كتاب : كِتَابُ الوَصَايَا .. إشْكَالِيَّاتُ التَّلَقِّي وَرَهَانَاتُ التَّأوِيلِ.
المؤلف : الدكتور بليغ حمدي إسماعيل
الناشر : وكالة الصحافة العربية ( ناشرون ).
سنة النشر : 29 نوفمبر 2021.
إلى أين تأخذنا هذه الوصايا؟
عن وكالة الصحافة العربية ( ناشرون ) صدر الكتاب الجديد رقم 23 للدكتور بليغ حمدي إسماعيل ( أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية المساعد بكلية التربية جامعة المنيا ) والذي يتناول فيه تحليل بعض الأعمال الأدبية الشعرية والروائية لكبار الأدباء العرب المعاصرين ، ويشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أنه لم يشرع في التخطيط لفصوله أو اختيار أصحاب الأعمال الأدبية المتضمنة به ، ويؤكد أنه لم يخطط من الأساس في اختيار الأعمال الأدبية الواردة تفصيليا تفصيليا في الكتاب بل جميعها جاءت وفق اختيارات وجدانية تارة ، وأخرى زمنية راهنة تارة أخرى ، وهذا ما فرض على الكتاب تسميته بكتاب الوصايا ؛ إذ أن شخوص الكتاب الأكثر تميزا وتفردا بأعمالهم ومسيرتهم الاستثنائية يمثلون جملة من الوصايا ليست الأدبية ، بل جملة من وصايا الحياة في إحداثياتها المتباينة والمتنوعة .
ويشير الدكتور بليغ حمدي إسماعيل في مقدمة الكتاب التي حملت عنوان ” إلى أين تأخذنا هذه الوصايا؟” إلى وجود ثمة روابط وشيجة تجمع بين تلك الوصايا وأصحابها ؛ تتمثل في حالة الإبداع الجماهيرية التي صنعتها أعمال هؤلاء ، فضلا عن كون أصحابها أيضا لم يعتبروا الأدب حرفة أو صنعة أو وسيلة لكسب العيش فحسب ، بل إن احتراف الكتابة لدى هؤلاء بمثابة تجسيد للتاريخ الآني الذي يعيشون فيه ، وأنهم بحق صاروا في مصاف كتَّاب التاريخ الذين يسجلون أحداث الزمان بأقلامهم ، ثم يسجلون شهادتهم التاريخية على هذه الأحداث أيضا.
ثم يوضح إجابة السؤال الذي جعله مفتتحا لكتابه فيقول : ” يرى بعضهم أن الوصايا تأخذنا لقراءة أدب هؤلاء ، بينما يرى بعض آخر أن الوصايا كفيلة بتخليد ذكر بعض المبدعين من الشعراء والروائيين، أما من تبقى فيرى ضرورة الاهتمام بالحالة الأدبية العربية وربما العالمية أيضا لأن الأدب في طريقه للمحو في ظل عالم مادي تكنولوجي يصارع البقاء. لكن هذه الوصايا بجانب كل ادعاءات البعض والكثيرين أيضا تستهدف أمرا آخر ؛ الأدب هو مرآة التاريخ ، ولم يعد أدب الخيال العلمي وفن الافتراضات التخيلية محط اهتمام في عالم استحال فيه الذكاء الاصطناعي واقعا حيا ملموسا ومشهودا ، وربما غفل المؤرخون قليلا ويئس بعض منهم كذلك في رصد وتسجيل واقعنا الحديث والمعاصر ، فجاء الأدب الحي ، نعم الحي الذي رصد وفسَّر وكتب سطورا تاريخية بلغة أدبية كشاهد عيان على تاريخ مَرَّ من هنا ويستحق اكتراثا كثيرا وطويلا من التأمل والتدبر والتأويل” .
كما يعضد المؤلف عدة حقائق نقدية أصيلة ؛ منها أن النص الأدبي المعاصر يحتاج إلى قراءة متدبرة واعية تصل إلى حد تأويل المقروء هدفها تعرف مبنى النص ومعناه ، حيث يرى النقاد المعاصرون أن قراءة النص الأدبي تتنوع بين القراءة الأدائية التي تصل إلى مستوى القراءة الجمالية ، أو قراءة فلسفية ، وهذه الأخيرة هي أرقى أنواع القراءات لأنها إبداعية تتعامل مع النص من خلال القراءة الإسقاطية للقارئ والكشف عن البنى الداخلية له وتأويلها .
كما يؤكد في تناوله للأعمال الأدبية الواردة بالكتاب أن القراءة المعاصرة تعد نشاطا فكريا يشحذ قدرات المتعلمين ويمكنهم من إعادة صياغة العالم ، ويزيد من قدرتهم على مواجهة الحياة بصورة أفضل ، وهي نشاط فكري وليد هذا التمازج بين التوافق والتباين والتوقعات والمفاجآت . والقراءة الإبداعية بوصفها إحدى نواتج التعلم للتربية اللغوية المقصودة لا تكتفي بجعل القارئ مستوعبا فقط لما يقرأ وناقدا له فحسب ، بل تتعدى ذلك صوب التعمق في النص المقروء ، والسعي لإيجاد علاقات وروابط جديدة بين أفكاره ومكوناته ، وإبراز حلول متنوعة للمشكلات التي يطرحها النص الأدبي
ويبرز المؤلف ثمة ملامح رئيسة في المشهد النقدي الراهن ، منها إذا كانت التربية اللغوية المعاصرة تكرس لفعل الحرية وتعززه ، وهي في نهاية الأمر تهدف ـ بإجراءات مخططة ـ لإكساب المتعلم آليات المشاركة في النسق الاجتماعي اللغوي ، فإن القراءة الإبداعية تعد تجسيدًا مطابقا لفعل الحرية الذي تركز عليه التربية اللغوية المعاصرة كونها تضمن تفاعل القارئ مع النص المقروء تفاعلا واعيا يستخدم من خلاله مهارات التفكير الإبداعي ، فيقوم بإنتاج احتمالات عقلية متنوعة ، ويطرح علاقات وتراكيب متعددة وأصيلة ، معتمدا في ذلك على المعلومات والطروحات الواردة بالنص بعد صهرها بخبرات القارئ السابقة في إطار من الطلاقة والمرونة والأصالة والتوسع
ويأتي الكتاب في بابين رئيسين ؛ الأول ويختص بالشعر والشعراء ليس من باب الترجمة الذاتية والسيرة التاريخية للشاعر فهذه أمور باتت تُحكى على المقابر وندوات التأبين ولحظات الرثاء الكاذبة ، بل الشعر بوصفه طاقة خلاقة للتغيير ، ومحاولة لمبارزة مقولة الشاعر العربي الكبير والاستثنائي ” أدونيس ” التي يقول فيها : ” ماذا يقدر أن يفعله الشعر ورجلاه قيود وعلى عينيه أسوار الظلام ” .
ويؤكد بليغ حمدي إسماعيل على أن القصيدة هنا تأتي ليست بوصفها الاعتيادي جملة من الكلمات والمشاعر والأحاسيس التي يمكن تسجيلها في خطاب غرامي ، أو سرد حزين لفقدان الوطن والحنين إليه في الغربة ، بل القصيدة الثورة التي تمتلك كافة مقومات التنوير والتثوير والتجديد بوصف الشعر عنصرا ثابتا ومقوما رئيسا من مقومات تجديد الفكر العربي لذا فاختيار الشعراء هرب طويلا وبعيدا عن شعراء يمثلون أعمدة الشعر العربي كأحمد شوقي والبارودي والسياب وحافظ إبراهيم وفدوى طوقان وإبراهيم ناجي وغيرهم ، ولجأ إلى أصوات شعرية تشبه وجوهنا وبشرتنا وربما وَجْدِنا اللامنتهي كذلك لتاريخ كنا نحلم بقاءه طويلا.
ويواجه بليغ حمدي إسماعيل في كتابه ( كتاب الوصايا ) المشهد النقدي القائم بقوله ” إن أسوأ عاداتنا النقدية التي تربينا في كنفها الارتكان صوب الصوت والحركة واللون والعاطفة المسيطرة والتجربة الشعورية ، تلك العلامات غير المضيئة التي اعتادت الكتب المدرسية أن تلقنها للتلاميذ في المدارس ومن ثم نشأ جيل كامل وكبير يرى في القصيدة ألوانا وحركات وعواطف ومشاعر وأحاسيس فحسب ، دون التطرق إلى كنه القصيدة بوصفها نصًّا تجاوز اللغة إلى تخوم الفكر والرؤية التي تهرع نحو التغيير والتجديد”.
ويرى المؤلف أن هذا الملمح التثويري والتنويري هذا نجده بالضرورة في النصوص الشعرية لمحمود درويش وسميح القاسم وأدونيس وبالقطع لدى محمد عفيفي مطر الأقرب للرمز الصوفي المطلق ، ونزار قباني الذي جعل من ألفاظ اللغة قنابل غير موقوتة قابلة لتفجير المخيلة العربية الراسخة في ظنونها وسباتها الطويل.
أما الباب الثاني فكان عن النثر والحالة السردية العربية ، وفي مقدمته يقول بليغ حمدي إسماعيل ” وحينما نهرع نحو السرد فإننا نقص حكاياتنا العربية الراهنة والتي لا يمكن الفكاك من تفاصيلها ، فإذا كان العرب قديما وحتى منتصف القرن العشرين مرورا بأعقاب الحرب العالمية الثانية وما أسفرت عنه من ثورة أدبية أعلنوا مرارا وتكرارا بأن الشعر ديوان العرب ، جاء الروائيون المعاصرون بوقفة احتجاج إبداعية ضد مقولة سادت واستقرت حتى هرب من سياجها شعراء قصيدة النثر محلقين في فضاءات مغايرة يشبهون فيها الصوفية بنصوصهم العجيبة والفريدة. أما الروائيون فقد قرروا صنع عالم موازٍ لحياة العرب من خلال نصوصهم السردية التي لم تعد قصصا مسلية أو حكايات تصلح للحكي قبل النوم ، بل هي روايات ضاربة في واقع راهن لا تحكي عنه فحسب ، بل تضمن سيناريوهات جديدة إما للعيش مع هذا الواقع ، أو تغييره للأفضل ، أو التمرد عليه بغير نهايات مغلقة” .
ويؤكد المؤلف على أن الرواية العربية باتت اليوم جزءا أصيلا من حركة التاريخ سواء في توصيف الحدث الزماني ، أو في التنبؤ بسيناريوهات مستقبلية للمكان ، وهذا ما جعل الرواية العربية المعاصرة اليوم تتخلى قليلا ، بل كثيرا أيضا عن الثيمات القصصية الاعتيادية من قصة حب عابرة ، أو صراع التقاليد والعادات بين الأجيال إلى تصوير الحياة الصادقة التي نعيشها والتحولات التي عصفت بالمجتمعات العربية بغير رحمة .
ويعتمد الكاتب في تأويله وتحليله للنصوص الأدبية الواردة بالكتاب على نظرية التلقي ؛ حيث تعد نظرية معاصرة من نظريات ما بعد البنائية في نقد وتحليل النصوص الأدبية ، والتي تهتم بشكل رئيس بالبحث عن المعاني والدلالات الكامنة وراء الألفاظ والتراكيب والجمل داخل النص ، والكشف عن منطقية عرض المعلومات داخل النص ، ومدى اتساقها وتسلسلها تعبيرا عن أفكار النص المقروء ووفقا لنظرية التلقي فإن القارئ لم يعد منوطا بالبحث عن المعنى بل ببنائه ووصف ما لا يراه النص نفسه.
ويؤكد المؤلف اِلتزامه بنظرية التلقي لهاربرت ياوس ( Jauss ) رائد هذه النظرية حينما أشار إلى بعض المفاهيم والآليات القرائية التي يمكن أن يمارسها القارئ ويستخدمها في أثناء تناوله للنص الأدبي مثل أفق التوقع الذي يعد أداة أساسية في عملية قراءة النص الأدبي وتأويله بحيث يسمح بتحديد القيمة الجمالية للنص ووصف المقاييس والمعايير التي يستخدمها القارئ في الحكم على النصوص الأدبية . والسؤال والجواب ، حيث لا يمكن فهم النص الأدبي إلا إذا فهمنا السؤال الذي يجيب عنه هذا العمل ، فكل قراءة للعمل الأدبي عبارة عن سؤال وجواب مع هذا العمل . ومن مفاهيم النظرية المسافة الجمالية التي تعني المسافة بين أفق التوقع والنص الأدبي، وبين ما تقدمه التجربة الجمالية السابقة من أشياء مألوفة. أما مصطلح الفجوات أو الثغرات الذي قدمه ياوس في إطار نظريته فيشير إلى عملية مشاركة القارئ في إنتاج النص ، وأن النص بما يحتويه من مخططات ورؤى مختلفة يحتاج إلى شئ ما يربطها لكي يظهر المدرك الجمالي.
ويتناول الكتاب الحالي عددا من الفصول التي تتناول الوصايا الأدبية لمجموعة من الشعراء والروائيين المعاصرين ، وجاءت فصول الكتاب كالتالي :
الباب الأول ـ الشعر :
1 ـ يَوْمِيَّاتُ الحُزْنِ غَيْرِ العَادِي .. قِرَاءَةٌ فِي الأَطْوَارِ الشِّعْرِيَّة لمَحْمُود دَرْوِيْش
2 ـ صَلاَحُ عَبْدِ الصَّبُورِ .. قِصَّةُ الفَارِسِ القَدِيْمِ فِي الزَّمَنِ الجَرِيْح
3 ـ سَمِيْحُ القَاسِم .. حَكَايَا شَاعِرٍ صَوْبَ القَصِيْدَةِ
4 ـ شِعْرُ العَامِّيَّةِ فِي مِصْرَ .. صَلاَحُ جَاهِين نَمُوذَجَاً
5 ـ الجسد أيضاً يثور .. عيون غائرة تأبى الارتواء (قراءة غير استثنائية في ديوان خلود المعلا)
6 ـ النَّصُّ المُتَشَظِّي .. مُقَارَبَةٌ نَقْدِيَّةٌ لاقْتِنَاصِ أدُونِيْس ومَشْرُوعِهِ الشِّعْرِيِّ.
7 ـ بوب ديلان .. تتويج الأغنية الشعبية
8 ـ شغف الأنثى الشاعرة .. ناهدة الحلبي
9 ـ رهانات التأويل وآفاق التلقي فِي شِعرِ مُحَمَّد عَفيفي مطر.
10 ـ نزار قباني .. القصيدة العربية الغاضبة.
الرُّوَايَةُ .
1 ـ نَجِيْبُ مَحْفُوْظ .. أوبْرَا الحِكَايَاتِ ومَقْهَى الحَكْيِّ
2 ـ جَمَال الغِيْطَانِي .. السَّردُ في صُورَتِه المُدْهِشَةِ ! سِحْرُ الرُّوَايَةِ الأوْلَى ( الزِّينِي بَركَات أنْمُوْذَجًا )
3 ـ اَقْتِنَاصُ التَّفَاصِيْلِ المُمْكِنَةِ .. مُقَارَبَةٌ نَقْدِيَّةٌ لِرُوَايَةِ ” أشْيَاء عَادِيَّة فِي المَيْدَانِ” للسَّيِّد نَجْم .
4 ـ أَصَابِعُ لُوْلِيْتَا .. أوْ مَلامَحُ هارِبَةٌ في لَوْحَةٍ مَجْنُوْنَةٍ .. قراءة في رواية واسيني الأعرج.
5 ـ المَسْرَحُ فِي مُوَاجَهَةِ زَمَنِ الرُّوايَةِ .. قِرَاءَةٌ فِي مَسرَحِيَّةِ ” الأسْطُورَةِ” لمينا ناصف.
6 ـ قَيْدُ الدَّرْسِ .. لَنَا عَبْد الرَّحْمَن تَمْنَحُ قُبْلَةَ الحَيَاةِ لِرُوَايَةِ التِّيْهِ ! ؟.
ويقع كتاب ( كتاب الوصايا .. إشْكَالِيَّاتُ التَّلَقِّي وَرَهَانَاتُ التَّأوِيلِ) الصادر عن وكالة الصحافة العربية ( ناشرون ) في مائتين وأربع وعشرين صفحة من القطع المتوسط.