تمنع المادة (18) من الدستور العراقي لعام 2006 النافذ.. ازدواج الجنسية لدى المسؤولين الذين يشغلون مناصب عليا في الدولة العراقية.. إلا أن جميع هؤلاء المسؤولين مازالوا محتفظين بجنسيتهم الأجنبية الى جانب الجنسية العراقية.. على الرغم من مرور اثنا عشرة سنة من نفاذ هذا الدستور.. حيث تماطلت الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب في دوراته السابقة في تشريع قانون ينظم آلية تطبيق إلغاء الجنسية المكتسبة من المشمولين بها ..
ويبدو إن المسؤولين العراقيين يعتزون بالجنسية المكتسبة.. حتى لا تطالهم القوانين العراقية في سلوكهم وأعمالهم المخالفة للقوانين المرعية.. ويستطيعون الخروج من العراق من دون أية تعقيدات أو منع.. كما حدث لوزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي المكتسب الجنسية الأمريكية.. حيث خرج من العراق وعليه أمر القبض عليه.. ولم تستطيع السلطات العراقية من القبض عليه.. وهو متهم بسرقة ألمال العام .. كما لم تستطع إعادته للعراق لمحاكمته واسترداد الأموال التي سرقها.. وفشلت في كل الحالات المماثلة..
إن المشمولين بمشروع هذا القانون هم: رئيس مجلس النواب ونائباه وأعضاء المجلس.. ورئيس الجمهورية ونوابه.. ورئيس مجلس الوزراء والوزراء ومن هم بدرجة وزير.. ومحافظ البنك المركزي.. ورئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى.. إضافة الى السفراء.. والمحافظين.. ورؤساء مجالس المحافظات.. والمدراء العامون فما فوق في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات ..
وتنص المادة 3 من هذا القانون.. على تقديم الفئات المذكورة “تعهداً خطياً الى وزارة الداخلية يعلن فيه عدم اكتسابه جنسية أخرى.. أو تخليه عن أي جنسية مكتسبة غير الجنسية العراقية.. ويتحمل التبعات القانونية في حالة ثبوت مخالفته لإحكام القانون”..
وكانت اعتراضات سياسية اضطرت مجلس النواب الى رفع مشروع قانون “التخلي عن الجنسية المكتسبة” من جدول أعمال جلسته التي عقدت في 13 من آب الماضي للتصويت على حزمة إصلاحات رئيس الوزراء.. وأعيد مناقشة القانون في الفترة الحالية.. ويبدو إن هناك ضغوط لاستثناء بعض المناصب والنواب.. مما أدى الى تأجيل التصويت على مشروع القانون هذا ..
واستطاع عشرات المسؤولين الكبار المتهمين بالإرهاب أو بالفساد من مغادرة العراق من دون أن يستطيع احد القبض عليهم.. وهم وآباءهم يتنعمون بأموال العراق التي سرقوها.. وبدماء العراقيين التي نزفوها من دون رادع..
لقد أثبتت التجربة العراقية إن الغالبية من المسؤولين السراق يستخدمون جنسيتهم المكتسبة للهروب بأموال العراقيين.. ولا تستطيع الدولة إعادة أموالها المسروقة.. كما أثبتت تجربة 13 سنة من العملية السياسية إن السلك الدبلوماسي الرفيع في العراق يضع صاحب الجنسية المكتسبة سفيراً أو قائم بالأعمال أو سكرتير أول في بلد الجنسية المكتسبة.. وهذه هي من المناصب العليا في الدولة.. وبالتالي هو ليس دبلوماسياً ممثلاً لدول العراق.. بل هو مواطن الدولة التي يقيم فيها.. وقد يكون سلوكه وعواطفه مع الدولة المقيم فيها وهذه حقائق مثبتة.. فأي سفير يحمل جنسية البلد الذي يعمل فيه.. يمثل دولة أخرى ؟؟؟؟ وهي حالات ينفرد فيها السلك الدبلوماسي العراقي اليوم عن بقية دول العالم !!
فما الضير أن يتخلى عن جنسيته المكتسبة عندما يكون في منصب رفيع ؟.. أو عندما يكون نائباً في مجلس النواب ؟.. أي انه ممثلاً للشعب العراقي.. فمن غير المعقول أن يقال عليه انه ممثل شعب.. وهو يعتز بجنسية دولة أخرى !!
يا سادة : إن الولايات المتحدة الأمريكية ترفض الآن أن يكون سفير العراق لديها ممن مكتسب الجنسية الأمريكية.. وهناك حالة في العهد الملكي فقد افتتحت قنصلية للاتحاد السويسري في العراق.. واقترحت سويسرا أن يكون احد رعاياها يعيش في سويسرا منذ أكثر من 40 سنة قنصل سويسرا بالعراق.. وهو من أصل عراقي.. والرجل حتى لغته العربية كانت ركيكة ولغته ولغة أبنائه هي السويسرية ويشغل منصباً في سويسرا.. لكن العراق اعتذر في ذلك الوقت.. واعتبر ذلك إنهاء لحالة الدبلوماسية الحقيقية ..
بقيً أن نقول إن المادة 3 من هذا القانون : تحدد آلية التخلي عن الجنسية المكتسبة غير واضحة.. وقد تودي الى القفز عليها فتقديم تعهد خطي بالتخلي عن الجنسية المكتسبة لا يكفي للتخلي عنها.. فللدول قوانينها الخاصة في ذلك.. مما يتطلب وضع آلية واضحة ومحددة لتأمين تخلي أصحاب المناصب المشمولين بهذا القانون.. حتى لا يقفز على القانون.. ويعلن الشخص تخليه عن الجنسية المكتسبة .. وهو في حقيقة الأمر.. يضحك على القانون والدولة.. وعلى ذقون العراقيين ..واليوم ونحن على أبواب انتهاء أعمال الدورة الانتخابية.. نطالب بإلحاح تشريع قانون مزدوجي الجنسية.. لمنع دخول نواب جدد من مزدوجي الجنسية في الانتخابات المقبلة.. وإنهاء حالة مزدوجي الجنسية في المناصب العليا..