الشيخ الطوسي : هو الشيخ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي ولد سنة 385 هـ بمدينة طوس في خراسان وكانت أول دراسته في مدارس خراسان ثم شدَّ الرحال إلى بغداد في عام 408 هـ وهو أبن ثلاثة وعشرين عاماً وكان سبب هجرة الشيخ إلى بغداد بسبب اشتهار أساتذة بغداد آنذاك بالعلوم العقلية ، والفلسفية ، المعبر عنها بـ ﴿العلوم الدخيلة﴾ والتي دخلت للدين في العصور العباسية لأول مرة في الإسلام وخصوصاً على مستوى الفقه ألإمامي ، حيث وضع حجرها الأساسي في تلك الفترة ، واستحكمت دعائمها في بغداد فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف البلاد .
وقد أشتهر عند من تناول حياة الشيخ الطوسي أنه لازم الشيخ المفيد مدة خمس سنوات أي آخر عمر الشيخ المفيد وبعد وفاة الشيخ المفيد أصبح يعد من أبرز طلاب السيد المرتضى فقد أولاه عناية خاصة وقرر له مبلغ 12 دينارا شهريا في ذلك الزمن إلى ان تخرج على يديه فأمضى معه 23 عاما تقريبا . بقي في بغداد بعد وفاة أستاذه المرتضى حتى عام 448 هـ أي مدة 12 سنة …
ذاع صيت الشيخ الطوسي وانثنت له وسادة الزعامة وتفرد بها بعد وفاة السيد المرتضى، فأخذ الفقهاء يشدّون إليه الرحال من كل حدب وصوب على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم ، حتّى بلغ عدد تلامذته الذين اجتهدوا على يديه أي حازوا على درجة الاجتهاد أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الأمامية، ومن الغريب ان هنالك عددا من مجتهدي العامة لا يمكن حصرهم وعدهم كانوا يحضرون دروس الشيخ الطوسي , فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمة كتاب التبيان : ﴿فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. ومن العامة ما لا يحصى﴾( [1] )
وهذه من الأمور الغريبة..! فلم نشهد فقيها شيعيا قام بتدريس طرق الاجتهاد على النحو المعمول بها عند السنة , إلا الشيخ الطوسي حيث تفرد بهذه المسألة وهي تحتاج للتوقف والبحث , وعلينا في هذه الحال ايلائها العناية والاهتمام من حيث التدريس والتأليف وهذا ما حصل بالفعل فالذين كانوا يحضرون دروس الطوسي كانوا يرون موافقتها لمناهجهم ..!.
كرسي الكلام : نال الشيخ الطوسي درجة عالية من الاهتمام عند الخليفة القائم بأمر الله الذي أعطى للشيخ الطوسي كرسي الكلام _ وهو مقام يعطيه الخليفة لرجل من رجال الدين فيجلس في بغداد يخطب بالناس _ ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلاّ لمن أشار إليه الخليفة فبقي الشيخ بهذا المنوال اثنتي عشرة سنة .
وبعد ذلك وعلى أثر حدوث الاختلافات الشديدة بين العامة والإمامية وتبدل الأوضاع السياسية وانتقال الحكم من البويهيين الذين كانوا يدعون التشيع إلى السلاجقة شن ﴿طغرل بيك﴾ أوّل ملوكهم حملة شديدة على الإمامية ورجال دينهم عند دخوله بغداد عام 447 هـ ، فقام بإحراق مكتبة الشيخ الطوسي تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور ـ وزير بهاء الدولة البويهي ـ جهده بأمر من الخليفة بإنشائها في الكرخ ببغداد عام 381 هـ ، على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون الرشيد العباسي .
وفي خضم تلك الأحداث التي حدثت ببغداد سنة 447 هـ أي بعد دخول السلاجقة إليها وعلى آثر ذلك هاجر الشيخ الطوسي إلى مدينة النجف الأشرف ليبقى بعيداً عن المعمعة الطائفية التي حدثت ببغداد وبعد استقراره في مدينة النجف قصده الطلاب للدراسة ونيل الاجتهاد على يديه فوضع بذلك اللبنة الأُولى للحوزة التي شيدها بنفسه في مدينة النجف الأشرف بعد أن كان طلب العلم مقتصرا على بغداد أيام الشيخ المفيد والسيد المرتضى إلى زمن السفراء الأربعة من قبل .
إن الشيخ الطوسي يعد من أوائل الفقهاء الذين أشاعوا طريقة الاجتهاد السني في المجتمع الشيعي وهذا ما يؤكد تأثره بطرق القوم وأصولهم ولهذا فقد ذكر بعض المعاصرين من أهل السُنة طريقة الشيخ الطوسي الاجتهادية في قولهم : ﴿ كان عالما على المنهاجين ألإمامي والسني ﴾( [2]) ..
المطلع على مصنفات الشيخ الطوسي يمكنه معرفة طريقة الشيخ من جانبين الجانب الأول أهتمامة بالأخبار والروايات الشريفة وهذا مما استفاده من أستاذه الشيخ المفيد حيث كتب الشيخ الطوسي تهذيب الأحكام وهو أحد الكتب الأربعة المعروفة عند الشيعة , وهو شرح كتاب المقنعة للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه ، وبإشارة من الشيخ المفيد نفسه﴿ [3]-) كما كتب الشيخ الطوسي كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، وهو أيضاً من جملة الكتب الأربعة ، استخرجها الشيخ من روايات التهذيب ﴿ [4]ا)
وقد استفاد الشيخ الطوسي من أستاذه المفيد , فقد ذكر في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلفاته قوله : ﴿سمعنا منه هذه الكتب بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع) ( [5] ) ..
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
[1] – التبيان / اغا بزرك الطهراني – المقدمة .
[2] – طبقات المفسرين – ص 29
[3] قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام الصادق ، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص 27
[4] – الرسائل العشر – الشيخ الطوسي ص 41
[5] – نفس المصدر