العسكرية.
كما إنه سيظهر بمظهر البطل القومي أمام سكان المناطق المحررة في الموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى على أقل تقدير لأكراد هذه المحافظات. وربما تكون العملية الأولى تحرير سنجار التي سقطت بأيدي تنظيم الدولة الاسلامية في شهر آب عام 2014، سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بأنه لديها قوات عسكرية قرب سنجار. وتجري تحضيرات عسكرية هائلة في الإقليم لتحرير سنجار بمساعدات أمريكية وأوربية. بلا أدنى شك أن نجاح هذه العملية سيرفع رصيد البرزاني أمام الشعب الكردي أولا، حيث تتلاشى الخلافات الكردية الكردية أمام هذا الإنتصار الساحق. وأمام الشعب الأيزيدي ثانيا، الذي سبق أن خذله وقدمه طعما سهلا لداعش. فيسقط الحجة أمام الإيزيديين الذين حملوه مسؤولية المجازر التي تعرضوا لها على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية وهي خسائر جسيمة وفق كل القياسات الدولية والانسانية.
من جهة أخرى سيتخذ البرزاني من هذه الخطوة نهجا ثابتا، وسياقا عاما للعمليات العسكرية القادمة، فهو سوف لا يقف عند حدود سنجار، وإنما سيقوم بعمليات عسكرية في الطوز وديالى وبقية أرجاء كركوك وصلاح الدين بمساعدة الولايات المتحدة، وكلما حرر منطقة ما، ضمها فورا إلى الإقليم، ولن تتوقف طموحات البرزاني إلا بعد الوصول إلى مشارف العاصمة بغداد.
فعلا بعد أيام، نشرت وسائل الإعلام بأن قوات البيشمركة بقيادة البرزاني شخصيا تمكنت من تحرير سنجار من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، وأعلن البرزاني في مؤتمر صحفي بأن” سنجار تحررت بدماء البيشمركة، واصبحت جزءا من كردستان”، ولإضفاء نوع من التعاطف مع آمال الأيزيديين الذين ذاقوا الأمرين من تنظيم الدولة الإسلامية، أشار البرزاني بأنه سيجعل سنجار محافظة! دون الرجوع إلى الشعب الإيزيدي بإعتبار صاحب القرار الرئيس في تقرير مصيره كما كان شأن الأكراد. سوف يستمر البرزاني بإدارة معارك التحرير، في الوقت الذي يستمر فيه العبادي في إدارة معارك الإصلاح، وسوف يستفيق الأخيرة يوما ليجد أن مقر البرزاني صار بجواره في محافظة ديالى.