19 ديسمبر، 2024 1:35 ص

منذ الصف الرابع ابتدائي بدأت موهبتي في الخطابة والكتابة بالظهور بشكل واضح.. وكان لاستحسان معلمي الأستاذ صبحي الشيخلي وتشويقه ليً بالتواصل في القراءة والكتابة الحافز في دفعي الى الأمام وتطوير كتاباتي.. وخلال دراستي الثانوية أصبحتُ في مقدمة الطلبة في الكتابة.. وحصلتُ على عدة جوائز في المسابقات التي تقيمها مدرستنا.. أو مديرية التربية.. وحصلتُ على (قلم باندان) من جلالة الملك فيصل الثاني لفوزي الأول في الكتابة على مديريات تربية العراق كافة.. مما شجعني للاستمرار في القراءة والدراسة لأكون من المتفوقين في المدرسة والكلية ودراساتي العليا.
في أواخر شهر رمضان العام 1950 وأنا بعمر العشر سنوات.. مرت بي حادثة ظلت محفورة في ذاكرتي.. فقد فقدتً فردة حذاء الذي اشتراه ليً آبي بمناسبة العيد.. وفي اليوم التالي اشترى لي والدي حذاءً جديداً آخر.. وفي يوم أول أيام عيد الفطر المبارك… وجدت فردة حذائي لدى طفل فقير.. وبعد شجار بيني وبينه تبين انه وجدها في الشارع.. وأخيراً أعطيته الفردة الثانية بإشارة من أمي.. وأصبحنا أصدقاء أنا وحسن الذي لقبته (حسن فردة).
المهم: في آذار العام 1958 طلب منا أستاذ اللغة العربية أن يكتب كل طالب قصة (حادثة) حقيقية مرت به.. لاختيار أفضل ثلاث قصص للمشاركة في المسابقة السنوية لتربية بغداد.. فكتبتُ قصة فردة حذائي أعلاه.. بعنوان: (حسن في العيد).. رويت فيها حادثتي وحال حسن الفقير في العيد.. نالت القصة إعجاب الأستاذ وطار من الفرح.. وصاح بصوت عال (فزنا بالجائزة الأولى في المسابقة).. وفعلاً هذا ما تحقق.
وفي مساء ذلك اليوم قصصتٌ لوالدي قصتي ورأي الأستاذ فيها.. وصادف أن كان في بيتنا تلك الساعة صديق والدي محمد حسين أبو أقلام (أبو قيس) معاون مدير عام مديرية السكك الحديدية آنذاك.. فقرأها أبو قيس وأعجب بها.. وقال ليً أرسلها إلى جريدة الزمان لنشرها.. وفعلاً نشرتها الجريدة في 19 أيار 1958.
استمر أستاذ اللغة العربية بتشجيعي فكتبتُ مقالتي الثانية بعنوان: (أمي.. الجنة تحت أقدامكِ).. وسلمتها للجريدة أيضاً.. ونشرت في 18 حزيران من نفس العام في نفس الجريدة.. وكتبتُ المقالة الثالثة بعنوان: (حب الوطن من حب الله).. وسلمتها أيضاً إلى رجل الاستعلامات في الجريدة.. الذي اقتادني إلى مسؤول الجريدة.. وسألني مسؤول الجريدة: (من يكتب هذه المقالات ؟).. قلتٌ له أنا.. لكنني شعرتُ انه لم يصدق كلامي.. فأردفتُ قائلاً: (أستاذ إذا تريد هسه أكتب أي مقال).. أبتسمً الرجل ورتبً على كتفي.. وقال: (سوف ننشر لك هذه المقالة بعد أربعة أيام.. وتعال إلى هنا.. سوف نعطيك نسختين من الجريدة ومكافأتك).. لم أفهم ماذا يقصد بمكافأتي!!
استثمرتُ هذه الأيام الأربعة.. وذهبتُ يوم السبت 12 تموز 1958 حاملاً مقالتي الرابعة بعنوان (بغداد.. مدينتي العطرة).. وقال ليً المسؤول: بعد أن قراءها.. وأنا جالس أمامه (إنها أروع ما كتبتً لنا حتى الآن).. سوف ننشرها يوم الخميس.. وسلمني نسختين من الجريدة.. وفيها مقالتي الثالثة منشورة فيها..واستلمتُ دينارين عن مقالاتي الأربعة.
بالمناسبة كلمة (العًطِرة) في عنوان المقالة اقتبستها من صديقتي نجوى.. التي قالت لي اشتريت عطر جديد من أورزدي بالك.. يخبل)
وقبل أن يأتي الخميس.. وفي فجر يوم الاثنين 14 تموز 1958.. قامت الثورة وسقط النظام الملكي وأقيمت الجمهورية.. وأغلقت الجريدة وضاعت مقالتي.. وانشغل العراقيون بالثورة.. ولم يمضي شهران حتى انقسم العراقيون الى خندقين متقابلين.. وبدأ الصراع الدموي فيما بينهما.. ولم ينتهي حتى اليوم.. وضاعت بغداد.. بل وضاع العراق كله.
واليوم شبابنا يريدوا إعادة وطنهم الذي ضاع منهم.. لكنهم لم يدروا انه ضاع منا منذ ضاعت مقالتي هذه!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات