أول قصة طالعتها في حياتي هي قصة (درهم الخال عمارة )، كان ذلك في عام
1977 وفي مكتبة الطفل العربي تحديدًا.
كانت القصّة مختصرا مفيدا لحياة أبي عمرو الجاحظ أحد أهم أئمة الكتابة في التراث العربي.
لا أتذكر الآن اسم المؤلف الذي صاغ سطور تلك القصّة البديعة، وجعلها في مرمى اهتمام الأطفال!
في الواقع كان لقصة (درهم الخال عمارة) أبلغ الأثر في نفسي إلى الحد الذي جعلني أتقمص شخصية بطلها الجاحظ ، وأحذو حذوه في ادخار الدراهم سعيًا لشراء الكتب، وعليه فقد بدأتُ أجمع الدرهم تلو الدرهم لأشتري كتابي الأول، وهو رواية (تاجر البندقية) لشكسبير.
وكم كانت خيبة أملي عظيمة عندما عرفتُ أن قصة ( تاجر البندقية) من أولها لآخرها ليس لها علاقة بالبندقية التي يستعملها الجنود في معاركهم، وإنما هي تشير إلى مدينة إيطالية ! وما ضاعف إحساسي بالمرارة أنّني اشتريتها بمبلغ ستة عشر درهما، وهو مبلغ استلزم مني ادخارًا صارمًا على مدى أسابيع طويلة، لكنني خرجت من تلك (النكبة) بدرس مهم وهو أنني لن اشتري قصة أو كتابا أبدا إلا بعد أن أعرف المقصود من عنوانه بالضبط، غير أنني ومع حضور هذا الدرس البليغ في ذهني منذ ذلك التاريخ البعيد ما زلت أتعرض لنكبات مشابهة لتلك التي حدثت معي قبل أربعين عاما تقريبا، والسبب أيضا هو اكتشافي لمخالفة عناوين الكتب المشتراة لمضامينها…
قبل أيام اشتريتُ كتابا من إحدى (بسطيّات) شارع المتنبي، وهو من تأليف ناقدة عراقية تتناول فيه ما سمّته: السرد القصصي في شعر أحد الشعراء…
في الواقع لم أر في الكتاب سردًا قصصيا قط، وأقصى ما ورد فيه لم يتعد تسجيل سيرة ذاتية للشاعر، وإطراءً واضحًا على شخصية الشاعر، وحديثا إنشائيًا ليس له علاقة وثقى بالسرد، أو الشعر كما أفهمهما…
لمتُ نفسي ؛ لأنني لم أتعلّم بما فيه الكفاية من تجاربي السابقة في شراء الكتب، فها أنا أقدمُ مرةً أخرى على شراء كتاب انخداعًا مني بعنوانه أيضًا، ولكن ما هوّن عليّ الأمر في هذه المرّة أن سعر الكتاب هو ألف دينار فقط! أي ما يعادل درهما واحدا وربما أقل من عملة أيام زمان.