لم أجد تفسيراً لسائلي عن سر عقد ملتقى الشرق الأوسط للحوار والمصالحة في محافظة أربيل وليس العاصمة بغداد، كون موضوع الأمن غير مبرر، ولاسيما أن هناك مؤتمراات عقدت في بغداد، ومعارض دولية، جرى تأمينها ، وإن كان على حساب المواطن، لكن طبيعة الملتقى كما يبدو مختلفة، وهو ما أردت أن أوصله الى سائلي، حيث من الصعب أن تتناول موضوع الحوار والمصالحة في بيئة غير بيئة كردستان، لأنها ربما تكون البيئة الو حيدة المتصالحة مع نفسها، بعد أن تجاوزت عقد الماضي، وعفت عما سلف، حتى مع أولئك الذين حملوا السلاح عليها في يوم ما، لذا فكرة الملتقى هناك منسجمة تماماً مع أجواء المكان، لتضفي بعض ملامح التسامح الكردي، على الحاضرين، حيث لم تكن السلطة فرصة للإنتقام ، والأخذ بالثارات، وإقصاء شركاء الوطن بدافع الحقد والكراهية وأمراض الماضي والحاضر.
ومن هنا أعطى الكرد أنموذجاً حياً للتعايش، ليس بين المكون الواحد ، فحسب، بل لكل العراقيين، بعد أن تحول الإقليم الشمالي، الذي كان يوما ما منطقة نزاع مستمر بين السلطة والمعارضة الكردية، ومنطلق لمعارك ضارية، الى ملاذ آمن يجد فيه العراقي السكينة والإستقرار.
ليس في كردستان، على حد علمي، عراقي في قائمة الممنوعين من دخول الإقليم، بل لعلك تجد بين اللائذين من كان في يوم ما يخوض المعارك في الجهة المقابلة للأكراد، وربما لايزال يستذكر بعض المواقع والربايا، التي قاتل فيها، لأن الماضي إنتهى في منهجية السياسة الكردية، وبالتالي أصبح هذا الإقليم حاضناً للجميع.
وربما هذه سجية من سجايا أكراد العراق، حيث كنا نسمع من معارضين لإنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق، أنهم كانوا يلوذون الى منطقة كردستان، كلما إشتدت ملاحقات أجهزة الأمن لهم، برغم أن المنطقة الكردية هي الأخرى خاضعة للسلطة في بغداد، وربما يتعرض الى المساءلة من يؤوي معارضاً للنظام الحاكم، لكن مع ذلك كانوا يتحملون مسؤولية من يأوي اليهم، ويوفرون له قدر المستطاع أمنه والحفاظ على حياته.
وفي ظل المتغيرات التي تشهدها البلاد، ومن خلال وجود رغبة في إصلاح العملية السياسية، وإدارة الحكم التي شابتها الكثير من الإنتهاكات، والفساد، يبدو أن التجربة الكردية غنية في شكلها ومضمونها، للإستفادة منها، ولاسيما في ما يتعلق بالمصالحة الوطنية ، التي أضحت اليوم صمام الأمان لوحدة الوطن والبقاء على لحمة المجتمع.
لقد عقدت مؤتمرات كثيرة، وأنفقت مليارات الدولارات، تحت عنوان المصالحة، لكن هل تحققت في الواقع ؟ .. حالة الإحتقان، والصدام المسلح هنا وهناك، والتهديد بتفكك الدولة العراقية والمجتمع، كلها مؤشرات على فشل تلك المؤتمرات، لأن الطرف الراعي لها كان في الأصل جزءاً من المشكلة، وعليه نحتاج الى جلسة مصارحة، قبل المصالحة، وإجراءات عملية تعيد حالة التوازن بين المكونات، وتحقق العدالة الإجتماعية، إضافة الى الإعتراف بحالة الظلم التي لحقت بمكونات أساسية في المجتمع، وإنصافها، وتلبية مطالبها المشروعة ، الى جانب إعادة النظر بكل القوانين التي أضرت بشرائح إجتماعية، أو أستخدمت بطريقة إنتقائية، من أجل تصفية الأجواء، وخلق حالة التعايش التي فقدناها.
المصالحة .. ياسادة تحتاج قبل كل شيء الى نيات صادقة، وقلوب تنبض للغير ومع الغير، ووطن يتسع للجميع، وأمن وسلام، وعدل، ومساواة، وشراكة ، وإنتماء لعنوان إسمه المواطنة.