مرة أخرى، يطلع علينا مسؤول أممي رفيع المستوى في بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق (اليونامي) بتحذير من رياح حرب أهلية توشك أن تهب على العراق. فلقد نقلت وكالة فرانس برس الفرنسية للأنباء عن مسؤول ملف حقوق الانسان في اليونامي فرانسيسكو مواتا قوله إن “العراق بات عند مفترق طرق”، مضيفا “لا نقول اننا في حرب أهلية حاليا، ولكن الأعداد (الضحايا) كثيرة جدا”. وزاد ان العراق “لم يبلغ مرحلة الحرب الأهلية بعد. لكن إذا استمر العنف، واستمر قتل المدنيين، والرجال، والنساء، والأطفال الأبرياء، فعندها يمكن أن ينزلق نحو ما لا يمكن العودة عنه”.
مواتا، المسؤول الرفيع المستوى في اليونامي، بنى تنبؤاته هذه على الصراعات الداخلية التي تأخذ الطابع المذهبي في العراق، إضافة إلى عوامل إقليمية والصراع الإقليمي على النفوذ في بلاد الرافدين، فضلا عن الأزمة السورية. وقال ان “الانقسامات الطائفية تتعمق في البلاد بطريقة اكثر خطورة من تلك التي كانت عليها عام 2007”.
تنبؤات مواتا المشؤومة هذه تأتي بعد تحذيرات مشابهة من انزلاق العراق نحو حرب أهلية وردت على لسان رئيس البعثة المنتهية ولايته مارتن كوبلر قبل أسبوعين. ولأول وهلة فإن تكرار هذه التحذيرات من قبل مسؤولين دوليين رفيعي المستوى في اليونامي تجعل المرء يظن بأن لديهم كرة بلورية يقومون بقراءة مستقبل البلاد فيها وما قد يجري عليها من ويلات في المستقبل. ولكن بما أن أصحاب العقول التي تؤمن بالعلم والعقل وليس بقراءة الطالع والشعوذة لا يقبلون بالتنجيم بديلا عن التحليل السياسي فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن هؤلاء المسؤولون على علم بما يحاك في الخفاء من مؤامرات تستهدف ضرب المنجزات التي حققتها حكومة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في مجال الأمن في البلاد خلال السنوات الماضية والتي جعلت الموتورون من أيتام النظام السابق وأزلامه ومجرمي القاعدة في العراق يوحدون صفوفهم مع آكلي الأكباد في الجماعات المسلحة السورية لكي يضاعفوا من عملياتهم الإجرامية من أجل نقل مسرح القتل والمذابح من سوريا إلى بلاد الرافدين.
السؤال البديهي هنا هو: كيف يتمكن هؤلاء المسؤولون الدوليون من معرفة ما يحاك في الخفاء ضد العراق وشعبه؟ والبحث عن الجواب يبدأ من تركيبة جهاز المستشارين السياسيين برئاسة الفلسطينيين مروان علي الكفارنة ومحمد النجار العاملين تحت إمرة كوبلر ومواتا واللذين يزودون البعثة ومسؤولوها بتحليلات سياسية حول كيفية سير الأمور في العملية السياسية في البلاد. كيف لا يتمكن هؤلاء المستشارين من معرفة ما تدبره أيدي الشر والإرهاب ضد العراق وتاريخهم يشهد بصلات مشبوهة سواء بالنظام السابق في حالة مروان علي أو بجهاز الاستخبارات الفلسطيني برئاسة محمد دحلان، الذي ارتبط بالاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) والأمريكية (السي آي إيه) في حالة النجار؟ لقد حذرنا سابقا ومرارا من الفساد الذي يعيثه هؤلاء المستشارون الطائفيون المنحازون ضد الشريحة الأكبر من العراقيين، أي الشيعة، وعبر تقديم مشورة متحيزة لمسؤولين البعثة الدوليين. إن هذه الحفنة من العنصريين والشيفونيين قد عرف عنها صلاتها بالنظام السابق قبل سقوط الصنم وبالتالي فلا نستغرب لو أنهم ما زالوا على صلة بأيتام هذا النظام في الجماعات الإرهابية المسلحة التي أولغت في دماء العراقيين الابرياء.
والغريب ان هذه التصريحات والتحذيرات المشؤومة تشكل فضيحة للبعثة الأممية. فبعد سنوات طويلة من عملها في العراق على مسائل من قبيل المساعدة في المصالحة الوطنية وترتيب أوضاع البيت العراقي، فإن أوضاع العراق ما زالت تسير نحو الانزلاق إلى الحرب الأهلية وفقا لما يقولوه مسؤولوا اليونامي. ألا يعني هذا اعترافا ضمنيا بأن كل عمل البعثة في خلال السنوات الماضية لم يثمر أي شيء في سبيل تحقيق الأمن في العراق؟ لقد كشف مسؤولوا اليونامي الرفيعي المستوى عن المستور من غير أن يدروا وبدوا عراة أمام الحقيقة وقد سقطت ورقة التوت عن عوراتهم. فرغم كل ادعاءتهم في تقاريرهم التي يقدمونها عن إنجازات البعثة خلال السنوات الماضية، ها هم الآن يكشفون أن هذه الادعاءات كانت فارغة وكاذبة. لقد قلنا سابقا ونقولها الآن لن يستقيم أمر يونامي بجهاز مستشاريها السياسيين الطائفيين المنحازين إلى طرف معين في العراق. وهذه دعوة مفتوحة نوجهها لمواتا وخليفة كوبلر لكي يطهروا صفوف جهاز المستشارين السياسيين في اليونامي قبل فوات الأوان.