23 ديسمبر، 2024 1:45 م

كتابنا ونظرية “البزون”

كتابنا ونظرية “البزون”

ليس المطلوب  من الكاتب الوقوف على مسافة واحدة من هذا الطرف اوذاك   بقدر ما مطلوب منه الوقوف على مسافة واحدة من الحقيقة. ايا كانت هذه الحقيقة مرة ام حلوة. فربما  يكون هذا الطرف اوذاك  عزيز  علينا لهذا السبب اوذاك ايضا ..ولكن الحقيقة “اعز” مثلما قال ارسطو في معرض تقييمه لاستاذه افلاطون حين قال “افلاطون عزيز علينا ولكن الحقيقة اعز”. 
والحقيقة الثابتة والتي يفترض ان لا جدال فيها هي الوطن. فالوطن لاينبغي  ان يخضع   للمساومة  لاي سبب من الاسباب ومن قبل اي طرف من الاطراف. والسؤال هو .. هل ما يحصل عندنا هو ما نريده او نتمناه فعلا من حيث تغليب روح المواطنة على ما عداها من “ارواح” حزبية وعشائرية وعرقية ومذهبية ومناطقية؟  انا شخصيا اشك في ذلك. ولست وحدي من يشك بل استطيع القول ان هناك شعورا عاما بان ما يجري ليس هو ما يجب ان يكون.
 لا اريد هنا الحديث عن السياسيين او رجال الدين او شيوخ العشائر او الاحزاب او من لف لفهم . ومع انه لايجوز التعميم حتى بين هؤلاء لكن علينا الاقرار ان الاستثناءات بينهم نادرة. ان ما اود التركيز عليه هنا هم الكتاب وبالذات كتاب الراي ممن لديهم اعمدة وزوايا ثابتة في العشرات من الصحف العراقية.  هناك مقولة شعبية مفادها ان “البزون يفرح بعزاء اهله”. والسبب ان العزاء وان كان ينطوي على لطم وبكاء  فان “البزون” يختزله بموائد الغذاء العامرة التي لايجد لها مثيل في الايام العادية. بل لعل البزون يستغرب على ماذا يبكي هؤلاء وهم يقيمون كل هذه الولائم الدسمة؟ مايحصل عندنا قريب الى حد كبير من هذه النظرية للاسف الشديد. فغالبية ما يكتب عندنا الان على كثرة ما لدينا من ازمات وماس تنطبق عليه هذه النظرية القططية بحذافيرها.
فما يتم تناوله عبر الاعمدة والزوايا لايؤثر في الراي العام ايجابيا على مستوى الاستنهاض بقدر ما يؤثر اذا كان له من تاثير على مستوى التحريض وذلك من خلال اما اتباع سياسة “حب واحكي واكره واحكي” او التعبير عن”اجندة” سياسية او عرقية او مذهبية واحيانا اقليمية او دولية. ولعل اكثر مما يحز في النفوس ان نجد كتابا هنا او هناك تحولوا الى جنرالات يقودون فرقا وفيالق في معارك المصير.
يمكن ان يكون ذلك مبررا الى حد كبير حين يتعرض الوطن الى خطر خارجي يستوجب من الجميع الدفاع عنه. لكن ان يرتدي كتابا ومحللين سياسيين  بزة العسكر لمجرد وجود صراع داخل الوطن في مناطق تورط الان من اطلق عليها من قبل “المتنازع عليها” او ان هناك حديثا عن شبهة فساد في هذه الصفقة او تلك فان مثل هذه المسائل يمكن ان تتولاها جهات واطراف غير من يفترض انهم يتولون صياغة وصناعة الراي العام في البلاد. حيث اقل ما يفترض فيهم ان يكونوا الاكثر دقة وهدوء وعمقا في التحليل والرؤية والاستنتاج بالقياس الى الاخرين ممن يتحركون وفقا لقاعدة .. على حس الطبل.