23 ديسمبر، 2024 8:18 ص

لا جدوى! نحن الذين كبرنا بسرعة، نتحايل على الزمن، وما زلنا لا ندرك قيمة الوقت في نوبات الرمق الأخير، لم ندرك قيمة الهدوء على توتر أعصاب متجعدة، لا يفيد أي شيء، ثمة توجس لقدوم زائر ثقيل يسمى عزرائيل قابض الحيوات كما تقول كتب السيرة والتاريخ والفلسفة والغيب والعجائز،

نحن الذين شخنا بسرعة، أدخلونا عنوة، وشغلونا بحروب لا نهاية لها، وما تزال متوقدة كحفلة شواء دائمة، بداياتها نزوات وحماقات ورعونة جنرالات حمقى، فانشغلنا في خوفنا أكثر من حريتنا وهوامشها التي لا تعد أكثر من مطالب عادية لحقوق مهضومة أصلا،

كنا نطوف على كسل في الاستراحات الشهرية، نطوف على دكه السعادات بقمصان بيض واهمين بفجر سيأتي، الفجر غالبا لا يأتِ راقصا، ولكن لا فجر يأتي من ليل كسول!؟

كنا نحرص على الحضور، كأن حضورنا غيابا يتلعثم في اللا جدوى، كنا من دعاة الحب، ما فائدة الأقنعة على أنوف فنص؟، خدعتنا الأقنعة، خدعتنا الحكمة لأنها جاءتْ متأخرة، ما فائدة حكمة متأخرة على جرح يسيل! لقد وقع الفأس بالرأس وما عاد الضماد يفيد، كأن الأقنعة خنقها الشهيق والأتربة،

لم نغادر الطفولة رغم المشيب، وكما قال أبي لا تجرح أي شعور، إياك ان تجرح مشاعر الآخرين، حتى وان كنت صاحب حق، ستعيش معك الكلمات أكثر من البشر، ستعيش معك الذكرى على مائدة التذكر، لان الناس يتذكرون السيئات فقط، هكذا قال أبي وأغلق مفاتيح الكلام،

هكذا هربنا بالذكريات فواجهتنا الحروب، حروب مملة وسقيمة وتافهة وتثير اليأس والقنوط والشفقة،

حروب قذرة، وهي أشد فتكا من موت يستغيث على الطرقات، وكل حرب مكفولة بموت مجاني وسجن موحش وأناشيد كاذبة وهراوات وقمع مدون في سجلات الجنرالات والمليشيات والأحزاب الحقيرة،

كانت متاهة، وموت وصحراء ورمل كانت غثيانا يشبه حلم فاطس تحت الرمل، خدعة ان تحلم بشجرة، حلم يركض من خوفه على طرق نازلة نحو الهاوية،

لا مكان لك، لا مأوى، لا مدينة، لا حائط، لا ظل، لا متكأ، لا سند، ولا رحمة،

غرباء في صحارى قاحلة، نخشى رمال متحركة كي لا نفطس في السراب، نحن الذين هرمنا بسرعة لم نتعظ من الوقت، لا زمان لنا، ولا مكان، ولدنا غرباء ونموت غرباء، سألنا كثيرا ولا أحد يجيب!

كانت حياتنا عبارة عن صدف ومواعيد وأوهام وآمال كثيرات، ثم صدمتْ بحقائق، حقائق ثقيلة، كدمع تيبس في المآقي على تجاعيد الخدود، هكذا تحت لسان مقطوع،

لقد أبكانا صوت المغني كثيرا، فانشغلنا بالنواح على عمر تقطعت أوصاله، وصار هراءً بانتظار من يأتي بالخبر الحزين لكي يعلق خرقة فيها اسمك ونعي ليوم أو يومين فقط.