8 سبتمبر، 2024 2:45 ص
Search
Close this search box.

كرام ومكارم

-1-
يشتطُ بعضهم في الحكم على الناس فيُصدرُ أحكاما صارمة ، ويرسم صوراً قاتمة ،ويخيل اليك انّه قد غسل يده منهم جميعاً ومن دون استثناء..!!

-2-

انّ هذه الاحكام المرتجلة لا تصمد أمام الكثير من الوقائع التي يبرز فيها النبلُ ماثلاً، وتتجلى فيها المروءةُ واضحةً للعيان، لتشير الى حقيقة لا يصح أنْ تهمل تقول :

الأطياب موجودون في كل عصر ومصر، ولا تخلو منهم ايةُ بقعة جغرافية في العالم .

-3-

وفي كتب التاريخ والسيرة ركامٌ هائل من الشواهد والأدلة على ذلك .

ونستل من ذلك الملّف الضخم قصة (محمد بن احمد الخزرجي ت 651 هجرية ) :

لقد جاءه شخص يرجوه ان يكلّم مالك الدار التي يسكنها ، وقد زاد في الايجار أنْ يرفع عنه الزيادة، فمضى (الخزرجي) الى صاحب الدار وأعطاه الزائد مدة أشهر فعلم الساكن في الدار بهذا بعد مدة ، فقال له :

يا سيدي :

ما سألتُ الا شفاعة “

فقال له :

” رجلٌ له دارٌ يأخذ أجرتها ، يجيء اليه (الخزرجي) يقطعُ عليه حقه !؟

والله ما يدفع هذا إلاّ أنا

فلم يزل يدفع الزائد الى ان انتقل الساكن الى غيرها “

المقفى الكبير ج5/90

وقف هذا (الخزرجي) النبيل بين رجلين :

بين المستأجِر والمالك :

ورأى أنّ بمقدروه أنْ يدفع الزيادة للمالك من ماله الخاص ، ودون أنْ يشعر الساكن بذلك، وبهذا رفع الحرج عنه ويكون قد حلّ المشكلة .

فمضى مسرعاً في التنفيذ ..!!

لقد اعتبر دفع الزيادة في ايجار مسكن صاحبه جزءً من مصروفاته الشخصية .

وهذه هي الانسانية والاريحية

وقد تقول :

ان هذه القصة وقعت قبل قرون، ولم يعد فينا من يملك مثل هذه الروح ..

فأقول :

لقد صادرت السلطة العفلقية الغاشمة داري بكل ما فيها ، وأهم ما فيها مكتبتي الشخصية العامرة بأهم المصادر والمراجع، بمخطوطاتها ومطبوعاتها، وكل ما أملكه من وثائق ومستندات وصور …

لقد تم ذلك عام 1982 .

بينما كنت قد غادرت الوطن عام 1979 ، وَلَمْ تبق الدار خالية فقد قام (وكيلي) بقبض ايجار الدار من المستأجِر الذي قبل ببقاء المكتبة على حالها في الدار ..

وقد استدعت مديرية الأمن العامة ” وكيلي ” وطالبَتْه بدفع ما يزيد عن (8000) دينار ، خلال 24 ساعة ، والاّ اتخذت بحقه الاجراءات المعروفة ..!!

انها لم تكتفِ بمصادرة البيت ،

وانما زادت على ذلك بان أمرت وكيلي بدفع ما يزيد على (24000) دولار خلال 24 ساعة .

وهنا وقع (وكيلي) في حيرة واضطراب ..

من أين له أنْ يدفع هذا المبلغ الباهظ ..؟

فسارع الى اخبار أحد اصدقائنا الابرار بذلك ، فما كان منه الاّ أنْ أَحضرَ له المبلغ كاملاً غير منقوص وقال له :

اذهب غداً وادفعه ،

فأجابه وكيلي :

وكيف يكون الوفاء لهذا الدين ؟

انني لا أملك القدرة على السداد .

قال له الصديق :

انك لست مسؤولا عن وفاء الدين

انّه بيني وبين مُوكلِك ..

وبعد أنْ عُدت الى الوطن الحبيب التقيت الصديق العزيز وذكرّته بالقضية

فقال :

انت في حل مني

وهكذا تتواصل حلقات المناقب الاخلاقية جيلا بعد جيل …

[email protected]

أحدث المقالات