منذ عام 2004 ونحن نعيش كذبة اسمها مزاد البنك المركزي للدولار ، ونقول كذبة لسبب محدد وهو إن المزاد بمفاهيمه المختلفة يعني أن تطرح سعرا لسلعة معينة فيضيف الآخرون عليه بالزيادة وصولا إلى السعر المطلوب أو المرغوب ( المستهدف ) ، ولكن في ( مزاد ) بيع الدولار الذي يديره البنك المركزي العراقي يتم طرح سعرا للبيع وبضوء هذا السعر تتقدم المصارف وشركات الصيرفة التي تتوالد يوما بعد يوم للشراء دون زيادة ، فيتم البيع جهارا نهارا استنادا للتعليمات وبعض الإجراءات المتعلقة بمن يحق لهم دخول المزاد وتوجيه المشتريات للاستيراد على افتراض إن اغلب احتياجات الشعب لا يمكن للمنتج المحلي من تلبيتها ، ولهذا يتم الاستيراد لمختلف السلع وبعض الخدمات وبشكل جعل البعض يعطي تقديرات بان الاستيراد من الخارج يعادل نسبة تزيد عن 95% من السلع المتداولة في الأسواق المحلية ، والاستيرادات تتم بتحويل خارجي من خلال السماح بالمستوردين أو وكلائهم بدخول مزاد العملة للحصول على الدولار لاستيراد السلع والخدمات بالسعر المطروح والذي لم يتطابق للحظة مع سعر الصرف الرسمي ، وبحسب نتائج بعض التحقيقات التي أدت إلى فرض عقوبات وغرامات على بعض فان بعض الاستيرادات لا تشكل مبالغها إلا نسبة قليلة من مجموع المبالغ التي يتم الحصول عليها من البنك المركزي على سبيل التحويل الخارجي .
ويعتقد البعض وجوب وجود مزاد البنك المركزي باعتبار إن الهدف منه تحويل إيرادات الدولة من مبيعات النفط من الدولار إلى الدينار العراقي ، ويروج البعض بان هذه أفضل طريقة لتحويل الدولار والحفاظ على أسعار صرف الدينار العراقي مقابل الدولار للمحافظة على ثبات أسعار السلع باعتبار إن اغلبها مستوردة بالدولار ، وهذه المسوغات هي التي أدت إلى استمرار بيع الدولار بالمزاد بحيث وصلت الكمية المباعة للمصارف من تاريخ 2016/1/3 ولغاية 2016/5/26 بما يعادل (12,298,295,832) مليار دولار وقد بلغ سعر البيع لحسابات المصارف في الخارج 1190 دينارا لكل دولار ، أما سعر البيع النقدي فيكون بسعر 1182 دينارا لكل دولار ، واغلب هذه المبيعات تذهب للحوالات والاعتماد وتتم بمشاركة المصارف و شركات التحويل المالي وشركات الصيرفة وهي بعدد محدود وتدخل كل يوم فيما يسمى بالمزاد ، ورغم ( خرافية ) أرقام مبيعات الدولار في هذا المزاد الذي دافع عنه بضراوة المسؤولين السابقين والحاليين للبنك المركزي العراقي والتي وصلت لأكثر من 300 مليار دولار خلال السنوات السابقة ، فان المواطن ، أي مواطن عراقي لم يحصل يوما على دولارا واحدا بسعر الصرف الرسمي منذ عام 2004 ولحد اليوم لان الشركات والمصارف تضيف مبالغا بغض النظر عن العرض والطلب ، ورغم انخفاض إيرادات النفط التي تشكل 99% من صادرات العراق فان المزاد لم يتوقف يوما ويبيع أحيانا أكثر من إيرادات النفط فمعدل مبيعات الدولار عام 2016 تزيد عن 100 مليون دولار يوميا ، إلا إن أسعار الدولار مقابل الدولار تسير بالارتفاع يوما بعد يوم وقد وصلت إلى 129,600 في هذا اليوم أي بفرق يزيد عن 10000 دينار لكل 100 دولار ، وأصحاب دكاكين بيع الدولار المنتشرين في عموم البلاد بالعلن وليس بالخفاء يبيعون الدولار خارج تسعيرة البنك المركزي ولم تتم محاسبة أي منهم في يوم من الأيام ، وحين تقدم مقترحات لتوزيع الدولار على المواطنين لأغراض السياحة والزيارات الدينية والعلاج أو توزيع نسبة من رواتب الموظفين بالدولار تخرج الأصوات التي تقول إنها ضد سياسة الدولرة .
ويبدو إن من يدعي ذلك يتجاهل بأننا غارقين بالدولرة بالفعل فكل ما يباع في الأسواق هو مقوم بسعر الدولار لان معظم احتياجات العراقيين يتم توفيرها من خلال الاستيراد بالدولار ومن خلال التحويل في البنك المركزي ، ومن المؤكد إن المستفيد من مزاد العملة يمتلك التأثير بعدم تغيير أسعار الصرف تحت غطاء حماية المواطن من ارتفاعات الأسعار وفي واقع الحال إن المواطن يتأثر يوميا بانخفاض أسعار صرف الدينار فكل ( نمرة ) يدفع ثمنها المواطن الذي يدفع أضعاف كل انخفاض ، ومما يدل بان أسعار الصرف تخضع إلى تلاعب بعض المتنفذين فان الارتفاع يتم بشكل تدريجي يوما تلو يوم حتى أوصلوا السعر اليوم إلى 1296 دينار لكل 100 دولار وهم لا يريدون تجاوزه إلى أكثر من 1300 دينار لكي لا تثار ضجة بخصوص الدولار ، ومن هذه التذبذبات يتم جني مليارات الدنانير يوميا دون أي جهد يبذل سوى شراء الدولار من البنك المركزي وبيعه داخل وخارج العراق بالدينار والمسرحية مستمرة بفصولها الكاملة منذ 13 سنة دون أية معالجات وإجراءات ، ومن جيوب المواطنين تخرج هذه المليارات لان ( الدولة ) ترفض سياسات الدولرة وتريد إن تحمي المواطن من تذبذب الأسعار وهي مسوغات لإرضاء المتعاملين بالدولار الذين ربما باتوا يملكون أكثر من احتياطي الدولة من الدولار ، وهذه السياسة مستمرة بثبات رغم إن تغيير أسعار الصرف كان من الممكن إن يغنينا عن القروض ويشجع على تفعيل الإنتاج الوطني ، وهذا الكلام رددناه مع العديد من المختصين منذ بداية الأزمة المالية ولم تجد تلك الدعوات والمقترحات أذانا صاغية ، وهو ما سمح باستمرار كذبة المزاد واستقواء القادرين على التحكم بأسعار صرف الدولار مقابل الدينار دون أن يحرك المركزي ساكنا لإيقاف هذا التدهور غير المبرر قط .