الاعتماد على عينة من 100 أو 1500 شخص لدراسة ظاهرة ما في مجتمع متنوع الثقافات والعادات، لا يعدو أن يكون عبثا.
من دواعي الضحك في أحيان كثيرة أن تتابع نتائج عمليات سبر الآراء، خصوصا عندما تنطلق من بلد يعيش فترة المراهقة الديمقراطية مثل تونس، فقد تجد مثلا أن 63 بالمئة من الشعب بدأ في الاستعداد للقيام برحلات إلى كوكب المريخ، وأن 3.27 بالمئة يخيرون انتظار فتح مكتب الارتباط الدبلوماسي في كوكب عطارد لزيارته، بينما يرى البقية أن البقاء على كوكب الأرض أفضل مبدئيا بسبب عدم توفر تجارب سياسية واعدة على بقية الكواكب.
أقول هذا طبعا من باب المزاح، ولكن أن يأتي من يقول لك إن 40 بالمئة من طلبة المدارس في البلاد يدخنون مخدر الماريخوانا المسمى محليا بـ”الزطلة”، وأن 60 بالمئة جربوا مواد مسكرة، وأن 45 بالمئة من الرجال مصابون بالعجز الجنسي، فهذا يعني أن المجتمع أصيب بالخراب النهائي، وبخاصة عندما تجد تلك الأرقام من يصدقها ويحولها إلى إحدى أدوات تحليل الواقع الاجتماعي، وعندما يتلقفها رجال الدين فيجعلون منها منفذا لإدانة الحداثة والمدنية والدولة الوطنية وحرية المرأة ومؤسسات التعليم والأمن والقضاء وغيرها، ويختطفها الساسة ليلعبوا عن طريقها على أوتار المحافظين والبسطاء والسذج وليهيجّوا مشاعر الحاقدين ضد البلاد والعباد.
ومن اللافت في الأمر أن عمليات سبر الآراء عادة ما تكون مفبركة وغير مهنية، أو موجهة لهدف ما، وقد تتم في منطقة ما، وفي ظرف ما، ثم يتم تعميمها على مجتمع بأكمله، رغم الاختلافات والتباينات والتناقضات أحيانا، بين الريف والمدينة، والجنوب والشمال، والساحل والدواخل، والأثرياء والفقراء، والمتعلمين والأميين، وأن الاعتماد على عينة من 100 أو 1500 شخص لدراسة ظاهرة ما في مجتمع متنوع الثقافات والعادات، لا يعدو أن يكون عبثا.
منذ أيام، سأل صحافيون مرشح اليمين الفرنسي فرانسو فيون: ما موقفك من نتائج سبر الآراء التي تشير إلى أن لا أمل لك في الوصول إلى الإيليزي؟ فرد بهدوء: لو صدقت تلك النتائج لما كنت وصلت إلى هذه المرحلة.
وفي بريطانيا وجدت مؤسسات سبر الآراء نفسها على المحك بعد أن فشلت في تحديد موقف الشعب من قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وفي أميركا حصل الشيء ذاته بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا رغم أنوف سابري الآراء جميعا.
ولكن تلك المؤسسات التي تحترف اللعب على عواطف الجماهير، لا تزال مستمرة في ممارساتها، ومن ورائها مافيات، بعضها سياسي يلعب على الإيحاء بفقدان ثقة الشعب في المنافس، وبعضها اقتصادي وتجاري يرفع أسهم هذه المؤسسة أو ذلك المنتوج، وبعضها فكري أو أيديولوجي يسعى إلى تغليب وجهة نظر مجتمعية على أخرى، وبعضها إعلامي يعمل على رفع منصة ما في مواجهة أخرى بما يعيد تقسيم غنيمة الإعلان لمن يدفع أكثر لمنظم عمليات سبر الآراء… تلك العمليات التي تبقى في جانب كبير منها وسيلة للضحك على ذقون العامة، وكذب سابرو الآراء وإن صدقوا.
نقلا عن العرب