حينما تعود بنا الذاكرة لتلك المواقع الالكترونية التي منحتنا سعة صدرها لتتقبلنا ناشرين وكاتبين لهموم الوطن والأمة بمختلف اتجاهاتنا الفكرية والسياسية والأيدلوجية ومن دون النظر من قبل القائمين عليها لهويتنا الدينية أو الطائفية أو القومية ، فذلك يوحي لمن يحترم قلمه أن يقدم العرفان ، يعلنه أو يخفيه في قرارة نفسه أو يصرح به ، وبذلك يكون قد قدم يسر من الوفاء لتلك الصفحات التي احتوته ، وها أنذا أدفع بيدي دفعا لتمسك القلم لتكتب عن هموم أصبح من المعيب تجاهلها حيث نشعر أننا نعيش على الهامش ولا نمتلك موقفا ولو أمام أنفسنا لقول كلمة حق في زمن الضياع والفوضى ، كي نقدم الشكر أولا لتلك الصفحات الالكترونية المفعة بالكرم الخفي دون سابق معرفة لمن تضيق به الدنيا فيحرر من قلمه صوتا لعل من يسمعه يستيقظ من الغفلة التي أصبحت طويلة جدا .
حاولت أن أمنع نفسي قبل أن أمنع قلمي من العودة للكتابة ، بعدما هجرتها سنين مضت ، لأني وكما هو غيري العديد من غرقوا بالإحباط من أشياء كثيرة ، فأصبحنا نرى وجهه الوطن كالحا ، قد أضاع طريقه ، وفقد مقومات صموده أمام عاتيات الزمن ، وكنا دوما نراهن على نواة لن تموت ، وقد تستيقظ في لحظة فتشق التراب وتنمو بهدوء لتعطي أملآ كاد أن ينتحر ، نتيجة تراكم الهموم ، وضياع البوصلة ، وفقدان المنقذ في زمن الشدائد ، والأكثر أيلامآ من كل شيء ، هو أن من يمزق من ثوب الوطن ، مواطنين يفترض أن يكونون أبنائه ومخلصين بالقول والفعل ، فمنهم من يتصرف من وراء قصد ! نتيجة خلفيات سياسية أو دينية أو طائفية ، وقد تم استغلالهم بشكل مدروس من قبل جهات لا تريد للعراق أن يعيش أو يتنفس ، ومنهم الجاهلون ، وهؤلاء هم السواد الأعظم من الموجودين اللذين لا يعرفون غير اللهاث وراء من يدفعهم حينما يدغدغ عواطفهم الدينية ، من دون النظر إلى خلفية ومصداقية تلك العواطف ومن يقف ورائها ، وما هي خلفيته ومرجعيته وتأريخه .
والقسم الأخير أولئك العقلاء والمثقفين اللذين يشعرون بالهضم والحيف مما يجري ، ويشعرون أنهم لا يملكون لا حول ولا قوة فيما يجري ، فاختاروا الوقوف متفرجين بحجة أن مجموعهم لا يؤثر وسط الطوفان المتلاطم من المتعاكسات والتجذابات والتدخلات الدولية والإقليمية ومن يحميها ويغذيها ، حينما أصبح صوت السلاح والتصفية هو الأبرز .
قالوا لنا أن الديمقراطية زارتنا فجأة فحلت ضيفة على شوارعنا وحاراتنا ، ولكنها خجولة لا تريد الدخول لبيوتنا ، ، فصدق بعضنا ذلك ، وترك بيته كي يلتقي تلك الوافدة على طارقة الطريق لأنه منزل مباح للجميع من دون تقاليد أو ضيافة ، فيخفف البعض على كاهله عناء الترحاب ، ولكنه أكتشف بعد فوات الأوان أنه قد أضاع بيته ، ونسي الطريق الذي يعيده أليه ، فظل متسكعا بشوارع لا تحميه من حر قائض أو شتاء ممطر ، فأصبح الوطن مشرد في
شوارع الوطن بعنوان جديد أسمه النازحون ، وقبله المهجرون ، والمبعدون ، واللاجئون ، وما أكثرها من تسميات ، وأقلها من كرامة !
الغائب الأبرز في كلما يجري ، هي ( العزيمة ) بعدما غائب قبلها ( الولاء ) ، وعندما تغيب عن عقولنا وعواطفنا هاتين الكرامتين لن يبقى شيء غير انتظار المجهول ، وتسليم مفاتيح الوطن والأمة للقراصنة والسراق ، ولأننا رضينا بأقل الضرر حينما حل بحجة قلته ، وصلنا إلى الضرر الأعظم بحجة الخوف منه ، فأصبح الحرام متفشيآ في أغلب مفاصل الحياة ، ولا يوجد من يشير عليه ويحذر منه بصدق ، ونكس ميزان العدل ، وأنعدم الواقع التربوي الحقيقي ، فنشأ جيل من المتخلفين والضعفاء ، حتى لا يقدر الوطن في قادم الأيام من تهيئة كوادر للعلم وعيون ترشد الوطن إلى التنمية والرفعة ، فحل علينا غضب الله وتلك بداياته وعلاماته ، وكما جاء بالحديث الشريف للرسول الأكرم ( ص) إذا غضب الله على قوم تسلط أشرارهم على أخيارهم ، وشحت أمطارهم ، وجفت أنهارهم ، ولو طبقنا هذا الحديث على واقعنا الحالي لوجدناه واضحا كالشمس !
إننا نعتقد أنه أصبح من الواجب علينا ككتاب وصحفيين وإعلاميين ، أن نبادر لتشكيل رابطة ثورية حقيقية تأخذ على عاتقها كما هو الطبيعي بهكذا اختصاص نقوم به ونمارسه ، أن نفعل شيء مفيد ، يخرج من إطار الكتابة والأعلام المقروء أو المرئي والمسموع ، إلى استثمار كل تلك الطاقات والنزول بها إلى معترك سلطة القرار الحقيقية والاستفادة من الأصوات الوطنية الشريفة والمخلصة ، وتشكيل تجمع واسع الطيف يتجاوز حدود الأديان والطوائف والبدء بوضع إستراتيجيه وطنية حقيقية لا تعتمد على دعم خارجي بل على إمكانيات وطنية خالصة ، يأخذ هذا التجمع على عاتقه إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى نلملم جراحاتنا ونعبر إلى ضفة أفضل مما نحن فيه ، أنها دعوة مخلصة ، وليس حلم نمتع مخيلتنا به .