لقد أختار الله سبحانه وتعالى أن تكون الرسالة المحمدية الخاتمة لجميع الرسالات السماوية وهيء لها الوسائل التي تحفظها من الزوال والإضمحلال ، فكان جهاد الرسول (ص) الذي لم يترك طريقة أو وسيلة إلا وإستعملها من أجل إستمرار هذه الرسالة الى قيام الساعة ، لان الرسالات السماوية السابقة بالرغم من نزول الرسل والانبياء صلوات الله عليهم ولكن لم تبقى كثيراً حتى ينتابها التحريف والتزوير وتغير المفاهيم التي أرسل من أجلها الرسل صلوات الله عليهم أجمعين ، وبالرغم من الجهد الكبير الذي قام به رسول الله (ص) من اجل تغير هذه الأمة الذي أظهره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( طه ما أنزلنا عليك القرأن لتشقى) ولكن هذ الأمة أدارت بظهرها للعهود التي أعطتها لرسول الله (ص) بل وصل بها الامر أن ترفض أن يكتب لها رسول الله (ص) كتاباً يوجهها فيه لمن يأخذ بيدها الى الطريق القويم الذي لا أعوجاج فيه فكانت رزية يوم الخميس ، وبعد لحظات من وفاته صلوات الله عليه تنازعت القيادات القرشية والمدنية حول القيادة الإسلامية متناسين بيعة الغدير التي أخذها منهم رسول الله (ص) لعلي بن ابي طالب عليه السلام والتي أنزل الله سبحانه وتعالى فيها ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، هذا الإنحراف الكبير الذي ظهر في الأمة تطلب موقفاً كبيراً بحجمه واجهه ويظهره على حقيقته لكي تعي الأمة تحركها وفعلها ، فكان موقف سيدة نساء العالمين عليها السلام التي أحاطها رسول الله (ص) بمجموعة من الأحاديث المقدسة التي تظهر خطر ممن يتعرض لها بأي سوء حيث قال صلوات الله عليه ( فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ) ( أن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضا فاطمة ) (من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وقلبي وهي روحي التي بين جنبي من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله ) وغيرها من الأحاديث الشريفة التي تبين خطر موقف فاطمة عليها السلام من أي جهة كانت ، فكانت فاطمة عليها السلام المتصدية للانحراف الذي أدى الى سلب الخلافة الربانية من علي بن أبي طالب عليه السلام واظهرت بطلان خلافة من تقمص الخلافة وسلبها من صاحبها المعين من قبل الله سبحانه وتعالى في يوم الغدير حيث يقول الله سبحانه وتعالى ( يا ايها الذين أمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ….) ، فكانت الثورة الفاطمية ضد المنحرفين الصرخة المدوية التي أظهرت وتظهر الى قيام الساعة قادة الإنحراف وبطلان عملهم الذي أخرج الأمة من الطريق القويم بل تركوا حزب الله وتوجه الى حزب الشيطان حيث يقول الله سبحانه وتعالى ( ومن يتولى الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) فكانت فاطمة عليها السلام الشعلة التي تظهر للأجيال حقيقة ما جرى بعد وفاة رسول الله (ص) ، ونتيجة للأنحراف السقيفي ابتعدت الأمة كثيراً عن الرسالة المحمدية بل كادت أن تسقط في وحل الجاهلية وعبادة الأوثان ثانيةً عندما تولى بني أمية مقاليد الحكم حيث يقول سيدهم معاوية عندما يسمع أسم سيد المرسلين محمد (ص) في الآذان ( دفناً دفنا) بل وصل الأمر في زمن يزيد الفاسق الفاجر الى قمة الهاوية وكانت الأمة تتأرجح وتميل الى السقوط لولا صرخة ابا الأحرار (ع) ومثلي لا يبايع مثله هذه الصرخة التي لطمت الأمة وجعلتها تنهض فزعة حائرة تائهة تدير برأسها يميناً ويساراً وهي ترى أوثان هبل واللات تقترب منها وتحيط بها ، ولكن خطورة الإنحراف والإبتعاد الكبير للأمة عن الإسلام الحق وولاية أمير المؤمنين عليه الإسلام تطلب من الإمام الحسين عليه السلام أن يفتدي بكل ما يملك ويستعمل كل وسيلة تتهيء له لكي يرجع هذه الأمة الى الرسالة المحمدية السمحاء ، فكان إنطلاق ثورته من مكة المكرمة في يوم التروية وهو اليوم الذي يتهيء به الحجاج الى عرفة ولكن أبا الأحرار أرادة من أول لحظة لإنطلاقته أن يثير التساءلات لدى الأمة ويحرك فيها وازع المواجهة والثورة فترك عرفة مكة وتوجه الى عرفة كربلاء ، فكانت كربلاء وما تضمنتها من مأسي وأحزان هزت الضمائر والمشاعر الإنسانية في كل مكان وكل زمان البركان الذي يرفد الشعوب بالمبادئ والأخلاق الحميدة ، وكأن الإمام الحسين عليه السلام أراد من ثورته أن تستمر الى قيام الساعة لكي تكون الرقيب والموجه لهذه الأمة بعد إنقطاع الرسالات السماوية عنها ، فبذل في يوم عاشوراء ما لم يبذله عبدٌ لله سبحانه وتعالى فقدم الطفل الرضيع والأبن الظريف والشاب الوسيم والأخ العضيد والقربة الرحيمة والأصحاب الأوفياء بل كان يتشوق لكل ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم لأنها في حب الله سبحانه وتعالى حيث ظهر ذلك من مقولة زينب عليها السلام ( يا ربي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) ، بل هيء عليه السلام كل أفراد عائلته للأسر لكي يكملوا مسيرة الثورة فكان الشاب العليل عليه السلام والنساء المخدرات وألأطفال الأبرياء من أجل نقل هذه المأساة الى الأمة بشكل خاص والى الإنسانية بشكل عام ، فكانت النهضة الحسينية الزلزال الذي ضرب عروش بني أمية في ذلك الزمان وعروش الظالمين في جميع الأزمان ، وبعد عاشوراء كربلاء جعل الإمام الحسين (ع) الأمة تقف على رجلها وتحدد طريقها وتنطلق بأتجاهه فبدأت الثورات في كل مكان وأسقطت عروش بني أمية وبني العباس وأصبحت ثورة كربلاء شعار جميع الاحرار في العالم ، وأصبحت كربلاء الشعلة التي تظهر للأمة طريق الإسلام الحق الذي لا لبس فيه ، فأصبحت كربلاء القمة التي من أرتقاها يشاهد كل حقائق الأمور على حقيقتها التي تظهر زيف وأنحراف الأمة ، فأصبحت كربلاء الشمس التي تزيل الظلام وتظهر طريق الله القويم لكل الشعوب في العالم ، فمن كربلاء تثار التساءلات التي توصلنا الى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثم الى طريق الله القويم الذي رسم ملامحه رسول الله (ص) ، لهذا دفع أئمة الهدى عليهم السلام مواليهم الى أحياء عاشوراء وما جرى على أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكل الطرق والوسائل ومهما كانت التضحيات لكي يرجعوا الأمة باسرع الطرق الى الإسلام المحمدي الأصيل ، فكانت بحق كربلاء ثورة متجددة وعطاء لاينبض في إظهار الحقيقة المحمدية السمحاء التي غطاها غبار الظلمة وأتباعهم من يوم السقيفة الى هذا الزمان .