قبل واقعة عاشوراء كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة، أما بعدها فقد أصبحت عنواناً لمسيرة فكرية وثورية وطريقة حياة وحضارة شاملة..
تمزقت رايته ولم تنكس، وتمزقت أشلائه ولم يركع، وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه ولم يهن، إنها عزة الإيمان في أعظم تجلياتها..
كان صعبا على الحسين (عليه وأله أفضل الصلوات) وأصحابه، أن يقاتلوا أو يقتلوا.. ولكنهم لو لم يفعلوا ما صنعوا، لكان عليهم أصعب وأشد..
كثيرة هي المعارك والثورات والنهضات، التي اندثر تأثيرها مع الزمن، إلا معركة وثورة ونهضة الإمام الحسين، حيث أن الزمن يزيد من إشراقها وضيائها، ففي كل عام يجدد المؤمنون إحياء هذه النهضة، ويستلهمون منها الدروس والعبر.. والذي يتابع حرارة إحياء هذه المناسبة العظيمة، يدرك بعمق أن الزمن وتداعياته، لم يمنع الناس من إحياء هذه المناسبة.
كل المعارك تصغر مع الزمن إلا هذه.. فالزمن يزيد من عظمتها، ويجلي حقائقها وأهدافها وغاياتها النبيلة، وكل الثورات تأفل بأفول القائمين بها، إلا ثورة الحق بوجه الباطل، فإن القائمين بها يزدادون عظمة وإشراقا وتأثيرا، وكل النهضات تتراجع أهدافها وأولوياتها وغاياتها مع الزمن، إلا نهضة هذا الشهيد، فالزمن يؤكد أهدافها، حيث تبقى أولويات الإصلاح والحرية والكرامة، هي الشاخصة والسائدة..
هذه النهضة وعبر الحقب الزمنية المتطاولة، هي أم الثورات ومنطلق النهضات ونموذج المعارك الخالدة، والإمام وأهل بيته وأصحابه وأنصاره، هم قدوة الثائرين، وأسوة المنعتقين من كل الأغلال من أجل العزة والكرامة، فهم سادة الحرية في زمن انعدامها وغيابها، وهم أئمة الكرامة في كل زمن تمتهن فيه كرامة الإنسان وتسحق مقدساته.. وهم المثل الأعلى في التضحية والعطاء، في كل زمن يبخل الناس عن العطاء والتضحية، حتى اصبحت هي مستودع القيم والمبادئ الإسلامية، كما أنها اللحظة التاريخية التي أثبتت بشكل لا لبس فيه أن الدم ينتصر على السيف، وأن الظلم مهما تمادى واستفحل فهو إلى زوال.
ما يثار على أمتداد الأزمنة والأعوام ، هو ظاهرة تدوين إستشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه الكرام من قبل العلماء والخطباء والمؤرخين، حيث اعتنى هؤلاء جميعا بهذه المعركة، فأرخت دقائقها وتفاصيلها، مما وفر لنا نحن الأجيال اللاحقة، مادة تاريخية هائلة، نتعرف من خلالها على واحد من أعظم أحداث عرفها التاريخ الإنساني.
لايقاس الحسين بالثوار بل باﻷنبياء، ولاتقاس كربلاء بالمدن بل بالسماوات، ولاتقاس عاشوراء بحوادث الدهر بل بمنعطفات الكون..
الحسين اعتمد قوة المنطق، واعتمد عدوه على منطق القوة، ولما سقطت قوة عدوه انتصر منطق الحسين، وكان انتصاره ابديا، وكلما حاولنا أن نعبر عن الحسين بالكلمات، وجدنا أن الكلمة عاجزة عن التعبير عن نفسها فيه .
قل عنه أنه الحق وأنه الكوثر ..
وقل أنه الفضيلة ،فستجده أكثر من ذلك! وان تلك الكلمات تقصر عن إيصال فكرته..
فرجوناه تعالى أن يلهمنا كلمة نعبر بها عن حقيقة الحسين، فألهمنا أن نقول أن الحسين هو الحسين وكفى..