تلك الحادثة المفجعة، التي حلت على آل بيت النبوة، كانت من أعظم المصائب، وأكثرها إرهاباً، على مر التاريخ، لم يشهد العالم، منذ بداية الخلق إلى يومنا هذا، مثل ما جرى صبيحة يوم عاشوراء.
انتهاك للإنسانية والقيم والمبادئ، فقد تجسد إبليس بصورة إنسان ذاك اليوم، واجتمعت كل مساوئ البشر في أشخاص وقادة، جيش يزيد، فبرز الكفر كله إلى الإيمان كله.
ما كان لدين محمد أن يستقم، لولا الدماء الزكية، التي أُريقت على ارض الطفوف، انتشلت تلك الأمة من واقع العبودية، التي كانت تعيشه، تحت حكم السيف والنار، وتسلط فساق القوم على شؤون الدولة ومقدساتها.
توجب على الامام أن يعمل بتكليفه الشرعي، حتى يحفظ للإسلام كرامته، بعد أن جعلوا من الدين غطاء، لتحقيق أهدافهم الدنيوية، وتربع على عرش الخلافة، وما يحتويه من امتيازات خاصة، تتيح للحاكم الفاسد العبث بالرعية.
إرهاصات الماضي، وشيخوخة المستقبل، ترسم ملامح امة قتلت ابن بنت نبيها، بغضا لأبيه- الذي قتل أباءهم وأجدادهم في بدر وأُحد- وحبا للمال والسلطة، فلم يستطع العرب هضم الإسلام، بعد إن اعتادوا على عبادة السلطان.
رفضت عقولهم فكرة المساواة؛ بين الناس، أحبوا جاهليتهم، وظلوا يقاتلون من اجلها، ملوك وسلاطين وعبيد وحرس وخدم وحشم، عائلات تحكم، وكأن الناس خلقوا قسمين: قسم يحكم وأخر يخدم.
انحصر تفكيرهم، بشيئين: مال وشهوة، حتى وصفهم احد المستثمرين الأوربيين، عند عمله في دولة الملوك العرب(دول الخليج)، قال ما مضمونه: أنهم كل الحيوانات، يأكلون وينامون، ولا يفكرون.
(وتلك الأيام نداولها بين الناس)، تفجير وإرهاب وقتل، لم يثني من عزيمة، أهل المبدأ والقيم، هاهنا حشد الحسين(ع) ينشرون لواء النصر على ارض “قضاء بيجي” بكل تفاني وإخلاص، يستمدون القوة من قائدهم الحسين ابن علي ( عليه السلام)، في شهر الحسين، تتطهر الأرض برفات شهدائها الأبرار، وتحتضنهم بهدوء الموت، وتقبل جباههم المعفرة بالدماء، وتراب الوطن.
لم تكن مصيبة كربلاء، مجرد قتل وذبح وسبايا، بل كانت أحياءُ دين، وشق الطريق للأحرار، فأصبحت الفاصلة بين الجاهلية والإسلام المحمدي الأصيل، كان حقا قائدها، سفينة النجاة؛ من العبودية والطغاة، والمصباح الذي أنار طريق الحق والهدى، بدمائه الطاهرة، اخضر عود الإسلام، وبان كل كافر أثيم.