للأديب أنيس ميرو
بقلم : جمال برواري
رغم وضع الكتاب في العصر الحالي حيث يكون عند صدوره قلة الاهتمام واللا مبالاة وعدم الإشارة إليه من قبل المختصين والمسؤولين بالشأن الثقافي من أعلى الهرم الثقافي إلى أدناه لا بالكتاب ولا بمؤلف الكتاب إلا أن الكتاب يبقى ذلك السحر الفكري والروحي والجمالي من حيث المضمون والمعنى فهو لصدوره يسجل تاريخا ليس سهلا حيث السهر والبحث والتدقيق والمتابعة والتأويل وعصارة تجارب أدبية اجتماعية فكرية جمالية تقدم للقارئ
من هنا كان صدور كتاب ” خطاب الإنسانية ” تجربة اجتماعية عميقة الأثر في تناقضات الإنسانية عامة وفي تمهيد للمؤلف يقول : ” بسبب ما مرت بها البلاد العربية كلها من أمور أتت بصورة متسلسلة وأثرت سلباً على الأدباء والمفكرين والفنون بصورة ملفتة للعيان كالحروب والأزمات السياسية والفكرية والتناقضات الإدارية والاجتماعية وسلطة الجهل والفساد الإداري، في هذا الجو الضبابي ضاعت الفنون والقيم الفنية وتم تجاهل المفكرين والأدباء.
وهم ركيزة حياة الشعوب في كل الأمور المتعلقة بالحياة والذوق ومراقبة كيف تسير الأمور ، ولكن استبشرت خيرا الآن بظهور كوكبة من الأدباء المتميزين في أحاسيسهم وفكرهم النير وإبداعهم و قيامهم بالتخفيف عنا من مظالم الحياة عبر كتاباتهم المتنوعة نقدا و شعراً ورواية وقصة. حيث هذه الكتابات تنقل الإنسان لفضاء
رحب وتنسيه همومه وتعيد إليه ذكرياته في تفاصيل متشعبة
ومنهم في كوردستان العراق الأديب الشاعر عصمت شاهين الدوسكي ” ص 3.
وضم الكتاب عناوين مختارة بدقة ” كلمة حق _ صورة المرأة _ جدلية السفير والأديب _ وطن النساء _ ماذا تبيع يا ولدي _ لا تنساني _ في حضرة شهرزاد _ أنت لامست الروح_ القلم وبناء فكر الإنسان _ طيفك والليل _ خروف محفوف _ أهل الكهف _ أفكار بعد أفكار _قصيدة زاخو مركز زاخو الثقافي _ دقت أجراس الكنائس مركز عشتار الثقافي – وطني ومولدة وقمر _ القلم العاشق في الزمن المحترق _ دهوك ” .قام بتصميم الغلاف الصديق الفنان الكبير نزار البزاز _ وأشرف على الكتاب والطبع مكتبة كازى بوك – دهوك. ” والجدير بالذكر إن المؤلف أنيس ميرو قاص وشاعر وباحث في الشؤون الأدبية والسياسية والاجتماعية وله الكثير من المخطوطات الأدبية القصصية والشعرية ويعتبر هذا الكتاب ” خطاب الإنسانية ” باكورة أعماله الفكرية حجم متوسط وعدد صفحاته 111 صفحة في غلاف جميل يدل على مضمون ومعاني الكتاب .
يقول المؤلف في صورة المرأة في قصائد الشاعر عصمت الدوسكي ” تعتبر قصيدة ” نسيت إنكم لا تقرؤون ” من القصائد التي جمعت صورة المرأة في الأزمات والوطن الجريح ومضامينها تقدم حلولا فكرية للتغير للأسمى والارتقاء بعنفوان الإنسان بدلا من تدهوره في ظل الجهل والفساد وإقحامه عمدا في الحروب والأزمات التي لا زمن واضح ولا حل ولا بديل لها ، ص7 ”
سيدتي عذرا ، لا تسألي
ابقي مهاجرة
نسيت إنهم لا يصغون
لا يتغيرون
نسيت أنهم لا يقرؤون
وعن قصيدة جدلية السفير والأديب يقول المؤلف ” الشعر عندما يلامس الواقع والأحداث التي يتناولها الناس يثير جدلا ما وقد يرضى هذا ويرفض ذاك وكلا الحالتين هي جذوة فكرية وشعلة من نور قد يحرك الساكن المؤلم ويدفع بالمتغير إلى الأمام ، كثرت في الآونة الأخير بين الأدباء والجروبات الألكترونية الأدبية والمنظمات الإنسانية إصدار شهادات مختلفة منها ” شهادة دكتور ، شهادة سفير السلام ، شهادة رجل السلام ، شهادة عميد الأدب العربي وغيرها من المسميات الكثيرة ” الأديب والشاعر عصمت شاهين دوسكي ناول هذا الجانب المهم شعريا ،كتب روعته قصيدة ” سفير بلا سفارة وأديب بلا أدب ” تطرق لحالات أصبحت واقع حال في زمن تخلت الدولة عن رعايتها للأدب والأدباء الحقيقيين ”
سفير بلا سفارة وأديب بلا أدب
رمى الأوراق
وبحث في تاريخ مقتضب
اعتلى منبر واهن
قال : أنا السفير أنا الأدب
الحرف يهرب منه
كحصان لا يعرف اللوم والعتب
فلا عجب أن يكون سفيرا
في عصر جهل وثب
ولا عجب أن يكون أديبا
في عصر النفاق والشقاق والخطب – ص 18
وعن العدالة الاجتماعية في قصيدة ” ماذا تبيع يا ولدي ..؟ ”
” هذا الوجع الإنساني بين السبب والمسبب يبيع في صينية الزاد وهي وجدت للطعام في البيت ” ألم يبقى طعام في البيت ليأكلون ؟ ” أسئلة تحتاج من المسؤولين جواب ، هذا الأديب يحمل هموم مواطنيه وهم الأغلبية التي لم تجد رغيف الخبر ولا عيش كريم .
وفي قمة الألم يصور لنا الشاعر قمة الظلم والقسوة عبر نسيان تطبيق ” العدالة الاجتماعية ” التي هي حق لكل فرد في المجتمع عامة ، حق العيش الكريم الذي يبعد الأيدي عن السرقة والقتل والجهل والفساد .ص 29
ماذا تبيع يا ولدي
لم يبقى شيء في البلاد لم يباع
حتى الضمير المكنون …؟
ابشر خيرا يا ولدي ..!!
عظماؤنا على العرش نائمون
وأنت يا ولدي تضع رأسك على الجدار
تعلم الفقراء من شدة الظلم كيف ينامون!!
وفي قصيدة دهوك الشاعر يستنطق المكان والطلل بإيقاع شعري بصري تأملي في ظل طغيان المادة والمناصب التي غيرت الصديق والقريب والبعيد ويمضي الشاعر يتذكر صور ذكريات طفولته والعودة لتلك الأيام الخوالي من طفولته وتمضي الذكريات مع الأهل والأحباب وأصدقاء الطفولة والحنين لمن فقدناهم من حبيب وصديق وخليل وصور أزقتها القديمة وشوارعها وبساتينها وجريان ماءها من الجبال والوديان عبر هذه التراجيديا الملحمية لأحداث جميلة وحزينة مهلكة توالت على هذه المدينة الأبية بتسلسلها الزمني . ويقول في مقطع آخر من قصيدته:
فإذا الصمت هدر
كصمت جبالك العائمة
على صدرٍ حنين
تجمعت الغيوم فألبستك
وشاحاً من عمق السنين
احبك والحب فيك نعمة
فتحتار ..
” كري باصي وبروشكي” من حبي
وتغار ” حي الملايين. ” ص96
وفي كلمة حق يقول المؤلف أنيس ميرو خطاب الإنسانية ليس سهلا بل حمل ثقيل يوضح من خلال الصور الشعرية أبجدية الواقع بما يحمله من تناقضات ومكابدات ومعاناة وفي نفس الوقت الحب والجمال والنقاء والوفاء والحلم والأمل والوعي والارتقاء ، جل هذا الخِطاب يجسد مفاهيم الحياة ومضامين ترسو في الذات أولا ثم تتجلى على وجه الواقع ثانيا لكي ترسم على أرض البشرية حقيقة الإنسان بما له وما عليه .
أرجو أن أكون وفقت في نقل خِطاب الإنسانية في بعض قصائد الشاعر عصمت شاهين دوسكي في رؤية عصرية سهلة التناول والتأويل عسى أن تكون بصمة مؤثرة للأجيال القادمة . ص4
**************************
الكتاب : خطاب الإنسانية
في قصائد عصمت شاهين دوسكي
تأليف : أنيس ميرو
طبع : مكتبة كازى بوك
الغلاف : الفنان نزار البزاز
رقم الإيداع : في المديرية العامة في محافظة دهوك
( D- 2445-23 )