18 ديسمبر، 2024 5:56 م

كتابة فوق الكتابة

كتابة فوق الكتابة

أهمية التفاعل بين النصوص لا تكمن في القيمة التاريخية أو الدينية أو الأدبية للنصوص التي يقيم الكاتب تناصه معها، بل في الدلالات الجديدة التي تكتسبها الشخصيات وأحداث العمل الجديد.

لا تقتصر وظيفة القراءة بالنسبة إلى الكاتب على تطوير معرفته وإغناء تجربته، لأن هذه هي وظيفة القراءة بصورة عامة، بل إنها تتجاوز ذلك إلى الإبداع عندما تسهم في توليد أفكار جديدة، تكون نواة لعمل جديد، نابعة من داخل العمل نفسه، حيث يعيد الكاتب بناء العمل دلاليا وجماليا، بصورة يعبر فيها عن وعيه الخاص بالتجربة الجديدة، التي يعيشها في الواقع.

في هذا السياق يمكن الحديث عن أعمال أدبية كثيرة استطاعت أن تعيد توظيف فكرة عمل سابق في عمل جديد، يستمد قيمته من إعادة بنائها، على نحو يكتسب معه هويته الإبداعية الجديدة. في مسرحية “هاملت يستيقظ متأخرا”، للشاعر والكاتب ممدوح عدوان، يعيد الكاتب توظيف تجربته وشخصيته في مسرحية شكسبير للتعبير عن تجربة هاملت العربي، الذي يكتشف متأخرا التضليل والخداع السياسي والأيديولوجي الذي مورس، من قبل أنظمة وأحزاب اغتصبت السلطة باسمه، وعندما اكتشف ذلك عملت على قمعه.

ولا تختلف كثيرا مسرحية الملك، هو الملك للكاتب سعد ونوس، التي اقتبس فكرتها عن حكاية النائم واليقظان في الليلة الثالثة والستين، في كتاب ألف ليلة وليلة عن مسرحية عدوان، من حيث توظيفها للحدث والشخصية لفضح سلطة الاستبداد وما يحاك داخلها من ألاعيب لتأبيد سلطتها، عبر تصفية خصومها.

ولم يكن توفيق الحكيم في أعماله المسرحية الكثيرة أقل اشتغالا على هذا التوظيف لنصوص دينية ومسرحية عالمية، فقد كان قريبا من ونوس على مستوى الطبيعة الذهنية للعمل. ويكفي أن نتذكر أسماء العديد من مسرحياته، أهل الكهف والملك أوديب وبجماليون وسليمان الحكيم حتى ندرك هذه العلاقة التفاعلية القائمة بين أعماله ومرجعياته النصية المختلفة.

ومن يقرأ رواية واسيني الأعرج أصابع لوليتا يدرك منذ العنوان مدى حضور هذه الشخصية الروائية في روايته، وما شكلته من حالة تماه بين بطلته وبطلة تلك الرواية حتى على مستوى تجربة العشق، لكن لوليتا الأعرج هي ابنة التجربة الجزائرية في مرحلة العنف الدامي الذي شهدته الجزائر خلال التسعينات، حيث يختلط الحب بالموت. ولم تكن رواية زوربا البرازيلي لجورج أمادو إلا صورة أخرى لرواية كاتنتزاكي زوربا اليوناني.

أهمية هذا التفاعل بين النصوص لا تكمن في القيمة التاريخية أو الدينية أو الأدبية للنصوص التي يقيم الكاتب تناصه معها، بل في الدلالات الجديدة التي تكتسبها الشخصيات وأحداث العمل الجديد، أو في إعادة بنائها جماليا ودلاليا للتعبير عن قضايا الواقع والإنسان الراهن، في حين أنها تتخذ في الشعر الحديث بعدا أكثر تكثيفا وتنوعا فنيا وجماليا.

نقلا عن العرب