غالبا”ما نلقي اللوم على حكومات دول الجوار الجغرافي ، أو سواها من الدول الأخرى الضالعة في مشروع تفتيت العراق جغرافيا”وتدميره حضاريا”وتخريبه ثقافيا”وتمزيقه اجتماعيا”، على خلفية تدخلاتها المستمرة في الشأن السياسي والاجتماعي العراقي ، ومحاولاتها المتواصلة للتأثير المباشر أو الغير مباشر ؛ سواء على مسارات الصراع بين الطوائف المتباغضة ، أو خيارات الاصطفاف بين الكتل المتنابذة . دون أن نلتفت للحظة واحدة إلى نفوسنا – كمسئولين – الأمارة بالسوء ، لتقريعها على أطماعها ومحاسبتها على تواطؤها في إطار هذا العامل المصيري ، خصوصا” لجهة السماح لممثلي تلك الدول الاستهانة بعقلية المواطن العراقي والاستخفاف برأيه ، عبر خطبهم المنمقة وتصريحاتهم المزوقة ، لاسيما حيال تكذيب حقائق تدخلها السافر ووقائع دس أنفها المشين في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذا الوطن المستباح . وذلك من خلال تورطها الواضح بإثارة المشاكل وتعقيد المواقف بين هذا الطرف السياسي أو ذاك ، أو بتأجيج الأحقاد والكراهيات بين هذه الجماعة أو تلك . ولعل هذه الحالة المزرية والمستهجنة أطلقت يد ممثلي تلك الحكومات للعب دور(العرّاب) في تقرير مصيرنا بالنيابة عنا وتسوية مشاكلنا دون تفويض منا ، بحيث تعمقت جراحنا حيث أريد معالجتها ، وازدادت معاناتنا حيث أريد تخفيفها ، واستفحلت خلافاتنا حيث أريد تسويتها . وفي خضم دوامات العنف الطائفي المتعاظم وأعاصير الفوضى السياسية المتفاقمة ، يأتي حديث السيد (ظريف) وزير الخارجية الإيراني – الذي وصل بغداد مؤخرا”(ليشرف) على إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة !! – في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجيتنا المؤقر (زيباري) ، ليكون بمثابة نكتة سمجة وسط صراخ الموجوعين وأنين المفجوعين ، ليبرأ سياسة حكومته من تهمة تدخل قوات الإيرانية المسلحة في الصراع العسكري ضد الجماعات الأصولية وعلى رأسها (داعش) من جهة ، كما ويعلن ، من جهة أخرى ، عن رغبة بلاده لدعم ومساندة الشعب العراقي على حلّ مشاكله السياسية وتجاوز معاناته الإنسانية – وكأن إيران بريئة من تعاظم المشاكل وتفاقم تلك المعاناة – . هذا دون أن ينسى تذكير المسئولين العراقيين بان إحجام إيران عن إرسال قوات إيرانية للقتال إلى جانب الجيش العراقي ، نابع من الإيمان بقدرة هذا الأخير على صد الإرهاب ودحر الإرهابيين !! . وإذا ما تجاوزنا سلسلة التقارير الرسمية وغير الرسمية ، فضلا”عن التصريحات الأمريكية وغير الأمريكية ، التي تشير إلى مدى تورط الجانب الإيراني في الشأن العراقي ، وتفضح من ثم بالأدلة والبراهين أشكال هذا التورط ومستوياته . فان عناصر (فيلق القدس) المدججة بالتعصب والكراهية ، التي أدخلت إلى العراق تحت ذريعة التطوع لمقاتلة الجماعات الأصولية المسلحة ، فضلا”عن الخبراء العسكريين والأمنيين الذين استقدموا بحجة تدريب القوات الأمنية العراقية على كيفية استعمال الأسلحة الإيرانية الحديثة وخوض حروب العصابات ، إضافة إلى قيام الطائرات التي يقودها طيارين إيرانيين بإلقاء براميل الموت يوميا”على ضحايا المكون السني ، بزعم مطاردة العناصر الإرهابية التي تحتمي بالبيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات ، ناهيك عن احتضان المليشيات الطائفية وتعزيز قدراتها القتالية وتقوية نزعتها العدوانية . كل هذه الأمور – وما خفي كان أعظم – لا تشكل بنظر السيد (ظريف) تدخلا”إيرانيا”في الشأن العراقي !! . والحال إن العتب لا يقع على السيد (ظريف) كونه مسئول حكومي يدافع عن موقف بلاده ، ضد ما يثار حولها من شبهات سياسية وتجاوزات قانونية ، إنما العتب كل العتب يقع على كاهل رموزنا السياسية الجاهلة والمترهلة ، التي لا تنبس ببنت شفة حيال تلك الأكاذيب التي يطلقها والمزاعم التي يروجها هذا المسئول أو ذاك ، بشأن المصائب التي لحقت بنا والفواجع التي وقعت علينا ، جراء تدخلات وتجاوزات كل من هب ودب ، على خلفية تنازل حكومتنا عن سيادتها تفريطها بهيبتها والمساومة بكرامتها . وأخيرا”نقول للسيد (ظريف) وأعوانه من العراقيين ، لطالما سعيتم إلى تدمير شعب العراق وتشويه تاريخه وتحطيم حضارته ومسخ ثقافته ، وها انتم اليوم – وكل الذين يردفونكم بالشر والعدوان – تجنون ثمار سعيكم الشيطاني ، فعسى الله أن يخيب ظنكم ، ويجعل كيدكم يرتدّ إلى نحوركم ، ويضع يده فوق أيديكم !! .