22 ديسمبر، 2024 9:01 م

كرتنا يتقاذفها زيد وعمرو وسعد

كرتنا يتقاذفها زيد وعمرو وسعد

هناك قول نسمعه دوما يرجع الى العصر ما قبل الاسلام هو: (عش رجبا ترى عجبا) وآخر كان يردده الأولون هو: (العجب كل العجب بين جمادى ورجب). اختلف المؤرخون على أسباب هذه التسمية، ولم يضعوا ايديهم كما نقول (على الطين الحري) لتفسير العجب الذي يكتنف هذين القولين، ولاغرابة في ذلك طالما الأمر يحدث في عصور موغلة في القدم، ولها من التقادم في الزمن والتخلف في العلوم مايضع الأقوام حينها تتعجب وتنبهر لكل جديد.
لكنهم ورغم مايمنعهم من توفير مستلزمات الحياة التحضرية استغلوا ما وفرت لهم الطبيعة كما نقول: (الجود من الماجود) فاتخذوا ورق العنب والتوت لباسا، والتحفوا جلد الحيوانات وافترشوا عشب الارض، فهم رغم شحة الوسائل تمكنوا من العيش والتأقلم والتطور بخطوات تفاوتت في أطوالها وأبعادها، فتارة تتباطأ وتارة تترى محدثة طفرات ونقلات هائلة في مفردات المعيشة، فاستبدلوا ورق التوت بالملابس القطنية والصوفية ثم الفرو والحرير، واستمروا بلا توقف حتى وصلوا الى مانراهم عليه اليوم، فطوعوا المنتجات البتروكيمياوية فأضحت تؤكل وتشرب وتلبس ولم يعد عنصر في الطبيعة إلا سخروه لخدمة الإنسان. فالعجب إذن، اقترن بمستوى الفرد العلمي والثقافي مع ما يتعامل معه في لحظته.
ولن أبرح الحديث عن العجيب والأكثر عجبا، إذ لم تعد خافية على أي عراقي منا -صغيرا كان أم كبيرا- طلاسم ما آل اليه وضع عراقه الحالي، ولم تعد يومياته (كلمات متقاطعة) او (كلمة السر) التي كان يخشى البوح بعثوره على حلـّها أيام تكميم فيه، يوم كان فوه مكبلا بقيود سلطان جائر. فالحرية دخلت ابواب بلدنا باستئذان ومن غير استئذان، وما يحصل على طاولة اجتماع الساسة والمسؤولين مكشوفا بفضلها ومعلنا عنه أولا بأول، ومجريات الأحداث أضحت في دائرة هي أضيق من خرم الإبرة، إذا ما قورنت بمحيط العراق المتباعد الأطراف مسافة والمتنوع الخيرات والموارد التي حباه الله بها ورزقه إياها في أرضه ومائه وسمائه. لكن العجب هو أن الذي يحصل اليوم تحت طاولات اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات غير ذاك الحاصل فوقها، فالأخير يعلمه كل العراقيين بعد ان بات هضمه سلسا للغاية، لكن مايحصل تحت تلكم الطاولات هو الأكثر عجبا، وهو الذي يخيب آمال أغلب العراقيين لاسيما وقد وضعوا جميع بيضهم في سلة المجتمعين حول تلك الطاولة، إذ حال المواطن العراقي مع ساسته اليوم يصوره بيت الدارمي القائل:
سلمتك الدلال وبتوته كلهن
ظلـّت بكيفك عاد تگطع تفلهن
ولا أظن العجب في عراقنا يقف عند رجب، وياليته كان كذلك لنأمل بانقضاء أيامه نهاية العجائب، فالحال على مايبدو باقٍ بل قد يؤول الى الأكثر عجبا، مادامت الكرة يتقاذفها زيد وعمرو وسعد، أما زيد فهو مغرض في كل خطواته، إذ هو لايخطو واحدة إلا بألف مكسب يضمه الى حساباته ومآربه. وأما عمرو فهو متواطئ مع من هب ودب حيث يؤمر، كما يقول مثلنا؛ (سته مع الستين) أو كما قال الشاعر:
لاخير في ود امرئ متلون
اذا الريح مالت مال حيث تميل
أما سعد فهو يحاول الإصلاح جاهدا إلا أنه يزيد الحال خرابا، ويسيء أكثر مما يحسن، ذاك أنه غير أهل لما هو عازم عليه لضعف في إمكانياته او خلل في شخصه، او هو كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
ماهكذا ياسعد تورد الإبل
[email protected]