“العرب ظاهرة صوتية” كما ورد في أحد مؤلفات الفيلسوف السعودي د. عبد الله الغذامي، لكن ما حدث في العراق بعد 9 نيسان 2003، أثبت أن العرب ظاهرة صوتية لقول ما لا تفعل، لغط مهذار يصم الآذان من خلال مكبرات صوت على رؤوس المنائر، كلها تقع تحت طائلة بيت الشعر الذي قاله معروف عبد الغني الرصافي: “علم ودستور ومجلس أمة.. كل عن المعنى الصحيح محرف”.
يطيلون الحديث عن النزاهة وهم حماة المفسدين…
“العرب ظاهرة صوتية” لكن تلك الظاهرة في العراق لم تستحضر حتى مقومات إرساء تقاليدها.. لا تقاليد للكلام في العراق بعد 2003، كل يقول ما يعن له قوله، مستلذا بالمراءاة والإستعراض والتنافج فخرا بما ليس فيه واعدا ما هو عازم على الا يلتزمه.
ثمة تقاليد كلامية لو إستحضرناها، لتحولت المؤامرات السرية الى موقف معلن، من خلال الايمان بتباين وجهات النظر وليس الخلافات؛ بإعتبار أن كلاً منا يؤمن بطريقة منهجية تمثله.. خاصة به، يؤمن بالله ويعبر عن ولائه لوطن بواسطتها، ما ينفي الخلاف ويحيله الى تباين.
وبهذا ركد البلد، مثل ماء آسن في بركة نحتتها المياه الثقيلة؛ ولأن الدول في بنية فوارة لا تكتفي بالركود، إنما تنحت قبرها في الصخر إذا ركدت!
العراق توقف عن الصناعة والزراعة والسياحة والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية كافة، منذ 15 عاما، وبات رهين كلام أجوف.. يعتمد الخداع اكثر من المنطق الواقعي الصادق، يهذي به ساسة فاسدون، لا يريدون فعلاً حقيقيا.. يريدونها سكونية.. تنقضي بتأليب العواطف العقائدية.. سلبا وإيجابا، حتى لو ترتبت عليها فتنة طائفية تسفر عن حرب أهلية.. لا يهمهم، إلا أن يبقى الشعب مشغولا عن منافستهم على كرسي الحكم، وما يستلزمه الكرسي من سلطة وجاه ومال وتمرير لصفقات مادية ومعنوية تجهز على ما تبقى من العراق.
13 عاما حوصر خلالها العراق ظلما، وتوقع الشعب النجاة من الحصار يوم 9 نيسان 2003، لكن إقتحمه شذاذ الآفاق، الذين كانوا يدعون المعارضة، وإتضح أنهم طامعون بثروات البلد التي بددوا منها في أول ثلاث سنوات، ما لم يبدده النظام السابق في 35 عاما.
إفتعلوا عداوات داخلية بين فئات الشعب وخلقوا اعداءً للعراق في الخارج، وأنشؤوا “داعش” بعد أن فقدت “القاعدة” أهميتها، وكل هذا في سبيل ان يشغلوا العراقيين عن قدر وطنهم ومستقبله وينسبون فسادهم للحرب والإنفاق على حماية العراق من عدو يتربص به.. يصنِّعونه… بينما البلاد تنهار.
العراق سائر الى إنهيار، والساسة يدعون بأنهم يعالجونه… لكن بالكلام.. الكلام فقط.. كلام يسبق الانتخابات، بالطول والعرض، يتنصلون منه متنكرين لطروحاتهم ولا يسمحون لاحد بمحاسبتهم على ما قالوا قبل الانتخابات وما فعلوا بعدها…
الساسة العراقيون، ليسوا ظاهرة صوتية، إنما تحت الصوت والمنطق والافكار والإحترام… فهل يطيق الشعب صبرا لأربع سنوات مقبلة، لا جدوى من تحمل مزيدا من أسى يمكننا إيقافه بحسن الإختيار، يوم السبت 12 أيار المقبل.. فلنقطع شلال الفساد والدم وإنفلات دستور البلد من أيدي رعاته المقيدون لاحزابهم وكياناتهم الفئوية.. على حساب الولاء الوطني الذي يوجب أداء الإلتزام النيابي والوزاري الذي لا يلتزموه.
ظاهرة ليست صوتية.. ساسة العراق.. يا سامعين الصوت، فتجنبوهم!