18 ديسمبر، 2024 7:07 م

أقترنت كربلاء بسبط النبي “عليه السلام”، لهذا أكتسبت هذه الأهمية.
المُدن في عالمنا هذا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، هذه تمتاز بالإقتصاد واخرة بالقوة والعسكرية واخرى بالفن وهكذا بقية المناطق، لكن البعض منها تمتلك أكثر مما ذُكِر فيها خصوصية بالغة الأهمية، لاسيما تلك التي تتواجد في البلدان الإسلامية، لما لها الأثر البالغ في النفوس التي تغذي الروح عقائدياً؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة و النجف الأشرف و كربلاء المقدسة وغيرها.. ان الله تبارك وتعالى خص هذه التربة “كربلاء”، بمنزلة عظيمة جاعلاً منها كعبة لِأحرار العالم يهتدي اليها الثوار، الطالبون بالحُرية والكرامة والتحرر من قيود عبودية حُكام الجور.

مدينة كربلاء كسائر المُدن الأخرى، لا تختلف عما سواها من حيث تكوينها؛ من خصوبة أرض ومجرى للأنهار التي يشق أراضيها نهر الفرات، وكثافة بساتينها بنخيلها واشجارها المثمرة، كل هذا لم يجعل لها صبغة خاصة، لكي تتميز بها عما سواها من مدن العالم.

إذاً أين يكمن سر الخلود هذه المدينة؟ ومن اين أكتسبت هذه المكانة العظيمة والقداسة في نفوس المسلمين وغير المسلمين؟ لابد من وراء هذا سر عظيم، ارتبط بها مما جعلها محط أنظار العالم بأسره؟ الاجابة تكمن هنا بكلمة واحدة، تغني جميع الباحثين عن معرفة هذه الخصوصية، لا يحتاج الباحثون الى وقت طويل للتأمل في لمعرفة اللغز الخاص بها، الكلمة هي الحُسين “عليه وآله السلام” هو سر خلود هذه المدينة.

قد تطول الاعمار لا خير فيها ويضم الامجاد يومٌ قصير.
أصحاب الاعمار الطويلة “المُعَمرون” في هذه الدنيا كثيرون، لكن عند الوقوف على شجل حياتهم لا نجد لهم أثر يذكر، بسبب واحد لم يقدموا شيء للبشرية لكي يخلدوا، كذلك الدُعاة والمصلحون والثوار في هذه الدنيا كثيرون، لكن مدى صداهم ليس كصدى الحُسين “عليه السلام” اخذ مديات اكثر بُعداً من المديات الاخرى، ليس لكونه سبط النبي “عليه السلام”، انما كان السر من وراء ذلك تجسد بموقفه يوم طف كربلاء الذي أصبح يوم أستشهاده بمثابة يوم ولادته “عليه السلام”، احياءه لدين جده المصطفى الذي حاول الآخرون طمس معالم رسالة السماء السمحاء، لهذا تصدى لإصلاح ما افسده حكام الجور، معلنا لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً أنما في طلب الإصلاح في أمة جدي “صلى الله عليه وآله”، خروجه كان لإجل الإصلاح لا غير كما صوره المخالفون بأنه خرج لطلب السلطة، لهذا ضحى بدمه الطاهر ومن معه من أجل الإسلام والإنسانية معاً، لهذا خلد ذكراه بموقفه رغم انه “عليه السلام” لم يك من أصحاب الاعمار الطويلة، فخَلد ذِكراه موقفه يوم عاشوراء.. الحسين اعطى لله كل ما يملك فاعطاه الله الخلود في الدنيا بان رسمه لن يندثر مهما حاول المبغض له كلما زادوا عدواناً عليه ازداد شموخاً وعلواً وجعل ذكراه على مر العصور يتوسط القلوب المؤمنة هذا في الدنيا اما في الآخرة المنزلة الرفيعة التي يغبطها عليه الأنبياء والرُسل.

إذاً بعد ما ذكر لا يتسائل المرء عن سر العلاقة و الخلود بين الحُسين وكربلاء? مدينة كربلاء خُلقت للسبط الشهيد “عليه السلام”، والحُسين خلق لموقف طف كربلاء، التي رسمت دمائه لنا صورة الإسلام المشرق الذي جاءه به جده رسول الله “صلى الله عليه وآله” والحفاظ على الخط الاصيل للاسلام بسماحته وإنسانيته وعدالته، الذي اراد الامويين من إضافة الوان معتمة للصورة لكي تكون غير واضحة المعالم، لِيضلوا الناس ويجعلوا منهم عبيد لحُكام السلطة، حتى لايميزوا بين الحق والباطل.
يوم الحُسين، بدد أحلامهم وكشف زيف نواياهم ومزق خططهم في دق الفرقة في جسد الأمة الإسلامية، كانت دمائه كالبلسم لجراح المُسلمين ولرسالة جده المصطفى “صلى الله عليه وآله”.